TODAY - 25 March, 2011
سكرتير «ة»
ميثم لعيبي
ترتبط مهنة السكرتارية في عالمنا الشرقي بقيم هي ليست من طينة الأصول العلمية التي ينبغي الركون إليها عند التفكير في اختيار شخص لهذه المهنة، ولعل أول ما يبادر الآخرون به هو سؤالك "شلونها، حلوة؟" وذلك ان حظاك الله بعمل تملك معه سكرتير(ة) تنظم أعمالك.
حدث هذا معي عندما عملت قبل مدة معاونا للعميد، كانت سكرتيرتي لا تمت إلى جنس النساء بصلة، لكن زوجتي لم تنفك تسألني عنها، فما كان مني إلا أن التقطت صورة جماعية لي ولبعض الزملاء وطلبت من السكرتيرة أن تشاركنا الصورة، ثم جلبتها إلى زوجتي التي لم تعد تسألني بعدها.
لو راجعنا الأدبيات التي تتحدث عن مهنة السكرتارية، لوجدنا ان ثمة عوامل موضوعية تتحكم في كيفية اختيار هذا الشخص، ولعل آخر ما ستجده في تلك الأدبيات هو التحدث عن "الأنوثة". ما قد تجده يرتبط أكثر بإجابات عن صفات السكرتير الناجح، وهذه تقسم إلى صنفين، شخصية وعلمية. ربما سيتصور مناصرو "السكرتيرة ـ الجسد" ان المقصود بـ "الشخصية" مواصفات ترتبط بـ"الطول، والعرض، الخ..". لا أبداً، فالمواصفات الشخصية تعني ـ من ضمن قائمة طويلة لن تجد الأنوثة بضمنها ـ أمور مثل الصدق، الأمانة، حفظ أسرار المؤسسة، اللباقة، حسن التصرف، الذكاء، قوة الذاكرة، الطلاقة، حسن الاستماع، الثقة بالنفس، المظهر الحسن والانتظام بالعمل...
أما المواصفات العلمية كالشهادة وسعة الاطلاع واستخدام آخر ما توصل إليه العلم والإلمام بقوانين المؤسسة وأنظمتها فإنها سيكون آخر ما يسأل عنه.
السؤال الأبرز سيبقى دائما "حلوة؟"
المرأة ـ السكرتيرة في عالمنا الشرقي تكون ضحية لتلك الممارسة، يجري تمييزها ذكوريا وتدخل اللعبة من حيث لا تعلم، تتقاذفها الأنظار والألسن، وتحلق فوقها الصقور...أما السكرتير، بدون الـتاء المربوطة، فهي مهنة غير لائقة ولا مقبولة في عالم الذكور، فهذا عمل أنثوي لا يليق بصفوة الرجال. وهكذا ينظر الذكر إلى تلك التاء المربوطة بوصفها طولا ممشوقاً بينما حذف التاء يكون خطيئة.
برأيي ليست المهنة بل إنها "تاء التأنيث" وحدها التي تؤدي إلى هذا الانقلاب في المفاهيم.
إنها بعض من إشكالاتنا التي يصعب علينا التخلص منها، فيها مزيج غريب من الموروث واللاهوت والهوى، فبينما تعترف كل الأعراف الدولية في مجال العمل بمنع كل الممارسات التي من شأنها إثارة أي نوع من التمييز لا زلنا نرزح تحت ظلمات معايير الذكورة والعرق والطائفة والدين...
كم سنحتاج لفك أسر تلك التاء المربوطة، وكم سنحتاج إلى منظفات للتخلص من هذه الافكارالتي يحملها العقل الشرقي.