الطلاق في قانون الأسرة الجزائري
مقــدمـــة
لقد قدّس الإسلام الزواج ووضع له من القواعد ما يضمن بقاءه واستمراره، والأصل أن تستمر الزوجية قائمة بين الزوجين حتى يفرّق الموت بينهما، لكن قد تسوء العشرة بين الزوجين ويتعثّر العيش بينهما وقد تفشل محاولات الإصلاح بينهما، لذا شرّع الإسلام إنهاء العلاقة الزوجية بينهما بالطلاق، وقد وُضِع لذلك جملة من الأحكام والإجراءات التي ينبغي على الزوج إتباعها حتى يقع طلاقه ويكون صحيحا. فما هو المقصود بالطلاق؟ وماهي طرقه؟ وفيما تتمثل إجراءاته؟
المبـحث الأول : المقـصـود بالطــلاق وبـيان أنـواعــه
المطلب 1: تعريف الطلاق :
"إنهاء عقد الزواج الصحيح في الحال أو في المآل بالصيغة الدالة عليه".
وقد عرّفه قانون الأسرة الجزائري في المادة 48 المعدلة بأنه "يحل عقد الزواج بالطلاق".
المطلب 2: أنواع الطلاق :
أولا : من حيث الصحة : طلاق سني وطلاق بدعي
الطلاق السني هو الذي يوافق أمر الله تعالى والرسول صلى الله عليه وسلم فيكون مرة بعد مرة بتطليقة واحدة لقوله تعالى: (( الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)) [البقرة: 229].
فيطلق الرجل زوجته طلقة واحدة رجعية وهي على طهر لم يمسسها فيه، وهو ما أطلق عليه الفقهاء إسم أحسن الطلاق لكونه موافقا للسنة.
الطلاق البدعي هو ما يخالف فيه المطلق الطريقة التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم باتبعاها في إيقاع الطلاق كأن يطلق الرجل زوجته أكثر من طلقة واحدة في دفعة واحدة أو يطلقها في حالة الحيض أو في حالة طهر يكون قد باشرها فيه.
ثانيا : من حيث المراجعة : طلاق رجعي وطلاق بائن
الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته وإعادتها إلى الزوجية ما دامت في العدة، وقد نصت المادة 50 ق أسرة على أن كل طلاق يقع رجعيا لا يحتاج إلى عقد جديد، وقد جعل الإسلام الطلاق الرجعي على دفعتين فإن وقع للمرة الثالثة كان ذلك دليلا على فساد الحياة الزوجية وإستحالة بقائها.
الطلاق البائن هوالذي لا يملك فيه المطلق مراجعة مطلقته في العدة وهو نوعان:
:: الطلاق البائن بينونة صغرى: هو الطلاق الذي يستطيع المطلق أن يراجع مطلقته فيه بعد إنتهاء عدتها، غير أنه لا يستطيع إرجاعها إلا بعقد ومهر جديدين "م50 ق أسرة: ومن راجعها بعد صدور الحكم بالطلاق يحتاج إلى عقد جديد" لأن العلاقة الزوجية قد إنتهت بمجرد إنتهاء العدة، ولذلك تطلّب الأمر إبرام عقد جديد ومهر جديد أيضا، ويكون هذا النوع من الطلاق في الطلقة الأولى والثانية فقط.
:: الطلاق البائن بينونة كبرى: وهو الطلاق الذي يكون المطلق قد استنفذ فيه جميع الطلقات الثلاث، أي طلقها للمرة الثالثة، فهو بذلك لا يستطيع مراجعتها إلا إذا تزوجت رجلا آخر بعده ويدخل بها، فإن طلقها بعد ذلك أو توفي عنها بعد الدخول وانتهت عدّتها جاز له بعد ذلك أن يتزوجها من جديد بعقد ومهر جديدين، "م 51 ق أسرة".
وقد اختلف الفقهاء في شأن هذا الطلاق إذا وقع باللفظ المتكرر ثلاث مرات أو إشارة، فهل يقع بائنا أم لا؟ كما إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق بالثلاث أو إذا تلفظ بالطلاق ثلاث مرات. ورأي جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الأربعة أنه يقع بائنا بينونة كبرى أما الرأي الثاني فيرى بأنه لا يقع إلا طلقة واحدة مهما كان العدد، وبه أخذت أغلب التشريعات العربية، أما قانون الأسرة الجزائري فالنص غير واضح في الموضوع من خلال م51، لكن بما أن الطلاق من الناحية القانونية لا يقع إلا بحكم قانوني فإن اللفظ المقترن بعدد الثلاث لا يقع إلا طلقة واحدة.
المبحث الثاني: الأحـكام المتعـلـقة بالطــلاق
المطلب 1: طرق الطلاق:
تضمن قانون الأسرة الجزائري في المادة 48 ثلاث طرق لوقوع الطلاق وهي :
أولا : الطلاق بإرادة الزوج: قد يجد الزوج في سلوك زوجته ما لا يستطيع البقاء معها على معاشرتها، ولذلك أبيح له الطلاق إذا كان السبيل الوحيد لحل المشكلة التي وقع فيها، وهذا بعد استنفاذ جميع الوسائل التي تسبق الطلاق عادة وهي الموعظة الحسنة والهجر في المضجع والضرب بغرض التأديب ومحاولة الصلح، فإذا تعذرت هذه الأمور ولم يفلح الزوج فيها أمكن له إستعمال حقه في الطلاق، وعليهفإن الشريعة الإسلامية وإن أباحت الطلاق للزوج فإنها جعلته في أضيق نطاق وبناءً على مبررات شرعية، وإلا أعتبر الزوج متعسفا فيإستعمال حقه في الطلاق.
فإذا تعسف الزوج في إستعمال هذا الحق فإن هذا التعسف يسبب ضررا للزوجة، ومنه إذا تبيّن للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها "م52 معدلة ق أسرة".
ثانيا : الطلاق بتراضي الزوجين: أباحت الشريعة الإسلامية الطلاق بالتراضي لقوله تعالى : (( وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )) [البقرة: 227].
وهذا التراضي بالطلاق من شأنه أن يرفع الحرج عن الزوجين معا، فإذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يتمكنا من الإنسجام مع بعضهما البعض بعد استنفاذ جميع الطرق اللازمة للصلح بينهما واتفقا على إنهاء الرابطة الزوجية بطريق ودّي فلهما ذلك.
ثالثا : الطلاق بطلب من الزوجة: إذا تضررت الزوجة من سلوك زوجها فإنها لا تطلق نفسها بنفسها، وإنما لها أن تطلب الطلاق من القاضي بناءً على جملة من المبررات نصت عليها م 53 المتعلقة بالتطليق و م54 المتعلقة بالخلع.
المطلب 2:إجراءات الطلاق:
أولا : ثبوت الطلاق: نصت المادة49 المعدلة على أنه " لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي دون أن تتجاوز مدته ثلاثة(03) أشهر من تاريخ رفع الدعوى. يتعين على القاضي تحرير محضر يبين مساعي ونتائج الصلح، يوقعه مع كاتب الضبط والطرفين. تسجل أحكام الطلاق وجوبا في الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة"، من هنا يتبين أن الطلاق لا يكون ثابتا إلا بموجب حكم قضائي.
ثانيا : الصلح والتحكيم: أشارت المادة 49 المعدلة أنه لا يجوز للمحكمة أن تقرّر الطلاق إلا بعد عدة محاولات صلح يجريها القاضي لإقناع الزوجين بالعدول عن التفكير في الطلاق شرط أن لا تتجاوز مدة محاولات الصلح ثلاثة أشهر إبتداءً من تاريخ رفع الدعوى "م49/1 المعدلة ق أسرة".
و نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه يتعين على القاضي إعداد محضر يبين فيه مساعي ونتائج الصلح، فإذا كانت النتائج إيجابية يذكر في المحضر الأمور التي وقع التصالح بشأنها، وإن كانت سلبية يذكر أن محاولات الصلح قد فشلت.
ويجوز للقاضي أن يعين حكمين اثنين لمحاولة الصلح بين الطرفين وللتوفيق بينهما في حالة ما إذا اشتدّ الخصام بين الزوجين ولم يثبت إي ضرر أثناء الخصومة"م56/1 ق أسرة"، فيعين القاضي حكما من أهل الزوج وحكما من أهل الزوجة، وعلى الحكمين أن يقدما تقريرا عن مهمتهما في أجل شهرين "م56/2 ق أسرة".
وإجراءات الصلح والتحكيم مبينة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية في المواد من 439 إلى 449.
ثالثا : تسجيل الطلاق: نصت الفقرة الثالثة من المادة 49 المعدلة على وجوب تسجيل أحكام الطلاق في سجلات الحالة المدنية بسعي من النيابة العامة، وذلك بالإتصال بضابط الحالة المدنية بالبلدية التي وقع فيها إبرام وتسجيل عقد الزواج ليقيّد منطوق حكم الطلاق في سجل عقد الزواج.
خـاتـمة
نستخلص مما سبق أن حل عقد الزواج يتم بالطلاق وهو حق مشروع للزوج أقره له الشرع والقانون، إلا أنه لا يمكنه أن يستعمله إلا لمبررات شرعية حتى لا يكون متعسفا في استعمال هذا الحق، وله إمكانية العدول عن فكرة الإنفصال عن زوجته إذا كان طلاقه رجعيا وذلك بمراجعة زوجته أثناء محاولات الصلح والتحكيم بينهما، أما إذا راجعها بعد صدور حكم الطلاق فهو بذلك يحتاج إلى عقد ومهر جديدين وهذا هو الطلاق البائن بينونة صغرى، لكن إذا كان طلاقه بائنا بينونة كبرى فلا يمكنه أن يراجع مطلقته إلا إذا تزوجت رجلا آخر ثم تُطلق منه أو يموت عنها بعد البناء.
كما يمكن أن يتم الطلاق بتراضي الزوجين واتفاقهما على الإنفصال وإنهاء الرابطة الزوجية بينهما إذا تبين لهما استحالة إستمرار الحياة الزوجية.
ويثبت الطلاق بحكم قضائي ويسجل هذا الحكم في الحالة المدنية