الإمام علي عليه السلام الذي بدأ حياته مبصراً النور في الكعبة العظيمة,وهي أول بيت لله سبحانه و تعالى, و انتهت حياته الشريفة في بيت من بيوت الله, و ما كان بين الولادة و الشهادة من مآثر عظيمة,لهو إمام يعجز اللسان أو القلم عن وصفه و الإحاطة به و بعظمته سواء كان ذلك القلم إسلامياً أم مسيحياً."
نستعرض في هذه المقالة آراء المستشرقين في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فهذه الآراء لاتزيد هذه الشخصية الرائعة إلا مجدا ورفعة وعلوا، قال المستشرق بويرعنه ما نصه: «توفي علي في الستين من عمره وكانت مدة خلافته أربع سنوات وتسعة أشهر كلها معارك ومتاعب، وقد كان في شبابه من أعظم الأبطال في حروب الإسلام ولكنه بعد وفاة النبي لم يشترك في موقعة من المواقع، ولم يتزوج على فاطمة ابنة النبي، وبعد وفاتها تعددت زوجاته وكان علي أبا رقيق العواطف وقد ولدت له في كبره ابنة كان يتسلى بمداعبتها ويضعها على ركبتيه ويخصها بمحبته، وهو آخر الخلفاء الراشدين، وأول الأئمة الإثني عشر، وكان لين الجانب كريما متحملا للشدائد صابرا، ولم يظهر الحقد على الخوارج الذين ثاروا عليه وأتعبوه، وكان عاقلا في مشورته، وقد نسب إليه كثير من الأمثال السائرة». أما الأستاذ واشنطن أيرفنج فقد قال عنه: «إننا لا نعلق على خلق علي الشريف الكريم ذلك الخلق الذي يتجلى في جميع أدوار حياته، لقد كان أجدر رجال الإسلام السابقين الذين أشربوا روح الحمية الدينية من صحبة النبي، واقتدوا بأخلاقه الكريمة، وهو أول خليفة كان له شأن في العناية بالآداب والفنون، وقد نظم الشعر، وحفظ عنه كثير من الحكم والأمثال التي ترجمت إلى لغات عدة وكان نقش خاتمه الملك». هذا بعض ما قاله المستشرقون عن أمير المؤمنين الإمام علي ابن عم رسول رب العالمين وزوج سيدة نساء العالمين وأبو السبطين ووالد المسلمين وخير الصحابة المنتجبين رضي الله عنهم أجمعين.
وبالعودة إلى جوهر موضوعنا ثانية ، نرى أن غوته يصف الإمام علي عليه السلام في كتابه ( الشعر و الحقيقة ) بالمؤمن الأول بالرسالة السماوية إلى جانب السيدة خديجة زوجة الرسول محمد صلى الله عليه و آله و سلم ، و يصف غوته ذلك الإيمان المبدئي من الإمام علي عليه السلام بأنه الانحياز الكلي و المطلق إلى رسالة محمد صلى الله عليه و آله و سلم .
، يقول ( يان ريشار ) : (( و الحق ان المسلمين، سليمو النية ، يتخذون من علي نموذجاً ، كما لو أنه ، حتى في القرن العشرين ، لا يزال أمثل صورة للنظام الإسلامي السياسي )) .
و يؤكد الباحث ( ريشار ) ان نهج الإمام علي و رسالته الأخلاقية النبيلة قد استمرا بعده من خلال ابنه الإمام الحسين عليه السلام ، و لذلك ، فإن (ريشار) يرى أن : (( الإمام علي و الإمام الحسين حاربا الظلم و العنف لدى الأمويين ، الذين كانوا ينسون الفضائل الاجتماعية و الأخلاقية للرسالة الإسلامية ، و يمارسون التحيُّز و المحاباة للأقرباء و الأنصار، ممارسة شاملة )) ."
"(( إنسانية التفكير و خيرية العمل و ديمقراطية الحكم و إباحة الأرزاق للشعب وحده دون الوجهاء و الزعماء و المنتفذين و المترهلين )) ، في حين كان الأمويون (( من أبرز من يمثلون الملوك في التاريخ و ميلهم إلى الحكم الفردي الاستبدادي و خصائصهم في الاستئثار و الاحتكار و جعل الأرض و الناس منهبة لهم و عبيداً )) ويضيف قائلا"
(( علي من أولئك البشر الذين كتب عليهم أن يموتوا لتحيا ، بموتهم ، شعوب و أمم . و أعداء علي من أولئك النفر الذين آثروا الحياة على الموت فأماتوا ،بحياتهم ، كل إباء و شمم )) ."
اما رؤية المفكر إلى التألق الأدبي للإمام عليه السلام والاخر تألقه عليه السلام في المجال السياسي و يذكر لنا في المجال السياسي النظرة التي ينظرها السكرتير العام لكتلة نُوّاب الوسط في مجلس الشيوخ الفرنسي و مدرّس مادة ( الإستراتيجيا ) في جامعة السوربون الأستاذ ( فرانسوا توال ) و ينقل عنه :
" أنّ الإسلام بمفاهيمه الرّوحية و العقائدية ، بما في ذلك التوصيات العلمية التي يدعو إليها ، لن يُفهم على حقيقته من قبل الغرب ما لم يقرأ الغربُ الإسلام الحقيقي و ينهل من نبعه الأساسي المتمثّل بفكر أهل بيت النبوّة ، ذلك الفكر المعروف في الغرب باسم الفكر الشيعي أو المذهب الشيعي .
و علاوة على ذلك ، يرى السيد ( توال ) أيضاً أنّ ديناميكية الإسلام و قوّته الحركيّة في مواكبة الحياة و التفاعل مع التّيارات الروحية لأبنائها تمكن بالدرجة الأولى في التيار ( الفكري – الروحي ) الذي يمثّله، بالطبع ، الإمام علي عليه السلام . و لذلك ، فإنّ الأستاذ ( توال ) يؤكد تلك الحقيقة قائلاً :
(( سيبقى هذا العالم الإسلامي غير مفهوم منا سواء كان بشكله السياسي أو بشكله الجيوبوليتيكي أو بشكل حوار الأديان إذا كُنّا لا نعرف التشيُّع )) . فالتشيُّع هو البوّابة الرحبة للحوار السلمي بين الأديان و الحضارات ."
و لذلك ، فباستطاعتنا أن نقرأ كيف أن الباحثة ( آرمسترونغ ) قد ذكرت في كتابها ( الإسلام في مرآة الغرب ) أن الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم قد أعلن أن الإمام علي عليه السلام هو الوصي و الوالي على كل المسلمين منذ انبثاق الخيوط الأولى لفجر الرسالة الإسلامية و ذلك في ما يعرف تاريخياً ببيعة الدار حيث عرض الرسول الكريم صلى الله عليه و آله دعوته الجديدة على المدعوين قائلاً :
(( أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم ؟ )) ، و لما ساد الصمت المربك ، وقف الإمام علي عليه السلام و قال بجرأةٍ و ثبات و بإيمان كامل :
(( أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه )) .
و بعد أن تذكر الباحثة ( آرمسترونغ ) هذا الحدث بدقةٍ و أمانة ، نراها تستمر في عرض المشهد الأخير من ذلك الحدث ، و هو المشهد الذي يصور الرسول الكريم صلى الله عليه وآله و سلم يقف بجانب الإمام علي عليه السلام و يقول علي عليه السلام و يقول على مسمع من الجميع :
(( إن هذا أخي وو صيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له و أطيعوا )) .
نعم ، إن الباحثة ( كارين آرمسترونغ ) تذكر هذه الحادثة و غيرها أيضاً من الحوادث المهمة و الحاسمة في التاريخ الإسلامي ، و لكنها لا تكتفي بذكر هذه الحادثة أو تلك من منطلق تاريخي فحسب ، بل نراها تعمل فكرها بحثا و تحليلاً في أبعاد تلك الحوادث المهمة و في نتائجهــا و أصـدائها المستقبلية اللاحقــة .
و انطلاقا من ذلك ، فإن الباحثة ( آرمسترونغ ) تعتبر أن الإمام علي عليه السلام هو من الناحية الفعلية الإمام و الوصي الشرعي على كل المسلمين .
و بالتالي ، فإن مخالفته مخالفة للرسول نفسه صلى الله عليه وآله و سلم .
بل يمكننا أن نلاحظ في كتاباتها المتعددة التركيز الواضح على وصاية علي عليه السلام و ولايته
منقول عن(د.عبدالله حميد العتابي )أتسمت كتابته بالدقه والامانه___جريدة الصباح ــــــــــــــــ