العبادة والبرنامج العبادي يمنح حياتنا أسلوبا

إن العبادة ترتبط كثيرا بسلوك الإنسان. فعلى سبيل المثال يقول الأطباء أن الصلاة مع ما تحمله من آثار معنوية كبيرة جدا، هي رياضة في نفس الوقت. وكذلك يقول بعض الأطباء أن النشاط الذي يمنحه الوضوء للإنسان يعادل من بعض الجهات الاستحمام الكامل أو السباحة في المسابح.
العبادة والبرنامج العبادي له تأثير واسع على حياة الإنسان ويمنح هذه الحياة «أسلوبا» خاصا. فقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يبرمج حتى لعزائمنا وولائمنا، ولهذا جاءتنا وصايا في صلة الرحم في خصوص هذا الشهر. لقد وصانا النبي الأعظم(ص) بالأيتام مرتين في خطبته الشعبانية. فإن عُمِل بوصيته، يصبح شهر رمضان المبارك عيدا لأيتام هذه الأمّة.

من شأن العبادات أن يلتذ ويتمتع بها الإنسان، ولكننا نؤديها وكأنها ضريبة علينا!

يقول الإمام الصادق(ع): «قَالَ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى یَا عِبَادِیَ‏ الصِّدِّیقِینَ‏ تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِی فِی الدُّنْیَا فَإِنَّکُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِی الْآخِرَةِ. الكافي/ج2/ص83».
وقال الشيخ بهجت(ره): «يبدو من هذا الحديث أن من شأن العبادات هو أن يتنعم بها الإنسان ولكننا نؤديها وكأنها ضريبة علينا، كأنها دواء مرّ نشربه مضطرين.» إذن ليست العبادة بتكليف إجباري أكره عليه الإنسان بالسوط. بل بإمكاننا أن نلتذ بالصلاة ونتمتع بها. فنحن إن فسحنا المجال للعبادة، تأت العبادة عندئذ وتنظم وتطور سلوكنا.

تغيير الزيّ قليلا في الصلاة، يعين الإنسان على استشعار مزيد من المعنوية والروحانية أثناء صلاته/ أثر ارتداء العباءة في الصلاة

لقد جرت عادة بعض المصلين أن يرتدوا عباءة أثناء الصلاة. وهذا يعني أن زيّه قد تغير أثناء الصلاة وتأثر بها. فإن مارستم هذا السلوك فترة سوف تشعرون بجماله وتتعلقون به ما قد يجعلكم لا تستطيعون أداء الصلاة بلا عباءة.
إن هذا السلوك، أي ارتداء زيّ خاص أثناء الصلاة هو جزء من أسلوب الحياة. وكثير من المساجد قد وفّروا عباءات لهذا الغرض وهذا عمل جميل.
بمجرد أن يعمل الإنسان تغييرا قليلا في زيه أثناء الصلاة، هذا يعينه على ازدياد حضور قلبه واستشعار أجواء معنوية أفضل في الصلاة.

لماذا تريد العبادة وبإصرار منها أن تدير وتغيّر سلوكنا بشكل دائم؟/ لأن «للعمل والسلوك» أثرا كبيرا على «هواياتنا» و«عقائدنا» و«علمنا».

لماذا تريد العبادة وبإصرار منها أن تدير وتغيّر سلوكنا بشكل دائم؟ لماذا تحرص العبادة على أن تعطي سلوكنا اتجاها إلهيا وأن تترك فيه آثارها؟ فيا ترى كم لسلوك الإنسان وأسلوب حياته من أهمية؟
لماذا يحظى أسلوب الحياة بهذه الأهمية بحيث تحرص العبادة على أن تترك آثارها الإيجابية على أسلوب حياتنا؟ لأن أساسا للعمل والسلوك أثرا كبيرا جدا على هواياتنا وعقائدنا وعلمنا ومعرفتنا ولكن للأسف قل ما يعار اهتماما لهذه القضيّة. يعتقد كثير من الناس أن الطريق الوحيد لتعزيز عقائدنا هو أن الحضور في الدروس العقائدية، طبعا وبالتأكيد إن لها دور في ذلك ولكن ليس لها كل الدور، بل العمل هو الذي يلعب الدور الرئيس في تعزيز العقائد.

نستطيع أن نغير رغباتنا وأحوالنا بأعمالنا وسلوكنا/ يمكن استئصال جذور حب الدنيا بالعمل

إذا تلاحظون أثر العمل، تجدونه ذا أثر على رغباتكم وهواياتكم. لا يستطيع الإنسان أن يتحكم في رغباته بشكل مباشر. فعلى سبيل المثال إن سأل أحد: «كيف أستطيع أن لا أكره الدنيا مع أني أحبها؟ وكيف أقدر على قلع حب الدنيا من قلبي؟» الجواب هو أنه: «أصلح عملك، وغض النظر قليلا عن زخارف الدنيا، وأكثر من التصدق بمالك، وأكثر من البذل والعطاء، فإنك قادر على تغيير نزعاتك وأحوالك القلبية بعملك».
فلا يخرج حب الدنيا من قلب الإنسان بالكلام والموعظة وحسب، طبعا إن للموعظة والتذكار أثرا لا شك فيه، بيد أن استئصال حبّ الدنيا من القلب والقضاء عليها إنما يمكن بسلوك الإنسان نفسه.

يحصل العلم والمعرفة بالعمل أيضا/ فإن عملتم بما تعلمون يرسل الله إليكم العلوم والمعارف من السماء

إذا أردنا أن نزداد حظا من المعرفة، لابدّ أن نعرف أن العلم والمعرفة إنما يحصلان بالعمل. قال رسول الله(ص): «مَنْ‏ عَمِلَ‏ بِمَا عَلِمَ‏ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ یَعْلَم‏؛ الخرائج و الجرائح/ج3/ص1058» وقال الصادق(ع): «مَنْ‏ عَمِلَ‏ بِمَا عَلِمَ‏ کُفِیَ مَا لَمْ یَعْلَم‏؛ توحید الصدوق/ص416». فإن عملتم بما تعلمون ينزل الله إليكم العلم والمعرفة من السماء وكأن الملائكة تأتيكم لتزيدكم علما.

يتبع إن شاء الله...