ثلاثة مضحكة لعمري
2
أنا Anna
التقيت في لندن ونتيجة الصدف،بأحد المعارف ، ودعاني لزيارته في البيت ، واتفقنا على نهاية الأسبوع ، وتم ذلك ، وابان الحديث في بيته ، أخبرتني زوجته السويدية ، أن لها صديقة حميمة في استوكهولم ، عاصمة السويد ، تعزها جدا ، وتبغي مراسلة عراقي ، يتحلى باحساس أدبي ، وطلبت مني مراسلتها. استجبت لطلبها ، وأعطيتها عنواني . وخجلت أن أسالها عن الهدف من المراسلة ، وعن عمرها ، وهواياتها. بعد أسبوع ، استلمت مستغربا ، رسالة في اللغة الانكليزية من السويد ، من فتاة تدعى أنا ( Anna) لا معرفة سابقة لي بها ، وأخيرا تذكرت زوجة صاحبي السويدية في لندن ، وعرفت مصدرها. فتحت الرسالة بشوق ، لاطلع على محتواها ، واهتميت جدابقراءتها ، لعلي أتوصل الى معرفة شخصية المرسلة ، من خلال الأسطر. قرأت الرسالة بتمعن كعادتي ، فوجدتها تحفة أدبية ، وقد كتبت بخط واضح جميل ، وباسلوب رائع ، ذكرني ببعض الكتاب الاتكليز ، الكلاسيكيين. في الرسالة وصف ، وتعابير ، تجعل القارئ ، يقف أمامها احتراما وتقديرا . وتوصلت من خلال الخط ، أن الفتاة بحدود الثامنة عشرة من عمرها. وتيقنت من مضمون الرسالة أنها ، ذكية ، مؤدبة ، متطلعة بالأدب ، ومسيطرة عليه فكرا وأسلوبا ، لأنها حيكت بتعابير تدل على تفهم. وكان عمري في وقتها 17 عاما.
رديت عليها برسالة ، شاكرا طيب مشاعرها ، وهكذا استمرت المراسلة بيني وبين أنا ( Anna) بطابع أدبي صرف ، دون أن يسال احدنا الاخر عن أموره الشخصية.
في ليلة مقمرة، كنت في سويسرا ، جالسا بمقهى تطل على بحيرة جميلة وشاعرية ، هزت أوتار أشواقي وأهاجت ذكرياتي ، فركبت زورق خيالي ، عائما في بحر عواطفي ، وأنا انظر للنجوم تتراقص في البحيرة ، مرحبة بالبدر المنير. تذكرت أنا ( Anna) وكتبت لها رسالة بعنوان : ( في بحيرة أحلامي مع أمواج الذكريات ).أجابتني برسالة افتتحتها بعبارة : عل موجة تخطيء ، وترميك عندي ، وساكون سعيدة بلقائك ، ورجتني فيها أن أزورها ، وكتبت لي ولأول مرة رقم هاتفها.
الأفكار أخذت تتراقص في فكري ، كتراقص النجوم في بحيرة أحلامي ، بحيث أصبح لأنا ( Anna) مكانا في قلبي ، بعد أن كان في فكري ، وصرت اشتاق لرؤياها بنوع من الاحساس الغريب.استمرينا بالمراسلة دون ان يتطرق احدنا الى أمور الاخر الشخصية.
دار الزمن دورته ، ورمتني عاصفة الحياة في برلين !!!!!!!!!!! وعزمت أن ازور أنا ( Anna ) في استوكهولم. بعد أن أصبحت المسافة بيني وبينها ليلة في القطار.
اتصلت بها هاتفيا دون تردد،واذا بها على الهاتف ، ترحب بي ، وهي ولما تزل تنتظر زيارتي. وعدتها أن أكون عندها بعد غد صباحا ، غير أني سأرجع مضطرا الى برلين مساء في اليوم نفسه.سمعت ولاول مرة صوتها العذب ، والذي كان يذوب في عروق مشاعري ، كما يذوب العسل في الماء الحار. صوت يمتاز برقته ونعومته ، عراقي مجهول ، قالتها بعطف ممزوج بنوع من الشوق ، والحب العذري ، كدت انصهر من جرائه ببودقة الحب.!!!، او بالاحرى انصهرت ، وتأكد لي ، أن تخميني لها من خلال الرسائل كان صحيحا . تأكدت من صوتها ، أنها شابة في مقتبل الحياة ، تمتاز بكل الصفات الحسنة ، وبدأ يتراءى أمامي جمالها.
ركبت القطار من برلين مساء ، الى عاصمة السويد ، الى أنا ( Anna ) الشابة الجميلة ، أنا Anna الاديبة ، أنا ( Anna ) الفيلسوفة ، والعبقرية.
غدا سوف التقي بأنا ( Anna ) الشابة ، بفتاة السويد العبقرية. سوف نغوص في الادب ، في الفلسفة ، وعلم النفس ، في علم الاجتماع ، نعم غدا.
وصلت في الثامنة صباحا عاصمة السويد ، ذهبت واستحممت أولا، ثم ارتديت بدلة زرقاء غامقة ، على ثوب ناصع البياض ، يذكرك بالثلوج على قمم هملايا ، ورباط يجعلك تحس بالربيع من حسن الوانه ، وحذاء كنت اخشى عليه من ثقلي لرقة جلده وجمال فصاله. نظرت في المراة الى شعري ، فرايت ان الليل قد تجسد فيه ، وجعله أكثر سوادا ، نظرت طويلا الى شكلي فلم أر فيه ما لا استحسنه.
اتصلت بها هاتفيا من المحطة ، وصوتها رن في مسمعي حبا ، وذكاء ، وجمالا ، مرحبة بي ، وأملت علي عنوانها ، وهي في انتظاري .
استأجرت سيارة ، وبعد دقائق ، وجدت نفسي امام بيت أنا. ( Anna )
الجو كان مشمسا ، والمناخ معتدل الحرارة ، فكنت بين ربيعين ، أحدهما أحسن من الاخر ، بل كنت بين حب واصباء .
كبست على جرس الباب ، واذا بامرأة عجوز ، تبلغ من العمر عتيا ، متكئةعلى عكازتين ، تفتح الباب مرحبة بي: اهلا يا عراقي مجهول ، تفضل.
دخلت البيت سائلا: أين أنا ( Anna )؟ أجابتني بانشراح: انا أنا ( Anna ) يا عراقي مجهول ، تفضل أنا مسرورة بزيارتك.
عرفت منها ان عمرها 89 عاما ، وهي كاتبة معروفة ، ولها مؤلفات كثيرة . أرتني صحيفة ادبية تصدر باللغة السويدية.
- انا لا اجيد السويدية
- تستطيع ان تقرا اسمك فيها
- ما السبب
- سبق وان ترجمت مقالتك ( في بحيرة أحلامي مع أمواج الذكريات ). ونالت عندنا استحسانا .
أنا ( Anna ) العجوز لم تكن مشكلة أمامي على الرغم من استغرابي ، لاني اعرف ان ذهبت الى القمر اجد أمامي عجوزا ، المشكلة ، أن لأنا ( Anna ) اكثر من عشرة قطط ، واحتطن بي ،وملأن بدلتي الغامقة شعرا. وبعد حديث طويل وشيق ودعت أنا ( Anna ) أحلامي ، لاعود الى برلين محملا بشعر القطط ، وضاحكا من تناقضات الحياة هههه.
ابن العراق الجريح:عراقي مجهول