TODAY - March 21, 2011
زعماء المنطقة بين خيارين... أحلاهما مرّ
هذه هي أسباب ازدواج المعايير العربية إزاء أزمة ليبيا
الزعماء العرب بين نارين: تأييدهم التدخل الأجنبي في ليبيا وتأليب سائر التيارات المحافظة ضدهم، إضافة الى إقرارهم بشرعية التدخل الأجنبي لإطاحتهم هم أنفسهم من جهة، ومن الجهة الأخرى معارضته وسماحم لليبيا بأن تتحول إلى صومال أخرى وسطهم يمتد لهيبها ليأكلهم أيضًا.
العقيد الليبي معمر القذافيصلاح أحمد من لندن: الزعماء العرب لا يستسيغون فكرة الهجوم على أي منهم. لكن مجازر النظام في ليبيا والضغوط الغربية أجبرتهم على إعلان تأييدهم حظر الطيران في الأجواء الليبية والهجمات اللازمة له ضد أهداف العقيد القذافي المعتبر على نطاق واسع انعكاسًا كاريكاتوريًا للدكتاتورية عبر العالم العربي.
لكن هذا الازدواج لا يتوقف هنا. فخذ الأنظمة العربية، ممثلة في الجامعة العربية، التي أهابت بالأمم المتحدة فرض حظر الطيران. فالآن وقد راحت صواريخ كروز تنهمر من سماء ليبيا، بدأت تلك الأنظمة تنتقد هذا الوضع لأنها تخشى - بعد عقود من التناقضات والقهر والنزاعات الطائفية - أن تُلقى عليها اللائمة في الانحياز إلى جانب الامبريالية الغربية.
يوم الأحد على سبيل المثال، راح عمرو موسى، أمين الجامعة العربية الذي كان قد دعا الأمم المتحدة قبلها بأسبوع فقط إلى فرض الحظر الجوي في سماء ليبيا، ينتقد تطبيق هذا الحظر قائلاً إن ما يحدث يختلف عن هدف الحظر لأن المراد هو حماية المدنيين.
خليط متنافر
بالطبع فهناك على الدوام مخاوف من أن أي تدخل أجنبي سيؤجج نار الأصولية الإسلامية وسط المتظاهرين على الأنظمة العربية بمن فيهم أولئك الذين لا يتحركون بدوافع دينية أو آيديولوجية. وررغم ان القذافي نفسه يفتقر الى تعاطف شعوب المنطقة، فإن الحكام العرب يخشون أن يؤدي الهجوم عليه - وسكوتهم على هذا - الى مزيد من زلزلة المصداقية التي يتمتعون بها.
هذا هو الخليط الذي يلقي بأضواء ساطعة على النفاق وازدواج المعايير والمخاطر العديدة المتصلة بالسياسة العربية كما ترى «لوس انجليس تايمز» التي تسوّق أحداث البحرين ورد فعل المنطقة عليها مثالاً على ذلك. فيقول محمد التاجر، وهو محام يدافع عن السجناء السياسيين في المملكة الخليجية إن «الجامعة العربية عبارة عن ديكتاتوريات لا يهمها غير حماية مصالحها».
وما فتئ الأصوليون الإسلاميون يتهمون القادة العرب بمحاولة إرضاء الغرب. ويشير هؤلاء الى العراق وأفغانستان، قائلين إن العواصم العربية متواطئة مع الغرب في مؤامرة تقودها الولايات المتحدة للسيطرة على العالم الإسلامي.
على أن هؤلاء ليسوا الوحيدين القلقين إزاء التدخل الغربي في شؤون الشرق الأوسط. في هذا الصدد يقول أجاز أحمد في مقال له على صفحات «عرب نيوز» السعودية إن «الزعماء العرب، الذين أهملوا فناءاتهم الخلفية ردحًا من الزمن، ينتبهون الآن إلى أن الثورات قد تطرق أبوابهم في اي لحظة. وهم يعلمون أنهم بحاجة إلى حلّ ما - في ليبيا مثلاً - لا يشمل تدخل القوى الغربية التي يصنّفها تاريخ الأراضي العربية في خانة «المحتلّة».
الجانب المظلم
صارت ليبيا الجانب المظلم لـ«ربيع العرب» بعدما واجه ديكتاتورها المزاجي شعبه بالطائرات والدبابات والمدفعية. لهذا فلم يشهد أي جزء من العالم العربي مظاهرات احتجاج ضد حظر
الطيران، كما يوضح مصطفى العاني مدير «مركز أبحاث الخليج» في دبي. ويضيف قوله «ربما كان العرب لا يحبّذون ما يرون الآن. لكن البديل الوحيد بالنسبة إليهم هو السماح لليبيا بالانزلاق في جحيم الحرب الأهلية وتحولها صومالاً أخرى وسطهم يمتد لهيبها ليأكلهم أيضًا. إنهم لا يريدون تدخلاً عسكريًا خارجيًا، لكنهم يعتبرونه الآن أسهل الشرّين».
المزاج العام يختلف إذًا عما كان عليه في عام 2003 عندما شهدت المدن العربية مظاهرات احتجاجات صاخبة بسبب تأييد زعماء المنطقة غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة. لكن المظاهرات وقتها لم تهدف إلى إطاحة الأنظمة، عكس ما يحدث اليوم، وهذا هو منشأ القلق العارم وسط حكام المنطقة.
يقول مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية في القاهرة، إن الأنظمة العربية الرئيسة تواجه موقفًا حرجًا للغاية. فهي تخشى أن تبدأ تيارًا جديدًا في المنطقة يعود وبالاً عليها. ومن المحتم أنها لا تريد للقوى الأجنبية مساعدة الثوار المحتملين عليها، كما إنها لا تريد رؤية عراق آخر وسطها.
«صداع القذافي»
تبلغ حساسية مهاجمة دولة عربية حدّ أن الأنظمة المشاركة في التحالف الدولي ضد نظام القذافي الآن لا تريد التعرف إليها كجزء من هذا التحالف، والاستثناء الوحيد هنا هو قطر التي أعلنت مشاركتها على الملأ. وبينما تظل دول عربية أخرى صامتة إزاء موقفها الحقيقي، فمن غير الواضح ما إن كان أيّ منها يمدّ القوات الدولية بسلاح أو طائرات، خاصة بالنظر إلى أن الولايات المتحدة هي التي تقود ذلك التحالف.
و«صداع القذافي» هو آخر وأخطر التحديات التي يواجهها الترتيب السياسي في المنطقة العربية. يأتي هذا وسط بلوغ الغضب الشعبي والسعي إلى الحرية نقطة غليان فجائي، أطاح الرئيسين التونسي والمصري، ويوجه الآن نيران قوات الأمن في اليمن والبحرين إلى صدور المتظاهرين.
ليبيا ضد اليمن والبحرين
من ازدواج المعايير هنا أيضًا أن القادة العرب الذين انتقدوا القذافي على مهاجمة شعبه بالقوة النارية، يغضّون البصر عما يحدث في اليمن، مثلاً، رغم سقوط أكثر من 50 متظاهرًا قتيلاً خلال مظاهرة واحدة يوم الجمعة ضد الرئيس علي عبد الله صالح.
كما إنهم صمتوا عما يحدث في البحرين لأن انتفاضتها "شيعية" -حسب اعتقادهم - ونجاحها قد يفتح الباب واسعًا أمام النفوذ الإيراني في المنطقة.
أما السبب في كل هذا فهو أن اليمن والبحرين يتمتعان بأهمية استراتيجية سياسية بالنسبة إلى القادة العرب (وواشنطن) لا تتمتع بها ليبيا برغم حقول نفطها وغازها.
من وجهة النظر الأميركية - وأطراف عربية أخرى - فإن الرئيس اليمني مهمّ في التصدي لتنظيم القاعدة، الذي يتخذ من أراضي بلاده منطلقًا لتهديد الاستقرار في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي. والبحرين من جهتها قاعدة للأسطول الأميركي الخامس، الذي تنظر إليه دول المنطقة كحارس لمياه الخليج في وجه التهديد الإيراني.
دعوة إلى الاعتماد على النفس
يرى بعض المحللين أن الأوان قد آن لأن تنشط الأنظمة العربية قليلاً في ما يتعلق بتدبير شؤون دارها بدلاً من الاعتماد على العون الغربي، الذي ينتهي في الغالب إلى سياسات وتوصيات فاشلة. ويقول بول سليم مدير مركز كارنيغي لشؤون الشرق الأوسط في بيروت: «على العرب المشاركة في فرض حظر الطيران فوق ليبيا. ورغم أنهم يريدون تطبيقه، فهم يفضلون أن يقوم به شخص آخر. هذا حتمًا هو الموقف الخطأ».