TODAY - March 21, 2011
دوافع السعودية للعزف على وتر الطائفية و صور الدمار الهائل في ليبيا
مادلين بانتنغ: يجري حاليا استغلال الانقسامات الطائفية في خضم الحراك الذي تشهده المنطقة العربية من انتفاضات.
في الصحف البريطانية الصادرة اليوم الاثنين نطالع عددا كبيرا من التقارير والصور التي ترصد حجم الدمار الكبير الذي لحق بالقوات والمواقع التابعة للعقيد الليبي معمَّر القذافي جرَّاء استهدافها من قبل قوات التحالف، بالإضافة إلى تقارير أخرى تتحدث عن دوافع السعودية للتدخل في البحرين وللعزف على وتر الطائفية.
فقد تصدَّرت عناوين وصور الضربة العسكرية على ليبيا الصفحات الأولى في صحف اليوم كافة. عربات مدرَّعة ودبابات استحالت إلى كتل هائلة من اللهب بعد أن كانت قبل ساعات تعربد على مشارف مدينة بنغازي ومدن ليبية أخرى استعدادا للانقضاض على الثوار المعارضين لنظام القذافي.
صور لجثث القتلى من الجنود الليبيين وأخرى لعناصر هائمين على وجوههم مذعورين في الصحراء من هول الدمار الذي لحق بقواتهم التي استُهدفت لليوم الثاني على التوالي بآلاف الصواريخ والقنابل التي ألقيت عليها من قبل الطائرات والبوارج الحربية والصواريخ الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وربما العربية.
تظهر الصحف تلك القوات، التي كانت قد استعادت السيطرة خلال الأيام القليلة الماضية على معظم المدن والبلدات التي سقطت في أيدي المعارضة منذ شهر ونيِّف على بدء الانتفاضة، مشتتة محطمة، بينما تبدو المعارضة تلملم قواها استعدادا لإعادة الكرِّ على معاقل القذافي.
فعلى الصفحات الأولى من صحف الاثنين نطالع العناوين الرئيسية التالية:
الجارديان: "أمطار الحرب تهطل على ليبيا"
"الدعم العربي يتراجع في اليوم الثاني من ضربات الحلفاء"
الديلي تلجراف: "القذافي يواجه هجوما خاطفا آخر"
"مدينة كانت على وشك السقوط، ومن ثم جاءت الطائرات"
الفايننشال تايمز: "الضربات الجوية فعَّالة للغاية"
التايمز: كمين في تيقة
الإندبندنت: وتناثرت الجثث محروقة مقطعة الأوصال
وفي التفاصيل نطالع سيلا جارفا من المعلومات والصور والرسوم البيانية التي توضح عمليات القصف الجوي والبحري والأهداف التي طالتها داخل ليبيا، بما في ذلك مجمَّع "باب العزيزية" داخل العاصمة الليبية طرابلس، حيث يقيم القذافي الذي أكَّد وزير الدفاع البريطاني، ليام فوكس، أنه قد بات نفسه "هدفا لقوات الحلفاء".
وإلى جانب التحقيقات التي تتناول تفاصيل العمليات الحربية والتحركات الميدانية لكل من قوات الحلفاء وقوات القذافي والمعارضة على الأرض، نطالع أيضا عددا كبيرا من التحقيقات والتقارير والمقالات التي تتناول الجوانب السياسية للحدث.
تخشى الدول الغربية من تصاعد الانتقادات العربية للعملية العسكرية ضد القذافي في حال خرجت عن أهدافها الأساسية.
فتحت عنوان "الحلفاء يخشون من أن الانتقاد العربي قد يؤدي إلى تقويض الهجمات"، نطالع في صحيفة التايمز تحقيقا جاء فيه أن فرنسا جهدت خلال الليلة الماضية لشرح أهداف وتفاصيل الهجوم على ليبيا لحلفائها من الدول العربية، كما أبعدت باريس أي شكوك مزعومة بشأن وجود أي اختلاف بين الأوروبيين والأمريكيين بشأن العملية.
بقاء القذافي
إلاَّ أننا نطالع تحقيقا في الديلي تلجراف بعنوان "قائد القوات الأمريكية يقول إنه قد يتم السماح للقذافي بالبقاء في السلطة"، إذ يعكس التقرير حجم الخلاف الموجود بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حيال مستقبل نظام الحكم في ليبيا.
وينقل التحقيق، الذي أعده مراسل الصحيفة في واشنطن، أليكس سبيلليوس، عن قائد القوات المشتركة الأمريكية، الجنرال مايك مولين، قوله بشأن أهداف العملية: "إن الأهداف محدودة، وهي ليس رؤيته يرحل".
ويضيف: "إنه حول دعم قرار الأمم المتحدة، والذي تحدث عن تقويض قدرته على قتل شعبه".
كما نطالع في الصحيفة نفسها أيضا تحقيقا آخر عن تردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما أصلا بشأن قرار المشاركة بالهجوم على قوات القذافي.
لكن التقرير يسلِّط الضوء أيضا على دور ثلاث نساء أمريكيات في وضع حد لتردد أوباما وحمله على الانضمام إلى حلفائه الأوروبيين في توجيه الضربة إلى النظام الليبي.
يقول التقرير إن سامانثا باورز، كبيرة المدراء في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وزميلتها جيل سميث، وهي أيضا مديرة بارزة في المجلس، بالإضافة إلى سوزان رايس، مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، قد لعبن دورا بارزا في إقناع أوباما "المتردد" بالمشاركة بتوجيه ضربة إلى القذافي.مقالات نقديةوبين صور الموت والدمار وكتل النيران الهائلة التي ملأت سماء وصحراء ليبيا منذ بدء العملية العسكرية ضد نظام القذافي، نطالع في صحف اليوم أيضا عددا كبيرا من المقالات النقدية والتحليلية التي ترصد أبعاد الحدث وانعكاساته على المنطقة والعالم.
ولم تخلُ صحف اليوم من التعليقات التي تنتقد التدخل الغربي في ليبيا، والتي تسلِّط الضوء على المفارقة التي تتجلَّى في الوقت ذاته بصمت بعض الدول حيال ما تمارسه أنظمة عربية قمعية أخرى بحق شعوبها، وذلك رغم مشاركة نفس الدول في الهجوم على نظام القذافي.
فتحت عنوان "النفاق وراء هذا التدخُّل"، نطالع في الإندبندنت مقالا نقديا لياسمين البهائي براون تقول فيه: "وماذا عن السعودية، إذا؟ فهذا هو نظام من أغرب ما يمكن أن تكون عليه الأنظمة".
وتضيف: "إنه نظام يسجن نساءه، ويقطع أعناق معارضيه، ويغرس مخالبه في تجمعات المسلمين في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك بريطانيا، ويدخل البحرين لكي يبسط سيطرته على الجماهير الساعية لتحقيق الإصلاح هناك".
إنه نظام يسجن نساءه، ويقطع أعناق معارضيه، ويغرس مخالبه في تجمعات المسلمين في كافة أنحاء العالم، بما في ذلك بريطانيا، ويدخل البحرين لكي يبسط سيطرته على الجماهير الساعية لتحقيق الإصلاح هناك"
ياسمين البهائي براون في الإندبندنت
السعودية والطائفية
وتحت عنوان "التدخُّل السعودي في البحرين سيذكي نار الطائفية، ولن يخمدها"، نطالع على صفحات الرأي في الجارديان مقالا نقديا مطوَّلا لمادلين بانتنغ تقول فيه إن الانتفاضات العربية بدأت بروح الأمل بالقومية والوطنية، لكن الآن يجري استغلال الانقسامات الطائفية" في خضم الحراك الذي تشهده المنطقة.
تبدأ الكاتبة مقالها بوصف حادثة تقول إنها وقعت وسط العاصمة البحرينية المنامة، إذ تأخذنا في المشهد الأول مع رجل بحريني وقف وسط أحد طرق المدينة مرتديا سروالا من الجينز وسترة، وراح يلوِّح بيديه بتحدٍّ "شجاع وواضح" للرصاص الذي أخذ ينهمر عليه ومن حوله من بنادق ورشاشات عناصر قوات الأمن الحكومية.
ترى بانتنغ أنه سيكون للتدخل السعودي في البحرين انعكاسات سلبية على المنطقة.
وبعد لحظات فقط، ننتقل مع الكاتبة إلى المشهد الثاني حيث نرى الرجل ذاته يتهاوى ويسقط أرضا جرَّاء إصابته بطلق ناري، وقد سالت منه الدماء لتغطي جسده وثيابه، وليُنقل بعدها إلى سيارة تأخذه إلى المستشفى للعلاج من إصابته.
تقول بانتنغ إن المنظر ذاك لم يعد يقتصر على مدينة أو دولة عربية بعينها، بل أصبح مشهدا مألوفا في العديد من بلدان المنطقة التي شهدت، وتشهد، انتفاضات عارمة ضد حكَّامها، وسعيا لانتزاع الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة.
أمَّا الجديد الذي ترى الكاتبة أنه يميِّز انتفاضة البحرين فهو "البعد الطائفي" الذي اتخذته الأحداث في تلك الجزيرة الصغيرة ذات الغالبية الشيعية من السكان الذين تحكمهم لقرون أسرة آل خليفة السنية.
وحول الاختلافات بالرؤية حيال شخص كذلك الرجل الذي أُصيب في أحد شوارع المنامة، تقول بانتنغ: "يراه الغربيون ناشطا سياسيا، ويعتبره بعض المسلمين السنة غوغائيا شيعيا، بينما ينظر إليه الشيعة في العالم على أنه شهيد، ولا يوجد ثمة فكرة في الإسلام الشيعي أكثر قوة وقدرة على التعبئة والتجييش من فكرة الشهيد".
وتشير الكاتبة إلى التفاؤل الذي ساد بعض المراقبين من أن مطالب الإصلاح وروح اللاطائفية هي التي بدت غالبة على غيرها من المشاعر والدوافع خلال الثورات والانتفاضات العربية من تونس إلى مصر، حيث وقف المحتجون في مصر مثلا من أديان وطوائف مختلفة جنبا إلى جنبا لا فرق بينهم، وذلك على عكس الجو الطائفي الذي ساد العراق في أعقاب الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003.
وترى بانتنغ أن السعوديين يستعملون خطر الطائفية كغطاء، إذ أصرّوا مؤخرا على القيام بإجراء عاجل في البحرين، وكأنهم يقومون بفعل ضروري لمنع أمر هم في الواقع يقومون بإذكاء ناره: أي الصراع الطائفي."سوف تشارك قطر في العملية العسكرية، لأننا نعتقد أنه يجب أن تكون هنالك دول عربية تتعهد وتضمن هذا العمل، وذلك لأن الوضع هناك لا يُطاق"الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر
وتنقل عن محللة شؤون الشرق الأوسط، مي يماني، قولها: "لقد برَّر بعض كبار الشخصيات في السعودية تصرُّفهم في البحرين على أنه أمر ضروري لدرء فتنة شيعية. فإثارة المخاوف من الشيعة تلبِّي الاحتياجات المحلية".
وللتدليل على ذلك ترى المحللة أن إثارة مثل تلك المخاوف الطائفية قد ساعد على "كبح جماح النسخة السعودية الحذرة من الربيع العربي، لطالما كانت الحركة الانفعالية للعريضة التي تم رفعها عبر الإنترنت للمطالبة بالإصلاحات قد اكتسبت قدرا من القوة".
وترى بانتنغ أن تسليط الضوء على "الخطر الطائفي" يخدم السعوديين لدى جمهور آخر أيضا، أي لدى حلفائهم الأمريكيين، إذ أصدر السعوديون إشارات كثيرة إلى خطر "التدخل الأجنبي" في البحرين، وذلك في مسعى منهم لتوجيه أصابع الاتهام إلى إيران وكسب واشنطن إلى جانب الرياض الآن وفي المستقبل.
إلا أن بانتنغ ترى أنه سيكون للتدخل السعودي في البحرين انعكاسات سلبية، وذلك مهما بدا الأمر للرياض أو المنامة أن الأمور قد تكون لصالحهما.
وتدلل الكاتبة على وجهة نظرها تلك بالقول: "قد خرجت خلال الأيام القليلة الماضية مظاهرات مناهضة للتدخل السعودي في البحرين، وذلك في أوساط الشيعية في كل من العراق ولبنان وإيران وفي القطيف، الواقعة في المنطقة الشرقية من السعودية، حيث يعيش معظم شيعة المملكة ويتركز معظم النفط السعودي".
وترفق الجارديان مقال بانتنغ برسم كاريكاتيري تظهر فيه قبضة النظام العربي التي طالما أُحكمت على رقاب الشعوب سنينا طوالا، وقد تحوَّلت مؤخرا إلى مجرَّد جذع شجرة في طريقه إلى الموت واليباس، وإن نبتت منه أغصان فتية مورقة، كناية عن انتفاضات الأمل والحرية على أيدي أجيال الشباب العربية الفتية مؤخرا.
دور قطر والجزيرة
تلتقي قناة الجزيرة هذه المرة مع الدول الغربية في التوجه لدعم طرف واحد: المعارضة الليبية في وجه القذافي.
وكان لجارة السعودية الصغيرة الأخرى، قطر، مساحة في صحف اليوم، إذ نطالع في الفايننشال تايمز تحقيقا بعنوان "قطر هي أول بلد عربي يتم التأكد من دوره العسكري" (في الهجوم عل ليبيا)، وآخر بعنوان "دعم الجزيرة أمر رئيسي بالنسبة للحلفاء".
يقول التحقيق الأول، وهو من إعداد مراسلي الصحيفة في لندن، رولا خلف وجيمس بليتز، إن قطر كانت أول دولة عربية تؤكد الأحد أنها سترسل مساعدة لقوات الحلفاء في عملها العسكري ضد القذافي.
ويضيف التحقيق أن تلك المساعدة القطرية تتمثل بإرسال أربع طائرات للمساعدة بتثبيت فرض الحظر الجوي فوق ليبيا.
أمَّا التقرير الثاني، وهو من إعداد رولا خلف، وزميلتها في الرياض، عبير علاَّم، فيقول إن قناة الجزيرة القطرية سلَّطت في الماضي الأضواء على الحربين التي خاضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في كل من العراق وأفغانستان، لكنها في حالة ليبيا فهي تدعم الثورة التي يؤيدها الغرب.
وتنقل الصحيفة عن الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر، قوله: "سوف تشارك قطر في العملية العسكرية، لأننا نعتقد أنه يجب أن تكون هنالك دول عربية تتعهد وتضمن هذا العمل، وذلك لأن الوضع هناك لا يُطاق".