TODAY - March 21, 2011
قانون جديد للأحزاب العراقية يثير قلقاً سياسياً
مخاوف من رهن أحزاب للحكومة وكشف مصادر تمويل بعضها
أقر مجلس الوزراء العراقي قانوناً جديداً للأحزاب أثار جدلاً من أن يؤدي تنصيصه على تمويل الحكومة للأحزاب مالياً من موازنة الدولة، ان يضعها رهناً لرغبات وضغوط السلطة التنفيذية، في وقت تتخوف أحزاب نافذة من إمكانية كشف القانون لتمويلها الخارجي الذي تتلقاه منذ عام 2003.
بغداد_ ايلاف
أثار قانون جديد للأحزاب العراقية وافقت عليه الحكومة العراقية وأحالته الى مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، جدلاً ومخاوف سياسية من أن يؤدي نصه على تمويل الحكومة للأحزاب مالياً من موازنة الدولة ان يضعها رهناً لرغبات وضغوط السلطة التنفيذية، في وقت تتخوف أحزاب نافذة من إمكانية كشف القانون لتمويلها الخارجي الذي تتلقاه منذ عام 2003.
وقال المتحدث الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ إن مجلس الوزراء أقر قانون الأحزاب السياسية في العراق وإحالته الى مجلس النواب. وأشار في تصريح مكتوب تلقته "إيلاف" الى إن هذا القانون الذي طال إنتظاره سينظم عمل الأحزاب في العراق. وستتولى وزارة العدل مهمة تنظيم العمل الحزبي وإصدار التراخيص للأحزاب السياسية من خلال إستحداث إدارة مختصة فيها تحمل اسم "دائرة شؤون الأحزاب". لكن بعض القوى السياسية متخوفة من تولي إدارات رسمية هذه المهمة وقيام الحكومة بتمويل الأحزاب المرخصة كما ينص قانونها الأمر الذي قد يضعها تحت هيمنتها وتأثيرها بإعتبارها الماسكة بالأموال التي ستمول نشاطات الأحزاب.
إلغاء قانون الأحزاب القديم
من المنتظر ان يحل القانون الجديد فور التصديق عليه في مجلس النواب الذي سيبدأ مناقشته عند استئناف جلساته الأحد المقبل، محل قانون الاحزاب المعمول به حاليا والصادر عن سلطة الائتلاف (المحتلة) عام 2003.
وكان الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق بول بريمر قد اصدر الامر رقم 97 لعام 2003 بتشكيل قانون الأحزاب والهيئات السياسية بناء على السلطات المخولة له بصفته "المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة وبموجب القوانين والأعراف المتبعة في حالة الحرب وتماشيا مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات العلاقة، بما في ذلك القرار رقم 1483 (2003 ) والقرار رقم 1511 (2003 ) وتأكيداً على حق الشعب العراقي الذي أقره القراران رقم 1483 و1511 في تحديد مستقبله السياسي بحرية.
ويتضمن القانون الجديد للأحزاب العراقية الذي اطلعت "إيلاف" على نسخته المرسلة الى مجلس النواب 11 فصلا في 69 مادة. وهذه الفصول هي: السريان والتفويض والأهداف، المبادئ الأساسية، أحكام التأسيس، إجراءات التسجيل، الحقوق والواجبات، التنظيم الداخلي، التحالف والإندماج، توقف النشاط السياسي، الأحكام المالية، الأحكام الجزائية، أحكام عامة وختامية.
وتشير مسودة القانون الى ان الأسباب الموجبة لإصدار هذا القانون كما يلي: "إنسجاما مع متطلبات الحياة السياسية الجديدة والتحول الديمقراطي ولغرض تنظيم الإطار القانوني لإقامة الاحزاب السياسية على أسس وطنية ديمقراطية تضمن التعددية السياسية وتحقق مشاركة أوسع في الشؤون العامة فقد شرع هذا القانون".
ويمنع القانون الجديد تأسيس الحزب على أسس من العنصرية أو الارهاب او التكفير او التعصب الطائفي او العرقي او القومي. وينص على ان يعتمد الحزب السياسي آلية الإنتخاب بوصفه الطريقة الوحيدة لإختيار القيادات الحزبية على جميع المستويات ووفق نظامه الأساسي. ويؤكد على عدم معارضة مبادئ الحزب مع أحكام الدستور ومع حقوق الانسان والوحدة الوطنية والتداول السلمي للسلطة.. وان لا يكون تأسيس الحزب في تحقيق اهدافه شكلا من التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية كما لا يجوز الإرتباط بأي قوة عسكرية.
ويشير القانون ان تأسيس الحزب يكون بطلب من ألفي عضو من 6 محافظات على الأقل وان يمنح ترخيص الحزب خلال 15 يوماً من تقديمه، وفي حال الرفض يكون للحزب حق الإعتراض خلال 15 يوماً آخر. وستتولى دائرة جديدة تستحدث في وزارة العدل سيطلق عليها "دائرة شؤون الأحزاب" النظر في طلبات الترخيص.
ويحظر القانون الجديد ارتباط اي حزب تنظيميا او ماليا بأي جهة غير عراقية او توجيه نشاطه بناء على أوامر أو توجيهات من اي دولة خارجية. وكذلك يمنع التدخل في شؤون الدول الاخرى، او التعاون مع الاحزاب التي تحظرها الدولة او يكون الحزب منفذا للدول الاخرى للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وكذلك منع التنظيم والإستقطاب الحزبي في صفوف الجيش وقوى الأمن الداخلي والاجهزة الامنية او القضاء وهيئة النزاهة والمفوضية العليا للانتخابات. كما يحظر القانون الجديد استخدام دور العبادة او المؤسسات التعليمية لممارسة النشاط الحزبي او الدعاية لصالح او ضد حزب سياسي. ويجيز القانون للأحزاب السياسية التحالف أحدها بالآخر على اساس اتفاق لتشكيل تحالف سياسي.
ويشير القانون الى ان الدولة ستقدم الى الاحزاب المرخصة اعانات مالية من الموازنة العامة للدولة بموجب قانون الموازنة السنوية. وفي المقابل يحظر كل التبرعات من اشخاص او دول او تنظيمات خارجية.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قال في وقت سابق إن احد نواقص بناء الدولة تتمثل بعدم تشريع قانون الأحزاب.
مخاوف سياسية
أبدت قيادات حزبية مخاوف من سيطرة الحكومة وتأثيرها على الاحزاب السياسية من خلال استخدام الموازنة العامة وتمويلاتها لها لإملاءات سياسية تفقدها استقلاليتها وتضعها رهينة السلطة التنفيذية اضافة الى امكانية مراقبة بعض الاحزاب وتمويلها خاصة مع تأكيدات بان بعض هذه الاحزاب تتلقى معونات مالية من دول خارجية. وعلى عكس ذلك رحبت الاحزاب الصغيرة التي تشتكي عادة من قلة التمويل أثناء الانتخابات وان بعض الأحزاب تضخ أموالا كبيرة سواء بالتمويل الخارجي أو الاعتماد على أموال الدولة.
من جهته، أاشار النائب عن التحالف الكردستاني محمود عثمان الى أن هناك عدم رغبة من قبل الأحزاب الكبيرة في سن قانون الأحزاب. وقال ان سبب عدم رغبة الأحزاب الكبيرة في تشريع قانون الأحزاب يعود للضرر الكبير الذي سيلحق بها لأنها ستحد من صلاحياتها ونفوذها. وأضاف أن قانون الأحزاب سيحدد كذلك علاقة هذه الأحزاب بالخارج وطريقة تمويلها وغيرها من الأمور التي قد يتضرر منها الحزب الكبير. وأوضح أن بعض الأحزاب الصغيرة ستستفيد من القانون لأنه سيحد من سلطة نظيرتها الكبيرة إلا ان هناك أحزاباً صغيرة هي الأخرى قد تتعرض للضرر من القانون إذ ان بعضها قد لا يمتلك شروط الحزب وقد يؤدي إلى عدم الاعتراف به.
أما النائب عن القائمة العراقية طلال الزوبعي فقد وصف القانون بالمهم جدا وانه سيساهم بالحد من ظاهرة التمويل الخارجي لهذه الأحزاب. وقال ان القانون سيلزم الأحزاب بأن تكشف عن مصدر تمويلها ويعرف المواطن العراقي ممن تأخذ هذه الأحزاب الأموال الطائلة التي تمول بها نشاطاتها. وأضاف ان هناك العديد من الأحزاب تمويلها خارجي مما أدى إلى علو شأنها وأثر وضعها المادي في الانتخابات التشريعية.
وطالب النائب المستقل عن التحالف الوطني صباح الساعدي بوجود رقابة على الأداء والتمويل المالي للأحزاب عند سن قانون الأحزاب. وأضاف أن الأحزاب بعد عام 2003 تعاملت مع السلطة بنفس عقلية مرحلة المعارضة وهذا أثر سلبا على أداء مؤسسات الدولة.
من جانبه أبدى النائب عن تحالف الوسط وليد المحمدي رغبة تحالفه بأن يتم تشريع قانون الأحزاب وعدم خشيتهم من إقراره. وقال ان قانون الأحزاب مهم جدا والجميع يترقب تشريعه ولا يوجد خشية لدى هذه الأحزاب منه.
وكانت الأحزاب الكبيرة قد سيطرت على مقاعد مجلس النواب خلال الدورتين الماضيتين فيما اخفقت غالبية الأحزاب الصغيرة بالحصول على مقعد واحد في المجلس، مما يهدد بسقوطها وعدم ممارستها العمل السياسي. وتنص المادة (39) من الدستور العراقي الفقرة الأولى على تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وتكفل هذه المادة حق الإنضمام إليها ويتم تنظيم ذلك بقانون.
وتعتبر مصادر التمويل الخارجي للأحزاب العراقية عنصراً إشكالياً أساسياً في الأزمة السياسية التي يشهدها هذا البلد، على اعتبار أن هذا التمويل لا يشكل مصدر قلق حيال أهداف هذا التمويل وحسب بل يتعدى ذلك إلى كونه عامل إفساد للطبقة السياسية في البلاد.
ويقول رئيس حزب الأمة مثال الآلوسي في تصريح صحافي إن هناك دعماً خارجياً واسعاً للأحزاب السياسية في العراق مشيراً إلى أن هذه الأحزاب لم تتجرأ حتى الآن على نفي تلقيها دعماً مادياً من الخارج. وأوضح أن العمل السياسي في العراق يحتاج الى تكلفة مادية باهظة في حين لا تواجه الأحزاب السياسية أي ضائقة مالية. واضاف إن هذه الصورة تعطي انطباعا إما بوجود دعم مادي خارجي أو فساد مالي كبير من خلال استغلال موارد الدولة والميزانية وقوت المواطن ولا سيما أن العراق بات يحتل مرتبة متقدمة على قائمة الدول التي تعاني من الفساد.
اما نقيب المحاميين العراقيين محمد الفيصل فقد اشار الى ان الأحزاب التي تتلقى دعماً خارجياً ترتكب جريمة لأنها تعمل لجهات خارجية ولا تعمل لمصلحة العراق وهو امر مخالف لأحكام الدستور والقانون.
أحزاب قد تعرقل تشريع القانون الجديد
لذلك تخشى مصادر عراقية من محاولات ستقوم بها احزاب متنفذة لعرقلة تشريع القانون الجديد للأحزاب متخوفة من كشف تمويلها خاصة وان سياسيين عراقيين يؤكدون وجود دعم خارجي واسع للأحزاب السياسية في العراق. لكنهم يؤكدون أن العمل السياسي في العراق يحتاج الى تكلفة مادية باهظة في حين لا تواجه الأحزاب السياسية أي ضائقة مالية.
وكانت ندوة تشاورية عقدت في مجلس النواب مؤخرا قد ناقشت ملف قانون الاحزاب بحضور نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي وعددا من اساتذة الجامعات وممثلي منظمات المجتمع المدني.
ودعا صباح الكربولي المستشار القانوني في مجلس النواب الى تنظيم عمل الاحزاب السياسية عبر اصدار قانون ينظم عملها تزامنا مع اهمية ان تنصب جهود مجلس النواب على استكمال التعديلات الدستورية. بدوره قال سعيد رشيد استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد انه من غير الضروري مشاركة جميع الأحزاب السياسية في السلطة اذ يمكن لها الاكتفاء بتأثيرها على على صنع القرار.
وعبرت هناء ادور الناشطة في مجال حقوق الانسان عن أسفها لإستمرار القطيعة بين الأحزاب السياسية والشعب، مشيرة الى تأثير العامل الخارجي على الأحزاب ومطالبة بأن يلبي قانون الأحزاب الحاجات السياسية للمرحلة الجديدة.
وفي مداخلات النواب خلال الندوة رأى النائب صباح الساعدي عن الائتلاف الوطني العراقي ان الاحزاب بعد عام 2003 تعاملت مع السلطة بالعقلية المعارضة ذاتها مشدداً على أهمية وجود رقابة على الأحزاب في جانبي الأداء والتمويل المالي عند تشريع القانون الخاص بها.
من جهته اشار النائب عبد الكريم السامرائي عن ائتلاف العراقية الى وجود صحوة لدى الاحزاب السياسية التي تشهد تحرراً من التأثير الخارجي مبيناً ان هناك فرقاً بين المرجعية الفكرية للأحزاب وولائاتها السياسية، داعياً الى ضرورة الممارسة الحقيقية للمعارضة
من جانبه اكد عادل عبد المهدي ضرورة ترسيخ تقاليد العمل السياسي والحرص على التعددية وممارسة الحكم من قبل أحزاب من جهة وإتجاه أحزاب أخرى للعمل كمعارضة من جهة ثانية مع ضمان الحفاظ على حقوقها القانونية والدستورية.
وكان من المفترض ان يتم تشريع قانون الأحزاب منذ الدورة الماضية لمجلس النواب إلا ان النسخة التي قدمت من قبل الحكومة لم تحظ برضا الكتل السياسية واعتبرتها تقييدا كبيرا لاحزابها.