العراق والتجربة الماليزية ?
سلام حربة
ان من يزور ماليزيا سيصيبه الذهول من التطور المدني في هذا البلد الاسيوي حتى ان زائري البلدان الاوروبية وبقاع العالم من الجنسيات المختلفة يجدون بان هذا البلد الاسيوي قد يتفوق في نواح كثيرة حتى على البلدان الاوروبية ليس في طراز البناء الحديث بل في دخول التكنولوجيا الحديثة في ابسط مفاصل الحياة والتقنية تبرمج سلوك الانسان وحركته و تهذب ذائقته وتجعل منه كائنا متوازنا يتصف بالحضارية.
رغم ان هذا البلد لم ينفتح على المدنية الا متأخرا وفي عهد رئيس الوزراء مهاتير محمد في ثمانينيات القرن الماضي الذي نقل ماليزيا بصواب تفكيره الى مصاف البلدان المتحضرة بحيث ان ماليزيا اصبحت اليوم قبلة للاوروبيين والاسيويين ولكل العالم فهي مركز تجاري وصناعي مهم لا يمكن الاستغناء عنه في حركة السوق العالمية وفي زمن الاقتصاد الحر الذي يسود العالم..
ان ماليزيا قد حصلت على الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1957 وتتميز بالتنوع العرقي كما العراق حيث تتكون من ثلاثة اجناس وهم الملايو سكان ماليزيا الاصليون والصينيون والهنود ويشكل الملايو ما يقرب من 60% من سكان ماليزيا لكن ما يلاحظ ان هناك انسجاما عرقيا ودينيا بين هذه الاجناس الثلاثة وهناك الدستور والقانون اللذان ينظمان علاقات المجتمع ويغلب على هذه العلاقات الانسجام والاحترام..ان ما يختلف به المجتمع العراقي عن المجتمع الماليزي هو ان العراق لديه تاريخ حضاري عمره سبعة آلاف سنة في حين ان ماليزيا لم تر العالم الا في منتصف القرن العشرين ولكن لو نقارن الان بين ماليزيا والعراق لوجدنا ان الهوة المدنية والحضارية بينهما كبيرة وهنا يبرز التساؤل التالي من اخذ بيد ماليزيا لتكون بهذا المستوى والرقي ..؟ انها الارادة الوطنية التي تمتلكها القيادة السياسية في البلد التي أخذته الى شواطئ لا تعرفها من قبل..لقد كانت مغامرة مهاتير محمد كبيرة حين بنى الصروح الاقتصادية والصناعية من البرجين التوأمين النظيرين للبرجين الاميركيين اللذين هدهما الارهاب في نيويورك عام 2001 ..هذان البرجان التوأمان لم يستغرق انشاؤهما في ماليزيا الا اربع سنوات وهما يشكلان علامتين فارقتين سياحيتين وتجاريتين في العاصمة كوالالامبور، واللذين قد يعدان في المستقبل من العجائب المعمارية وحين يقف المرء امامهما سيخامره الشعور بان من يقف وراء هذين الصرحين وغيرهما من المؤسسات الاقتصادية كالمدينة الحكومية الحديثة المذهلة في بترجايا بوزاراتها المتعددة ورئاسة الوزراء والقصر الملكي والطرق الحديثة الفارهة والمدن السكنية المذهلة والاسواق التي تضم اشهر الشركات العالمية، لا يمكن ان يكون سياسيا عاديا بل مغامر من الطراز الاول صنع لماليزيا تاريخا واخرجها من البدائية الى مصاف المدنية وربما قد تتقدم على البلدان الاوروبية، فكل شيء يمضي هنا ضمن ضوابط العلم ولا علاقة للامزجة والاهواء السياسية والدينية بما يجري..في العراق تتوفر الارادة السياسية الحقيقية ويمتلك العراق من الاموال التي يستطيع من خلالها بناء البلد ضمن الضوابط العلمية والحضارية..
كما يجب الالتفات الى تخطيط المدن تخطيطا حضريا جديدا ضمن المواصفات المدنية، حيث ان المدينة العراقية تعاني من الخراب حاليا وليست هناك من روادع لايقاف هذه التجاوزات على جسد المدينة فلا توجد تصاميم ثابتة بل ان شكل المدينة يتغير كل يوم حسب اهواء وامزجة المواطن العراقي فهو يبني في اي مكان يريد حتى في وسط الشارع فليس هناك من قانون صارم يردعه..يجب ازالة جميع التجاوزات التي حصلت في ازمنة الفوضى العراقية وان تشرع الحكومة القوانين التي تكون خارطة طريق لمدينة عراقية حديثة لا يتدخل في تصميمها الحزب الفلاني او المسؤول العلاني ولا تكون على مقاس الفتاوى الدينية ..كما ان على الدولة ان توفد المستشارين والاختصاصيين والمهندسين للاطلاع على تجارب الدول في النهوض والرقي ومنها ماليزيا فما يراه المواطن العراقي في كل البلدان من رقي وعمران يجعله يشعر بالخجل من تراجع جمال مدينته العراقية لان اصابع العبث بها لا تعد ولا تحصى اخرها اصابع الارهاب الذي فقد الرهان في معركته العسكرية ولكنه مصمم على تخريب المدينة العراقية بكل ما يستطيع من سبل وامكانيات..ستحتاج المدينة العراقية الى زمن كي تلملم جراحها لكنها ستنهض عالية شامخة بتاريخها وحاضرها لان هناك ارادة وطنية وسياسية كما ان العراق يجب ان يلحق بالبلدان التي سبقته والعبرة من تصحيح الاخطاء وربما بزمن قياسي سيكون بمستوى ماليزيا وربما سيسبقها في المستقبل .. نحتاج الى انشاء مدن عصرية عراقية حديثة تبنى على اخر صيحات التكنولوجيا وعلينا ان نستفاد من تجارب الشعوب التي سبقتنا في هذا المضمار لان ليس هناك شيء ياتي من فراغ والانعطافات الحادة في المجتمعات دائما تكون تضحياتها جسيمة.