نبحت الكلاب ، وجرت نحونا ، وارتعشت منها خوفا ، الا ان طه هداني قائلا: لا تخف ، انها تعرفني ، وحقا عرفته الكلاب ، وهدأت ، وصارت تهزهز اذنابها مرحبة بنا.(( تبا لك يازمان ))
تحية ياطه
طه حُمَيِّدْ ، تلميذ كان معي في الرابع والخامس ابتدائي. هو من ابناء العشائر التي كانت تعيش على الزراعة وتربية المواشي ، والتي تقطن بعيدا عن المدينة بعدة كيلومترات.
طه حميد ، كان شعلة من الذكاء والنشاط ، اعني يعد من التلاميذ المجتهدين جدا ، ولا اتذكر يوما ان اهمل واجباته المدرسية.
هناك عوامل مشتركة قربتنا الى بعضنا منها:
كلانا من التلاميذ الفقراء ، كلانا جديد في هذه المدينة الكبيرة التي نتعلم فيها ، كلانا دفعنا الفقر ان نكون من المجتهدين ، كلانا مولع بالهوايات المجانية ، كالمطالعة ، الرياضة التي لاتتعارض ووضعنا المالي كالأركاض ، لعبة السلة ، القدم ، وفي الصيف السباحة في نهر دجلة.
طه حميد ، كان يسكن كوخا من طين ، لا يحوي الا على غرفة واحدة ، مع امه ، في ضواحي المدينة. وكنت اسكن حيا فقيرا ، قد خيم الجهل عليه ، داخل المدينة ، وفي بيت بسيط يعود لجدتي.
طه حميد ، كان مؤمنا يتحلى باخلاق عالية جدا ، بحيث جلب انتباه تلاميذ صفه ، ومعلميه اليه ، ولا اعتقد كنت اقل منها يمانا.
طه حميد ، كان بعيدا عن الجو السياسي ، وبقي هكذا حتى بعد مغادرتي العراق. اما انا ، فكنت اسبح في بحرها ، وما تخليت عنها يوما ، لايماني التام ان (( الساكت عن الحق شيطان اخرس )).
صديقي طه ، كان يبيع الماء البارد ، ابان العطلة الصيفية ، في سوق الاقمشة ، ليعيل امه ، ونفسه خلال الدراسة.
لاانسى يوما ، دعاني لزيارة اخواله واعمامه ، وكان يعتز بهم. سرنا صباحا على الاقدام ، وقطعنا المسافة بحوالي ست ساعات. وصلنا المكان ، فشاهدت بضعة بيوت من طين ، وخيم مرقعة بمصائب الزمن.
استقبلنا من قبل اعمامه ، واخواله العربان ، بحرارة لا مثيل لها ، وذبحوا خروفا ، تكرما بنا ، وكنت اتمنى ان لا يذبحوه.
جلسنا في كوخ بسيط ، مملوء بالعواطف النقية ، والحب ، والكرم ، والشرف ، والاباء ، وبين هنيهة واخرى ، يسألوننا عن احوالنا ، عملا بعادات العشائر ، واصوات الاغنام ، والدجاج ، ونبح الكلاب ، كانت تندمج مع بعضها ، وتؤثر في نفسي ببساطتها ، ونقاوتها ، وتجعلني اندمج مسرورا بالطبيعة التي كنت اعشقها.
اغرقونا بكرمهم ، وطلبوا منا ان نبقى عندهم ايام ، الا اننا اعتذرنا بسبب المدرسة ، و بصعوبة استطعنا ان نقنعهم.
ودعناهم وكاني اودع اهلي ، ورجعنا للمدينة ، لنعيش في روتينها.
صديقي طه حميد ، اضطر بعد سنتين ان يترك المدرسة ، بعد ان سدت ابواب الرزق امامه ، واضطر ان يشتغل حمالا.
كنت ازوره في السوق ، وكم كنت اتالم عليه ، وانا ارى شعلة الذكاء ، والايمان ، والاخلاق ، يحمل سلات التمور على ظهره ، وينقلها الى اصحاب المحلات ، وياخذ اجرا بسيطا عليها.
كنت التقي به ، وعرفته بكل اصدقائي ، لحد رجوعي الى بغداد ثانية ، مدينة طفولتي ، تاركا ذكرياتي في مدينة صباي ، تاركا اصدقائي الاوفياء ، ومنهم صديقي ، واخي العزيز ، الحمال طه حميد.
غادرت بغداد ، تاركا مجموعة من خيرة اصدقائي الاوفياء. تاركا صديقي الوفي ، طه حميد.
تحية يا طه ، من اعماق صديق لا يزال يذكرك اخا ، وصديقا وفيا ، وتبا لزمان جعلك نسيا منسيا.
اخوكم ابن العراق الجريح: عراقي مجهول