أيقظه الجوع بحث في مطبخه لم يجد سوى كسرة خبز جافة متعطنة اضطر إلى أكلها وحمد الله، اليوم أمسى بلا عمل ولا نقود طرده صاحب العمل منذ أيام رفض أن يخدع المشترين أو يغشهم، لا لن يدلس، لا لن يخدع أحداً ولو مات جوعاً لأن تقتله الأمانة جوعاً خير من أن تحييه الخيانة متخماً، هرب من الضيق والجوع إلى النافذة وقف ينظر إلى الخبز أمام البائعة فازداد جوعاً راودته نفسه أن يشتري من البائعة بضعة أرغفة إلى أجل وعز عليه أن يفعل وكانت يده العليا دوماً مع تلك البائعة التي ترعى بناتها الأيتام تراجع عن وسوسة الشراء إلى أجل وشغل نفسه بالنظر إلى صاحب سيارة فارهة بالجانب الأخر من الشارع سقط منه كيس تفاح يحمله بين يديه فتدحرجت منه تفاحة حمراء استقرت أمام بائعة الخبز فالتقطتها طفلتها الصغيرة وجعلت تنظر إليها في فرحة طفولية ودهشة ربما هي تمسك لأول مرة تفاحة بيدها أضحى وجه الطفلة يشع بالفرح ولم تلبث حتى رفعت التفاحة إلى فمها وهمت إلى قضمها بتهمة الحرمان لكن يد صاحب التفاح انتزعها بقوة ونهرها بغلظة تبدل وجه الطفلة غشيته خيبة الأمل وكساه الانكسار وكادت أن تبكي لكن احتضان أمها لها كان أعجل من دمعها، آلمه الموقف ولم يقو على تحمله فأغلق النافذة وبسط جسمه على الفراش مستجدياً النوم دون طائل، لم يكن الجوع هو الذي يطرد النوم عن جفونه هذه المرة بل وجه الطفلة الحزين المظلل بخيبة الأمل والانكسار، أبى النوم أن يلمس جفنه فألقى الغطاء عنه ونهض وارتدى ملابسه وخرج رغم هطول المطر، وجه الطفلة الكسير كان كل ما يشغله وينهش قلبه مضى في طريقه وتوقف عند محل لبيع الساعات أراد أن يبيع ساعته لكن ابتسامة ساخرة ذات معنى من صاحب المحل جعلته يأخذ ساعته ويمضي فهم أن ساعته لا قيمة لها، لم يبق لديه سوى خاتم أبيه الفضي نزعه من إصبعه دون تردد وباعه قال في نفسه عذراً يا أبي أن أبيع هذا التذكار لكنك علمتني أن أضحي بالشيء العظيم رجاء لما هو أعظم، رجع إلى بيته وفي الطريق اشترى بثمن الخاتم كيساً من التفاح الأحمر وتوقف عند بيت بائعة الخبز ونادى على الطفلة فخرجت إليه فوضع التفاح بين يديها، نظرت الطفلة إلى التفاح في فرح طفولي وذهول ثم نظرت إليه وقالت:
من أين لك يا عم بكل هذا التفاح؟!
قال: من السماء
نظرت الطفلة إلى ثيابه المبللة وقالت: وهل أمطرت السماء تفاحاً اليوم
ضحك من كل قلبه ونسى جوعه وهمومه ومضى ولم يجبها كان يشتهي أن يأخذ ولو تفاحة واحدة من الكيس يسكت بها عوي جوعه لكنه أبى ألا يكون للطفلة كل التفاح، كان سعيداً رغم ألام الجوع وتزاحم الهموم..
وبعد أيام لقيته الطفلة وهو يهم بصعود السلم إلى بيته فهرولت إليه وسألته في لهفة:
يا عم متى تمطر السماء تفاحاً؟
نظر إليها في شفقة وحنان ودندن مع نفسه وهو يصعد أن السلم، عسى يكون قريب، عسى أن يكون قريب.