الضِفدِعة الشهيدة
في أحدى ليالي الشتاء الباردة الطويلة من عهد الطفولة القديم حكى لنا جدنا عن ضفدعة عجيبة غريبة.لقد كانتْ في بركة من برك غابات الشمال ضفدعة صغيرة منزوية منعزلية عن سائر الضفادع لكنها معروفة بدهاءها وحسن معاملتها مع الآخرين...والمعروف عنها سوى تلك الخصال أنها كثيرة التفكير والتأمل لكن هناك شئٌ صار أكثر وضوحاً فيها وأشد غرابة بحيث جعل الضفادع من بني قومها يشككن في سلامة عقلها وتفكيرها وأما ذلك الشئ الذي دعاهن لهذا الرأي فيها هو حبها للطيران كالطيور التي تحلق في الجو متجولة في انحاء السماء غير محدودة..لقد عتـّـقت الضفدعة فكرة الطيران كثيرا وصارت كخمرة معمرة شهية للإحتساء لكن الضفدعة المسكينة لا تعرف كيف تحقق الأمنية بينما حبها لهذا الطموح جعلها أن تكون تحت ضغط نفسي شديد، لكن هنا شيئاً واحد كان يحول بينها وبين الجنون والمرض لما حصل لديها من خيبة وعدم نجاح بارزان بعد خوضها عدة محاولات ،وأما ذلك الشيئ الحائل دون إنكسار هو دهاءها المذكور أعلاه..ذاتَ يومٍ كانت وكعادتها مطرقة الرأس مفكرة بتحقيق الطيران فمرت منها الريح وسمعت تسائلاتها التي طالما سمعتها وأهملتها، لكن كثرت تلك التسائلات مرة بعد مرة وأحزنت الريح كثيراً حتى أجبرتها على تقديم شئ من الحلول لتخليص الضفدعة بنحو من الانحاء من معضلتها الكبيرة ...إقتربت الريح وهمست في اُذنها : إن الطيران يحتاج إلى عُلـُـوّ. سمعت الضفدعة الكلمة وشكرت الريح شكراً كثيراً ثم قالت في نفسها : يجب أن أتسلق الجبل لأصل نقطة مرتفعة منه ثم اُحاول الطيران...وفعلاً تسلقت مقدراً من الجبلِ ثم ألقتْ بنفسها في اديم الافقِ وإحتضنتها الريحُ مسرورة مقبلة إياها، شعرا الاثنان بإرتياح وسعادة فائقتين وخاصة الضفدعة أنها كانتْ في نشوة لم تمر بها طيلة عمرها كله...لكنّ عمر النشوة قصير دائماً. وسرعان ما أحستْ الضفدعة بثقل وزنها فبدأت بالهبوط السريع آناً فآنا..إقتربت من الصخور الصَلداء بقوةٍ ثم تلاشتْ أعضاءاً و وذرا...إذ ذاك سكتَ جدي وكأنه يُدركُ إحساس الضفدعة فقال : ما هو رأيكم يا أحفادي الأعزاء هل نجحت الضفدعة أم خابتْ؟ سكتنا ولم ننبس ببنتِ شفة. فإستطرد قائلا ً: إنها نجحت في الحياة والمماتِ..فما الحياة سوى عقيدة وجهاد..وكان مماتها خير ممات لأنها ماتت شجاعة في سبيل حلمها..فإنها شهيدة بحق...
ع ع الأهواز2013