قصة قصيرة
خجلاً مذبوح الجرأة ، ذاك الذي جعله غير قادر لدرجة التلكؤ لأن يخاطب أدنى امرأة ..وربما تلك عدم ثقة بالنفس ، التي نمت لديه لخصوبة نقص آخر في دخيلته المعتمة بلهيب التوصل لجرف لا يقل عمقاً عن البحر ذاته .....فضلاً عن النسيان المدغم وذاكرته المزدحمة كسوق دجاج في جمعة قائظة ! لم يكن ليبتاع تذكرة التمعن لولا شباك النسيان الذي أهّله لأن يرى فصل التساقط على خشبة الرصيف المؤدي ومنزله المتباعد بخطى مأهولة بالعجلات ، لقد شدّه المشهد وهو يجتث نفسه من ضجيج السوق وصخبه ؛ بحثاً عمن يقله لضالته المنسية حيث أتى ....فتاة بعمر الإقحوان مكتنزة القوام ثابتة الخطو ، تحمل كيساً أسود اللون يتماطر منه ما فيه ..يتحرر من ثقب في الكيس هكذا : رطبة فرطبة ...
- هل إنه رطب ؟
- نعم انه الرطب
كانت الفتاة تسير في الجانب الآخر حين استغل هو انقطاع سير سيارات الشارع عابراً نحوها بشراهة ، لعل طيبته وحرصه أنسياه خجله المخجل ، وببراءة قصوى مدّ يده ملامساً كتفها مهمهماً عفوا ..إن ..الـ ...وتخشّب بعدها ، فصرخت هي بذعر مبتعدة عنه ما يكفي لسقوطه ، أيها الـ ....مبللة سمعه بعبارات غير لائقة ! تركته مسرعة وغاضبة لتصرفه السيء ، فازداد انهمار الرطب من جديد ، وظل هو مسمّراً لا يدري ما يفعل ..تآكله التفكير وهو يجلس في الباص الذي استوقفه قبل قليل ...
- ما كان عليّ تنويها ! أوه
- كم هي غبية ..كلا إنه البقال ..كيف ابتاعها الرطب بكيس ممزوق ؟ بينما هو هكذا قاطعه بوقوفه عند رأسه بغية الأجرة ، فزع لتنويه الجابي معتذراً له ...سار الباص لدقائق بعدها نزل متجها إلى حيث المنزل ..وجد أمه تنتظره في الباب
- واه ..بني كيف تنسى ما أوصيتك به ؟
لم يكلم أمه ببنت شفة ، أخذ ما نسيه وعاد إلى السوق متهالك الخطى ، وصل إلى محله وهو في غيبوبة من شدة ما حصل ، كان أخوه الصغير يدير عمل البقالة صباحاً ريثما يعود هو من عمله الوظيفي ، وهكذا فهما يتناصفان اليوم عملاً ، بعد أن غادر أخوه المحل جاء شيخ ليبتاع بعض الخضار ، فهرع لرؤيته رزمة الأكياس السوداء التي في المحل جميعها ممزوقة من الأسفل ! وأسرع لشراء رزمة أخرى من المحل المجاور ، وبينما هو يعبئ الخضار وإذا بالفتاة ذات الرطب المهدور تقف أمامه ! ارتجفت أوصاله لرؤيته إياها ..لكنها صعقت خجلاً ولم تستطع التكلم بل اعتذرت بهمس وتلاشت من أمامه راكضة ..وظل هو في شرود كسير ، ألهاه عن الشيخ الذي لم يزل ينتظر ..........
........................
2004