كشفت مصادر امنية وثيقة الاطلاع، امس الاحد، عن اقالة "مسؤول استخباري رفيع" برتبة فريق، على خلفية "تهاونه" في التعامل مع معلومات خطيرة سبقت الهجوم الذي تعرض له سجنا أبو غريب والتاجي. وكشفت المصادر لـ"المدى" معلومات حساسة تعكس حجم الفوضى التي تعم ادارة السجون الكبرى، وتحيط بأداء وزارتي الدفاع والداخلية ضمن اكثر المناطق تعقيدا.

ونفت المصادر حصول اقتحام لسجن أبو غريب، مؤكدة وجود تواطؤ من بعض مسؤولي الاصلاح الفاسدين سمح بهروب المئات من اخطر معتقلي القاعدة، لافتة الى ان العملية كانت مصممة بدقة لاطلاق سراح ما بين 20 – 30 فقط، من ابرز قادة التنظيم تم نقلهم من المنطقة بسيارات معدة سلفا على وجه السرعة، لكنها انتهت بتحرير المئات.
وهاجم عشرات من المسلحين مساء الاحد الماضي سجني ابو غريب والتاجي ونجحوا بإطلاق سراح ما لا يقل عن 800 معتقل. واستمرت المواجهات العنيفة بين الجانبين الى صباح يوم الاثنين وأسفرت عن مقتل العشرات من أفراد الجيش والمهاجمين. فيما تبنّى تنظيم القاعدة الهجوم على أبو غريب والتاجي وقال انه يأتي ضمن خطة "هدم الأسوار" لإطلاق سراح معتقليه.
وبعد ادانة واسعة لهذا الخلل الأمني، لجأ رئيس مجلس الوزراء خلال اجتماع خلية الازمة يوم السبت، الى إصدار امر بحجز عدد من الضباط، بينهم قيادات عسكرية رفيعة، بالإضافة إلى مدير عام دائرة السجون، وتحويلهم إلى القضاء بتهمة "التقصير في اداء الواجب"، فيما قال أن المؤشرات تؤكد وجود "تراخٍ" في تنفيذ الاوامر وعدم التعامل مع التحذيرات الاستخبارية بصورة صحيحة.
وفي السياق ذاته، كشفت مصادر اخرى عن تفاصيل دراماتيكية جديدة تم عرضها ومناقشتها في اجتماع خلية الأزمة حول استهداف السجون واطلاق المئات من معتقلي القاعدة الأسبوع الماضي.
وقالت المصادر، التي تحدثت لـ"المدى" شرط عدم الكشف عن هويتها وأماكن عملها، ان "التحقيقات الأولية اكدت عدم وجود حالة اقتحام لسجن أبو غريب وان ما حصل عبارة عن عملية منسقة تمت على مرحلتين، الأولى تمرد داخل السجن بالتزامن مع المرحلة الثانية وهي الهجوم الخارجي لمشاغلة القوات المسؤولة عن حراسة سجن ابو غريب".
واضافت المصادر، المقربة من مكتب القائد العام للقوات المسلحة بالقول ان "بيان وزارة العدل، الذي تحدث عن استخدام المسلحين لـ 9 انتحاريين و3 انتحاريين وقصف بـ 100 قذيفة هاون خلال الهجوم على ابو غريب، انطوى على مبالغات اذ ان التحقيقات الميدانية لم تشاهد سوى اثر لـ 4 قذائف هاون ومفخخة واحدة"، عازيا ذلك الى ان "وزارة العدل تريد ابعاد المسؤولية عنها وعن منتسبيها وإلقائها على جهات اخرى".
وتذكر المصادر معطيات جديدة عن ليلة الهجوم على ابو غريب، وتقول ان "التحقيقات الاولية كشفت لنا عدة معطيات، منها انشاء تلة صغيرة داخل السجن بالقرب من الاسوار الخارجية قبل يومين من الحادث لتسهيل هرب المعتقلين"، واضافت "كما اننا اكتشفنا إيقاف الكاميرات الخارجية أيضا قبل يومين وهذا ما فوت علينا معطيات مهمة للتحقيق"، وتابعت "تزامن الهجوم وبشكل مريب مع اطفاء للتيار الكهربائي وإطفاء اجهزة تشتيت بث الهواتف النقالة التي عادة ما تكون شغالة وهو ما سهل اتصال المعتقلين بالقوة المهاجمة"، لافتة الى ان "تشتيت البث يتم ايقافه في اوقات محددة من اليوم او الاسبوع لغرض تسهيل اتصال المعتقلين مع ذويهم في الخارج".
وفيما اتهمت المصادر الامنية الرفيعة مسؤولي الاصلاح بـ"التقصير بسبب فسادهم"، قالت ان "القوات الامنية تفاجأت وهي تصد هجوم المجموعات الإرهابية بتعرضها لنيران من ابراج سجن ابو غريب بعد ان سيطر عليه بعض السجناء وهذا ما اربك هذه القوات وجعلها تخوض قتالا اشبه ما يكون بمعركة طارق بن زياد"، مشيرة الى ان "السجناء كانوا يملكون مسدسين استخدموهما بعد أن فتح شخص ما بشكل متعمد، جميع ابواب القاعات بما في ذلك قاعة للمشجب كانت تحتوي على عدد من البنادق".
وكشفت عن ان "الاسلحة التي استخدمها السجناء، بالاضافة الى الاسلحة التي حصلوا عليها، كانت قنابل يدوية ورماحا وسكاكين تم تصنيعها داخل السجون".
وحملت المصادر "قطعات الجيش واستخبارات الدفاع مسؤولية الهجوم خصوصا وان الطرق كانت مزروعة بالعبوات والألغام وهو ما أخر وصول قوات الطوارئ، بالاضافة الى ان المعلومات تشير الى ان المجاميع الإرهابية، وقبل يوم من الهجوم، حذرت اهالي ابو غريب من الخروج من بيوتهم". وتؤكد المصادر، المطلعة على مجريات التحقيق التي شكلتها خلية الأزمة ويرأسها الفريق حسن كوكز مدير شؤون الامن في وزارة الداخلية، بان "الهجوم على أبو غريب كان الهدف منه اطلاق سراح 20 – 30 فقط من نخبة القاعدة الذين تم نقلهم بـ 3 سيارات نوع كيا على وجه السرعة من المنطقة فيما بقي المئات مختبئين في المزارع والمبازل المحيطة بالسجن لساعات وتم القاء القبض على بعضهم وقتل آخرون".
واتهمت المصادر إدارات الإصلاح وحراس السجون بالتورط في فساد كبير كان سببا رئيسيا في هذا الخرق الأمني الخطير. وأوضحت المصادر ان "المعلومات تفيد بأن مدراء الإصلاح يحصلون على 200 الف دولار كرشاوى وإتاوات من السجناء"، واضافت "ان إيقاف اجهزة تشتيت البث تم مقابل مبالغ كبيرة"، وتابعت "من أوجه الفساد الذي تشهده السجون هو أن سعر جهاز الموبايل نوع كلاكسي يبلغ 3 ملايين دينار والأجهزة العادية يتراوح سعرها بين 1 – 2 مليون دينار، وسعر المروحة الارضية وصل الى 300 دولار، وكل هذه الاموال لمدراء الاصلاح حصة فيها، وبعض المنتسبين من الإصلاحيين كان هاتفه النقال يحمل رصيدا بـ500 دولار وهو ما يكشف حجم الفساد المالي الموجود"، مشيرة الى ان "المبالغ يتم تسليمها خارج السجون عبر وسطاء ماليين"، مؤكدة ان "هذا الفساد الكبير كان سببا باستمرار الاتصالات بين السجناء وزملائهم في التنظيمات"، ولفتت الى ان "التحقيقات ستتركز على اصلاح فساد دوائر العدل والتشدد مع مدرائها".
وعزت المصادر عدم حدوث حالة هروب في التاجي الى "كون السجن بعيداً عن الشارع العام ويقع في منطقة محصنة تقريبا، وان القطاعات المكلفة بحماية المعتقل نجحت في صد الهجوم الذي استخدم فيه انتحاريان كان احدهم مصري الجنسية".
وفي هذا السياق، كشف مصدر مقرب من خلية الازمة عن اقالة مسؤول رفيع في الاستخبارات برتبة فريق.
واشار المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية المعلومات التي يدلي بها "المدى"، إلى ان "إقالة هذا الفريق جاءت بسبب تساهله مع معلومات وردته قبل ايام من الهجوم على ابو غريب والتاجي"، مؤكدا ان "المعلومات التي تسلمها كان مصدرها احد القادة العسكريين الكبار ممن يملك مصادر معلومات واسعة في المناطق الساخنة جنوب وغرب العاصمة بغداد"، وذكر المصدر ان "قرار إقالته سيعلن رسميا خلال ايام بعد ان تم تخييره بين الاستقالة او الإقالة على خلفية تقصيره"، مشيرا الى ان "المسؤول هذا كان سيحال إلى التقاعد في وقت لاحق من العام الجاري، الا ان الخرق الامني في ابو غريب والتاجي قد سرع هذا الأمر".





المدى