بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
روي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في أنَّ الأيام ثلاثة... وهي أيام الدنيا..
" يوم مضى لا ترجوه، ويوم بقي وهو الذي أنت فيه، ويوم يأتي قد لاتُدركه.. "
فالذي مضى: فيه الحكمة والموعظة والإعتبار... وألمُ الفراق، وذكرياتٌ سوف نلقاها، وأعمالٌ نحاسبُ عليها
وهو اليوم الذي يتعذَّر الرجوعُ إليه.. فلا سبيلَ لك إليه..
والذي أنت فيه، فيوشك على الوداع والفراق... كنتَ بالأمس تنتظره، وهو الآن سريع السفر، فاغتنم ما استطعت من العمل، قبل أن تودعه أو يودعك.. وكان قد أتاك، ولم تأتِهْ... فكيف تأتي غيره؟
أما اليوم الذي يأتي، فقد لا تُدركه ولا تكونُ من أهله، تماماً كمن دفنتهم بالأمس وودَّعتهم في الأيام الخالية
ولم يدركوا يومك الذي أنت فيه...
من يدري؟! قد لا تدركه أنت أيضاً، وتموت قبله... فاترك طول الأمل حذراً من فجأة الأجل
فعليك بما ينفعك في عاجلك، حتى لا تحزنَ وتهتمَّ وتجمعَ وتتعبَ لِما قد لا تصِلَهُ من آجلك
فتتألَّم وتشقى لِما يأتي، وقد لا يأتي!...
أنظر مِن حولك، وقد ترى بقاءً لشيءٍ من أشياء الدنيا..
أنظر من حولك، وقد ورثت من كان قبلك، ولك وارثون بعدك
فانتفع بما جمعته أو ورثقته لما تقدم عليه من الحياة بعد الموت، فإما جنة وإما نار... بما قدمت عملتَ...
فما أنت إلا فروعٌ لأصولٍ قد مضت، فكيف تبقى الفروعُ بعد ذهاب الأصول؟
أين الآباءُ والأمهات، أين الأجدادُ والجدَّات؟! ألم تجعلهم في "حفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حفارها، لأضغطها الحجر والمدرة"
" أوليس لكم في آثار الأولين مزدجر، وفي آبائكم الماضين تبصرةٌ ومعتبر، إن كنتم تعقلون؟! أولم تروا الى الماضين منكم لا يرجعون، وإلى الخلف الباقين لا يبقون؟! أولستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتى: فميت يبكى، وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود، وطالبٌ للدنيا، والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وعلى أثر الماضي ما يمضي الباقي