بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف



معركة بدر مجد لحيدر الكرار (عليه السلام)
قال الله عز وجل: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (الأنفال: 1).

يظهر من سياق الآية أن هناك تنازعاً قد حصل بين بعض المسلمين الذين اشتركوا في حرب بدر، وسبب النزاع هو اختلافهم في الغنائم وهو أمر غريب إذا قيس مع روايات أهل السنة الذين جعلوا أهل بدر في رتبة العصمة أو شيء من هذا القبيل، وقد نقل روايات تخاصمهم الطبري في تاريخه والواقدي في مغازيه وابن هشام في سيرته.

فسياق الآية شديد اللهجة (فاتقوا الله) (وأطيعوا الله ورسوله) والتقوى والطاعة لا يأتيان من كل أحد، بل الأمر منحصر في المؤمنين فقط ولذا جاء ذيل الآية (إن كنتم مؤمنين).

ولا يبدو الأمر غريباً للغاية لو تتبعنا نفسية بعض المسلمين الذين اشتركوا في بدر من خلال النصوص القرآنية.

فقوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقاً من المؤمنين لكارهون. يجادلونك في الحق بعدما تبيّن كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون) (الأنفال: 5-6).

فالذين تحركوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) نحو معركة بدر لم يكونوا - بعضهم - يعتقدون بنبوّته ورسالته ولذلك فهم (كارهون) لهذا الخروج و(يجادلونك)، ومع كل هذا تمثّلت نفسياتهم بالخواء و الجبن والتراجع والخوف كأنهم يساقون إلى الموت!!

وأما عن أمانيهم وتطلعاتهم وخلجات قلوبهم فهي كما صوّرها القرآن العظيم: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم..) (الأنفال: 7).

فقد كانت نفوس بعضهم تميل إلى حبّ الدنيا والحصول على الغنائم والمتاع، وتكره الحرب (ذات الشوكة) في سبيل الله تعالى. ولكن أراد الله تعالى بحكمته الأزلية أن يخوض هؤلاء حرباً ضروساً مع قريش، وهكذا بدأت الحرب.

كما صوّر القرآن الكريم حالة هذا الفريق الخائف عندما رأى جيش المشركين بقوله: (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غرَّ هؤلاء دينهم..) (الأنفال: 49)، وكلامنا حول (الذين في قلوبهم مرض) وهم فئة أخرى غير المنافقين، فقد تكلم القوم عن مكنون نفوسهم وعن كفرهم الباطني؛ إذ اعتبروا النبي (صلى الله عليه وآله) وجماعة المسلمين قد غرّهم دينهم!! وهم بذلك أصبحوا أشدّ قبحاً وبشاعة من المشركين والمنافقين.

ولم يكتفوا بكل ذلك فحينما انتهت الحرب أشار بعضهم على النبي (صلى الله عليه وآله) أن يفدي أسرى الكفار ولا يقتلهم!! طمعاً منهم في عرض الدنيا، وهو مما أغضب الله ورسوله، قال تعالى: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة).

إذن وصلنا إلى نتائج مهمة وهي:

إن هناك جماعة – غير المنافقين- من المسلمين كرهوا الحرب منذ البداية وجادلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك.

إن حبهم للدنيا أكثر من حبهم للقتال في سبيل الله.

أشاروا بمنع قتل الأسرى مع أنهم من أئمة الكفر طمعاً في عرض الدنيا.

هذا ما تكلمت عنه آيات الذكر الحكيم.

والسؤال: من هم هؤلاء؟

أولاً: أما بالنسبة لكراهية الحرب فقد ذكر الواقدي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استشار أصحابه في حرب بدر، فلما وصل الكلام إلى عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إنها والله قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت، والله ما آمنت منذ كفرت، والله لا تسلم عزها أبداً، ولتقاتلنك فتأهب لذلك أهبته وأعد لذلك عدته.

واكتفى ابن هشام بقوله: فقام أبو بكر فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن..

ولكن لم يرق كلامها رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى قام إليه المقداد وقال: امضِ لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا)، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه. ثم قامت الأنصار وقالت مقالة المقداد، فسر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فيظهر أن الذي كان يكره الحرب هو أبو بكر وعمر بن الخطاب.

ثانياً: وأما الذين كانوا يحبون الدنيا وعرضها ويكرهون القتال في سبيل الله فبالإضافة إلى أبي بكر وعمر تظهر لنا شخصية أخرى ألا وهو عبد الرحمن بن عوف، فقد نزلت فيه: (ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أوأشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً).

ثالثاً: وأما من أشار على النبي (صلى الله عليه وآله) بأخذ الفداء وعدم قتل الأسرى فهو أبو بكر، فقد ذكر الطبري في تاريخه مسنداً..: (فلما كان يومئذ شاور رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر وعلياً وعمر –حول الأسرى-، فقال أبو بكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان!! فإني أرى أن تأخذ منهم الفدية فيكون ما أخذنا منهم قوة..).

فأبو بكر يقدم الأواصر النسبية على الإيمان والتوحيد، ويعتبر المشركين إخوانه وأبناء عمه أو عشيرته وهو خلاف صريح لكثير من الآيات القرآنية، ولهذا السبب نزلت الآية في أشد تهديد له: (لو لا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم).

وعلى هذا الأساس القرآني والروائي الثابت عند أهل السنة تثبت عدة حقائق وتسقط عدة مفتريات.

فأما التي تثبت:

أن أبا بكر كان من جملة الكارهين للحرب والذين لهم أطماع رهيبة في المال والمتاع، وقد اشترك معه عمر في بعضها.

كان للأنصار –ولا سيما للمقداد وسعد بن معاذ- دور رائع.

وأكثر منهم بطولة وإقداماً هو الإمام علي (عليه السلام) وحمزة وعبيدة بن الحارث الذين قدمهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل الحرب في المبارزة الانفرادية.

كان في جملة المشاركين من المسلمين في حرب بدر،المنافقون والذين في قلوبهم مرض –المشار إليهم في النقطة الأولى-. وبهذا لا يبقى لهذا الرقم (313) أي قداسة أو شيء من هذا القبيل.

وأما التي تسقط فهي:

روايات العريش وأن أبا بكر كان مع النبي (صلى الله عليه وآله) في العريش.

القداسة المزيفة التي صنعها بنو أمية لجميع أهل بدر، بل تثبيت القداسة للذين أطاعوا الله ورسوله وجاهدوا وقاتلوا بلا كره ولا طمع.

سقوط أي فضيلة مدونة في كتب أهل السنة لأبي بكر أو عمر أو عبد الرحمن في معركة بدر لتعارضها مع القرآن والنصوص الصريحة في ذلك.

====

المصادر:
1- سورة الأنفال: الآية 67.
2- المغازي: ج1/ص48.
3- السيرة النبوية: ج2/ص266.
4- نفس المصدر.
5- سورة النساء:الآية 77، راجع أسباب النزول للواحدي: والدر المنثور: ج2/ص184.
6- ج2/ص169.
7- سورة الأنفال: الآية 68.