المقدمة
د . ناظم الربيعي / نقابة الصحفيين العراقيين
أن غياب التشريعات القانونية الحقيقية الضامنة لحرية الصحافة والأعلام وبقاء القوانين القديمة سارية المفعول يعد عقبة ً حقيقية أمام تطور الصحافة العراقية وحرية التعبير عن الرأي وقلما أبدى المشرعون اندفاعا ً حقيقا ً لإلغاء تلك العقوبات المفروضة على جرائم النشر وحرية الرأي مما يستلزم ُ منا وقفة ً حقيقة ً لأعداد مشروع قانون يأخذ على عاتقه ِ المتغيرات الجديدة التي شهدها العراق ويكفل بذات الوقت حرية التعبير والنشر وإبداء الرأي دون الإساءة إلى أحد أو انتهاك الحقوق الخاصة بالصحفيين والإعلاميين أو بحقوق المواطنين الآخرين إضافة ً إلى ذلك أيجاد الضمانات القانونية الحقيقة التي تكفل للصحفي والإعلامي العيش بكرامة وضمان حقوقه ِ ومن ابسطها أيجاد مرتب يليق به ِ وبعائلته وعدم عمله ِ بشكل عشوائي دون عقد ٍ أو أمر ٍ أداريا ً يضمن حقوقا ً تقاعدية مجزية له ُ إضافة ً إلى الضمانات الصحية والاجتماعية التي تحميه من مخاطر هذه ِ المهنة , وهذا القانون يجب أن يراعى فيه الخصوصية الاجتماعية العراقية إضافة ً إلى الاستفادة من القوانين العربية والعالمية ذات الصلة بهذا الموضوع .
وقبل البحث في التشريعات القانونية الخاصة بحرية الرأي والتعبير ( وخصوصا ً في مجال الصحافة والأعلام ) لابد لنا من إلقاء نظرة سريعة على أهم القوانين العربية والعالمية ومن ثم استعراض القوانين العراقية الخاصة في هذا الشأن ليتسنى لنا معرفة مدى ملائمتها للواقع الجديد عموما ً وللإعلاميين خصوصا ً للخروج بقانون أو تشريع يمكن إن يعالج الكثير من الثغرات والهفوات التي لم تعالجها القوانين السابقة النافذة في هذا المجال مستندا ً على الدستور العراقي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
فمن نافلة القول إن الصحافة تستمد شرعية وجودها من أحساس الناس بضرورة القيام بنشاط معين من شأنه ِ أن يسهم في إشباع تلك الحاجات وهي تستند إلى الأسلوب العلمي ( التقني ) في مواكبة التطورات في ثورة المعلومات والاتصالات , وهي مهنة لا تعترف ألا بالكفاءة والمقدرة المهنية . فهي رسالة قبل إن تكون مهنة وأداة هامة في بناء المجتمع ومقياس لحضارة وتقدم الأمم المختلفة ومرآة صادقة وصافية لنشاطها في شتى مناحي الحياة ولها دور كبير ومؤثر في حياة الفرد والمجتمع .
(1)
* الدساتير والقوانين والمواثيق الخاصة بحرية الرأي والتعبير
يتوجب علينا إلقاء نظرة سريعة على أهم القوانين الخاصة بحرية الرأي والتعبير العالمية والعربية والمحلية بغية الاستفادة منها في أيجاد تشريع وطني يعالج نقاط الخلل والقصور القانوني في القوانين العراقية النافذة ..
1- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة ( 19 ) .
لكل شخص الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون تدخل . واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها . وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون التقيد بالحدود .
وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 / 2 / 1948 , وأصدرته ُ وطلبت من البلدان الأعضاء أن تعمل بنص الإعلان ونشره ِ وتوزيعه .
2- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المادة ( 19 ) .
الفقرة الأولى : لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة .
الفقرة الثانية : لكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته ُ في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود سواء كان ذلك على شكل مكتوب أو مطبوع أو في أي قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها
الفقرة الثالثة : تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذه ِ المادة واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود لكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية وهي :-
أ ) احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم .
ب ) حماية الأمن القومي أو الصحة العامة أو الآداب العامة .
وقد صادق العراق على هذا العهد في 25 / 1 / 1971 وألزم نفسه ُ بهذه ِ الاتفاقية .
(2)
أن الشروط التي أقرت في المادة ( 19 ) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هي محددات واجبة دون إساءة استخدام الجهاز التنفيذي للسلطة الممنوحة له ُ , وإن عبارة محددة بنص القانون ترسم حدود واضحة دون إصدار أوامر من قبل المسئولين تعد قيوداً قاسية وغير مبررة .
3- الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان المادة ( 10 ) .
الفقرة الأولى : لكل إنسان الحق في حرية التعبير وهذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة بصرف النظر عن الحدود الدولية ودون إخلال بحق الدولة في طلب الترخيص في نشاط مؤسسات الإذاعة التلفزيون والسينما .
الفقرة الثانية : هذه ِ الحريات تتضمن واجبات ومسؤوليات لذا يجوز إخضاعها لشكليات إجرائية وشروط وقيود محددة في القانون حسبما تقتضيه الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب العامة واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار أو تدعيم السلطة وحيادية القرار .
4- الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب المادة ( 9 ) .
الفقرة الأولى : من حق كل فرد أن يحصل على المعلومات .
الفقرة الثانية : يحق لكل إنسان أن يعبر عن أفكاره ِ وينشرها في أطار القوانين واللوائح .
5- الميثاق العربي لحقوق الإنسان المادة ( 32 ) .
الفقرة الأولى : يضمن هذا الميثاق الحق في الأعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة دونما اعتبار للحدود الجغرافية .
الفقرة الثانية : تمارس هذه ِ الحقوق والحريات في أطار المقومات الأساسية للمجتمع ولا تخضع ألا للقيود التي يفرضها احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو حماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة .
6- الدستور العراقي لعام 1925 ( القانون الأساسي ) المادة ( 12 )
(3)
أن للعراقيين حرية أبداء الرأي والنشر والاجتماع وتأليف الجمعيات والانضمام إليها ضمن حدود القانون .
7- الدستور العراقي المؤقت لعام 1958 المادة ( 10 ) .
حرية الاعتقاد أو التعبير مضمونة وتنظم بقانون .
8- الدستور العراقي المؤقت لعام 1964 المادة ( 29 ) و ( 30 ) .
حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ِ ونشره ِ بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون . المادة ( 30 ) أشارت إلى أن حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة في حدود القانون .
9- الدستور العراقي المؤقت لعام 1968 المادة ( 31 ) .
أشارت إلى أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك في حدود القانون . إما المادة ( 32 ) من الدستور نفسه فقد أشارت إلى إن حرية الصحافة والطباعة والنشر مصونة وفق مصلحة الشعب وفي حدود القانون وتكون مقرونة بمصلحة الشعب.
10- الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 والذي سمي بدستور الجمهورية العراقية المؤقت المادة ( 26 ) .
أن الدستور يكفل حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون وتعمل الدولة على توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه ِ الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي .
11- أما مشروع دستور عام 1990 الذي لم ير النور فقد أشار في مادته ِ ( 53 ) على حرية الرأي والفكر والتعبير عنه ُ وتلقيه بالوسائل الإعلامية والثقافية مضمونة وينظم القانون ممارسة هذه ِ الحريات .
(4)
أما المادة ( 54 ) منهُ فقد نصت على أن حرية الصحافة والنشر مضمونة وينضم القانون ممارسة هذه ِ الحرية ولا تفرض الرقابة على الصحف والمصنفات ألا بموجب إحكام القانون .
وتتفق جميع نصوص الدساتير العراقية التي تحمل غالبيتها صفة مؤقتة في فقرات خجولة على حرية الرأي والتعبير والنشر وأن هذهِ الحرية تكون مقترنة بقانون ينظمها , علما ً أن نصوص الدساتير تلك غالبا ً ما كانت تقيد بمجموعة من القوانين المكتوبة أو التعليمات الشفاهية التي كانت تصدر للصحف العراقية والتي حولتها إلى مجموعة من المنشورات لا تحمل أي قيمة قانونية ولاسيما في سنواتها الأخيرة بسبب الكم الهائل من الأوامر الإدارية والقوائم الطويلة من الممنوعات .
(5)
التناقض بين القوانين والتشريعات القانونية بعد عام 2003 وأثرها على حرية التعبير .
12- القوانين والتشريعات الصادرة بعد عام 2003 :-
صدرت العديد من القوانين والأوامر المؤقتة في العراق في هذا الشأن كان أولها الأمر رقم ( 14 ) في 10 / 6 / 2003 الصادر عن سلطة الحاكم المدني في العراق ( بول بريمر ) والذي كان مفاجئا َ فيما حواه من قيود وانتهاكات ومصادرة لحرية التعبير فقد جاء في الجزء الثالث منه ُ وتحت باب اكتشاف النشاط المحظور ( يجوز للمدير الإداري للسلطة الائتلافية المؤقتة أن يأذن بأجراء عمليات تفتيش للأماكن التي تعمل فيها المنظمات الإعلامية العراقية ومقرات الصحف دون أخطار بغية التأكد من امتثالها لهذا الأمر ويجوز له ُ مصادرة أي مواد محظورة وأي معدات إنتاجية كما له ُ في إغلاق أي مبان ٍ تعمل فيها هذه ِ المنظمات ولن يسمح بدفع أي تعويض عن أي من المواد والمعدات المصادرة أو المباني المغلقة أما في قانون إدارة الدولة العراقية فقد جاء في الباب الثاني من الحقوق الأساسية وفي المادة الثانية عشرة :
( أ ) أن الحريات العامة والخاصة مصانة .
( ب ) للناس الحق بحرية التعبير ويشمل ذلك الحق بتسلم وإرسال المعلومات شفهيا َ أو خطيا ً أو الكترونيا ً أو بأي شكل أخر وللعراقي الحق بحرية الفكر والضمير والعقيدة الدينية وممارسة شعائرها ويحرم الإكراه بشأنها .
13- الدستور العراقي الدائم لعام 2005. فقد جاء في المادة ( 38 ) منه :-
أولا ً : حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل .
ثانيا ً : حرية الصحافة والطباعة والأعلام والنشر .
(6)
وتشكل هذه ِ المادة خطوة إلى الأمام في تعزيز بيئة حرية التعبير في العراق ألا أنها خطوة غير كافية لضمان حرية التعبير إذ يشكل غياب التشريعات القانونية والواقع الأمني القلق ومحاولات التدخل من قبل المسؤولين ضعفا ً لهذه ِ المادة الدستورية ويحولها إلى مجرد نص يفقد قوته ِ المفترضة إضافة إلى أنها مشروطة باحترام النظام العام والآداب العامة وهذا يحد ُ من النطاق التنفيذي للحق ويتيح أمكانية تقييد السلطة التنفيذية لأنواع معينة من التعبير وفق اشتراط بسيط وهو أنها لا تتوافق مع مبادئ النظام العام والآداب العامة وكان من الواجب أنها تحمي الحق في التعبير لا أن تجيزه ُ فقط وإذا ما عدنا إلى الدستور العراقي وقوانين بريمر في مجال النشر والمادة ( 130 ) من الدستور التي تؤكد على سريان قانون العقوبات العراقي المرقم ( 111 ) لسنة 1969 نجد تناقضا ً واضحا ً وقيود ً أخرى تم تشريعها إضافة إلى تفعيل القوانين القديمة للحد من حرية التعبير أن المواد ( 81 ) و( 82 ) و ( 83 ) و ( 179 ) و ( 200 ) من القانون المذكور والمتعلقة بجرائم النشر والتأليف وغير ذلك من طرق التعبير ونشر الأخبار المتعلقة بمؤسسات الدولة وإذاعة الأخبار أو نشر الوثائق الخاصة بالدوائر والمصالح الحكومية أو المؤسسات العامة نجد عقوباتها تتراوح بين السجن لسنتين أو السجن المؤبد , إضافة إلى مواد أخرى في القانون تتعلق بحرية الرأي والفكر والنشر مثل مواد ( 202 ) و ( 227 ) و ( 215 ) و ( 225 ) و ( 229 ) و ( 305 ) و ( 327 ) و ( 372 ) و ( 404 ) و ( 434 ) و ( 435 ) و ( 437 ) فأن عقوباتها تتراوح مابين السجن لعدة أعوام حتى تصل إلى عقوبة الإعدام إضافة إلى ذلك فأن قوانين أخرى ذات صلة كقانون وزارة الثقافة والأعلام المرقم ( 94 ) لسنة 1981 الذي يؤكد على نشر فكر ومبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي وتعميقها وترسيخها في القطر وقانون وزارة النقل والمواصلات رقم ( 7 ) لسنة 1976 هذا القانون لا يتناول حرية التعبير بصورة مباشرة ولكنه ُ يرسخ المركزية الإدارية وهذه ِ القوانين لا زالت سارية المفعول وتتناقض مع الدستور الدائم لعام 2005 والقرارات الصادرة بعد عام 2003 وإذا عدنا إلى القوانين والتشريعات الدولية الضامنة لحرية الرأي والتعبير نجد أن الكثير منها ليست لها صفة الإلزام القانوني وتؤكد أن الحق في التعبير ليس مطلقا ً ويجب تقيده ُ بالدساتير وضمن معايير صارمة من أجل التأكد من عدم انتهاك الحريات .
( 7 )
مشاريع قوانين جديدة لم تشرع :-
بعد أن اتسعت خارطة الأعلام العراقي وازداد معها ظهور فضائيات وإذاعات جديدة كان لا بد من التفكير وبجدية بحماية تلك المؤسسات والعاملين فيها ورعايتها وتنظيمها في إطار مهني وقانوني صحيح يستوعب التغير الإعلامي الهائل في عدد الوسائل الإعلامية ويعطي مجالا اكبر للحرية الصحفية وحرية التعبير في ظل انفتاح ديمقراطي واسع وكذلك الأطر الصحيحة لحماية الصحفي العامل في تلك المؤسسات سواء كانت هذه الحماية داخل المؤسسات الصحفية عن طريق أيجاد صيغة مناسبة تؤطر هذا المفهوم أو من خلال حماية الصحفي خارج مؤسسته الإعلامية بمنع وسائل القسر والضغط ضد الصحفيين والإعلاميين لتثنيهم من كشف الحقائق ومتابعة رسالتهم المهنية أو لإيجاد المناخ الصحي والآمن لعملهم خارج مؤسساتهم الإعلامية لانتشار ظاهرة القتل والخطف والاغتيال الذي تعرضوا له. وهي حقائق موجودة وموثقة علينا أن نتعامل معها وإيجاد قانون يحمي الصحفي داخل مؤسسته الإعلامية من خلال التأكيد على حقوقه المالية والمهنية وإيجاد علاقة متوازنة في هذا المجال يحكمها عقد عمل موثق رسميا خاصة بعد أن ازدادت ظاهرة الاستغناء الكيفي عن الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي دون نيلهم حقوقهم المادية وغلق الصحف دون حساب مستقبل الصحفيين العاملين فيها ولأسباب شتى .
وكذلك يجب أن يتناول هذا القانون حماية الصحفي خارج مؤسسته الإعلامية فكما هو معروف إن عدد شهداء الصحافة العراقية بلغ أكثر من(296)شهيدا من الصحفيين والإعلاميين إضافة إلى اختفاء العشرات منهم وهم يؤدون مهامهم في كشف الحقيقة من قبل جهات مسلحة مرتبطة بهذه الجهة أو تلك إضافة إلى حماية الصحفي من قسر الحكومة وهو شيء جديد على الساحة الصحفية العراقية التي شهدت توسعا في استخدام لغة وأسلوب القسر والضرب والتهديد من خلال اعتداء حمايات المسؤولين وبشكل متكرر على الإعلاميين والصحفيين سواء بعلم المسؤولين أو بدون علمهم وكمثال على ذلك ما تعرض له كادر قناة البغدادية من اعتداء سافر قبل فترة وجيزة من قبل قوات محسوبة على الحكومة مما دعا نقابة الصحفيين إلى إقامة دعوى قضائية ضد تلك القوى المسلحة بعد أن تم التعرف عليها وعلى الجهة العائدة لها . وكذلك الاعتداء الذي تعرض له مراسل العراقية والكادر العامل معه من عناصر حماية مجلس محافظة بغداد.
( 8 )
لذا كان لزاما علينا أن نجد تشريعات قانونية توفر الحماية القانونية للصحفيين والإعلاميين مما حدا بنقابة الصحفيين العراقيين والمختصين في المجال القانوني إلى التفكير جديا بصياغة مسودة مشروع قانون حماية الصحفيين العراقيين ولم تكتفي النقابة بإشراك المختصين العراقيين بذلك بل نظمت ورشة قانونية مع اتحاد الصحفيين الدولي لمناقشة مسودة القانون واغناءه بالأفكار المطلوبة لإنضاجه ويجب أن نشير إلى أن مسودة القانون قد لاقت الترحيب من البعض والمعارضة من البعض الآخر لأسباب معروفة وبعد أن تم إنضاج مسودة القانون تم إرسالها من قبل النقابة إلى مجلس شورى الدولة لصياغتها بشكل قانوني وبعد جلسات كثيرة ومناقشات معمقة بين النقابة ومجلس شورى الدولة تم إرسال النسخة المنقحة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء الدائرة القانونية في 29/10/2008 بعد حذف مجلس شورى الدولة المادة (11) لتعارضها مع القوانين الجزائية وإضافة مادة جديدة لمشروع القانون نصت على أن تمول وزارة المالية المبالغ المترتبة على تنفيذ أحكام هذا القانون وكذلك جعل سريان المادة (14)من مشروع القانون على الحالات السابقة والواقعة بعد 9/4/2003 .حول مجلس الوزراء مسودة القانون إلى مجلس النواب العراقي لكن اللجنة الثقافية في البرلمان جعلته حبيس أدراجها ولم ترفعه لمناقشته لحد الآن لأسباب نجهلها ؟!.
ولابد لنا أن نعطي فكرة ولو موجزة وسريعة عن مسودة قانون حماية الصحفيين فهو يتكون من سبعة عشر مادة . ويهدف إلى غرضين رئيسيين نصت عليهما المادة الثانية من القانون وهما.
أ- توفير الحماية القانونية للصحفيين العراقيين أثناء تأدية واجباتهم في جمهورية العراق .
ب- ضمان حقوقهم خصوصا للعاملين على نظام العقود أو المكافئة الشهرية من غير الموظفين .
وبغية حماية الصحفي كمكلف بخدمة عامة وتوفير الحماية له فقد نصت المادة (9) على ما يلي:(يعاقب كل من يعتدي على موظف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها .
وكفلت المادة(15) من مسودة القانون الحقوق المادية للصحفي وعدم طرده من عمله بشكل تعسفي من خلال إلزام الجهات الإعلامية المحلية والعربية والأجنبية العاملة في العراق بإبرام عقود عمل مع الصحفيين العاملين في تلك الجهات وفق نموذج تعده النقابة ويتم إيداع نسخة من العقد لديها.
( 9 )
أما من ناحية توفير الضمان الاجتماعي والصحي للصحفيين فقد أكد القانون في المادة (13) أولا على منح عيال كل من يستشهد من الصحفيين من غير الموظفين أثناء تأدية واجبه أو بسببه نتيجة عمل إرهابي راتباً تقاعدياً مقداره (500000) خمسمائة ألف دينار . وثانياً يمنح الصحفي من غير الموظفين الذي يتعرض إلى إصابة تكون فيها نسبة العجز (50%) فأكثر أثناء تأدية واجبة أو بسببه نتيجة عمل إرهابي راتباً تقاعدياً مقداره (250000) مائتان وخمسون ألف دينار .
ثالثاً يسري حكم الفقرتين أعلاه على حالات الاستشهاد والإصابة بعد تاريخ 22/3/2003.
وبالتالي فان القانون يضمن حقوق الشهداء من الزملاء الصحفيين والإعلاميين بأثر رجعي وهذه نقطة مهمة وحيوية تحسب له كونها تضمن حقوق من استشهد أو أصيب بعوق قبل صدور هذا القانون.
أما المادة (14) منه فقد ألزمت الدولة بتوفير العلاج المجاني للصحفي الذي يتعرض إلى إصابة نتيجة عمل إرهابي أثناء تأدية واجبة أو بسببه .
وبما إن أدوات الصحفي هي الوسيلة الفعالة في إنجاح عمله وإيصال ما يريد للمتلقي فقد حظيت هي الأخرى بالحماية القانونية فقد نصت المادة (7) على ما يلي لا يجوز التعرض إلى أدوات عمل الصحفي إلا بحدود القانون .
وأعطى القانون الحماية القانونية للصحفي أثناء تأدية واجبه فقد نصت المادة (10) الفقرة الثانية على ما يلي لا يجوز استجواب الصحفي أو التحقيق معه عن جريمة منسوبة إليه مرتبطة بممارسة عمل الصحفي إلا بعد إخبار النقابة بذلك وهذا يعني إن على النقابة توكيل محامي للدفاع عنه لضمان حقوقه . إما حق الصحفي في الحصول على المعلومة والأنباء والبيانات فقد نصت عليها المادة (4) من القانون التي جاء فيها ( للصحفي حق الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها بما يسمح به القانون والاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته . وكذلك المادة(6) التي نصت على حق الصحفي بالاطلاع على التقارير والمعلومات والبيانات الرسمية وعلى الجهة المعنية تمكينه من الاطلاع عليها والاستفادة منها ما لم يكن إفشاؤها يشكل ضرراً بالمصلحة العامة ويخالف أحكام القانون .
مما تقدم وبعد استعراض موجز سريع لأهم المواد التي جاءت في القانون بغية حماية الصحفيين العراقيين وضمان حقوقهم لابد لنا أن نتطرق ولو بشكل مختصر إلى قانون آخر مرتبط بهذا القانون ومكمل له واقصد به قانون تقاعد الصحفيين رقم (81) لسنة 1973.
( 10 )
فقد نظم هذا القانون آلية عمل صندوق تقاعد الصحفيين بمادته الثانية من خلال إلحاقه بوزارة الإعلام المنحلة وجعل إدارته لهيئة مكونه من وزارة الإعلام و وزارة المالية ونقابة الصحفيين وتختصر مهمتها بما يلي :
1. تثبيت الخدمة الصحفية وفق جدول يعد من قبل نقابة الصحفيين .
2. تحديد الراتب التقاعدي بموجب سنوات الخدمة المثبتة في الجدول .
إلا إن اللافت للنظر إن هذا القانون لم يتطرق بأي شكل من الأشكال إلى زيادة رواتب المتقاعدين من الصحفيين وبقي الراتب مجمد عند حدود (500) دينار فقط . وعلى الرغم من المراجعات الكثيرة واللقاءات المتعددة بالجهات ذات العلاقة كوزارة الثقافة ووزارة المالية التي قامت بها النقابة لزيادة رواتب المتقاعدين أسوة بأقرانهم من الموظفين المتقاعدين ألا أن جميع تلك الجهود لم تفلح ولم تثمر عن شيء وبقي راتب الصحفي المتقاعد على ما هو عليه والسبب كما تقول تلك الجهات هو عدم وجود قانون أو تشريع يجيز زيادتها . وإذا عدنا لصندوق تقاعد الصحفيين فأننا نجد أن دعمه المالي يعتمد على استقطاع نسبة 5% من أجور الإعلانات المنشورة في الصحف المحلية وفوائد المبالغ المودعة في المصارف والعائدة للصندوق والتي لا تزيد عن (120,000,000) مليون دينار عراقي . مما يستدعي منا الإسراع بدق ناقوس الخطر ولفت انتباه الجهات التشريعية كمجلس النواب العراقي والحكومة لمعالجة الوضع ألمعاشي المزري للصحفي المتقاعد كونه إنسان ومن حقه العيش بما يليق به وبتضحياته في مجتمع يؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان .
3. مشروع قانون هيئة الإعلام والاتصالات.
هذا المشروع كسابقه قانون حماية الصحفيين كان ولا يزال حبيس الأدراج المكتبية في مجلس النواب ولم يرى النور لحد الآن على الرغم من أن المشروع يعالج مسألة مهمة وحيوية وهي مسألة الترددات الإذاعية والتلفزيونية والمحافظة على الجانب الأمني بهذا الخصوص ويجدر بنا ونحن نتطرق إلى مشروع قانون هيئة الإعلام والاتصالات أن نعطي فكرة ولو موجزة عنه وعن أهدافه وعن الثغرات القانونية التي شابته وعدم توفيق مشرعه بالربط الصحيح بين مواده نتيجة ربطه العمل الإعلامي بوزارة غير معنية بهذا المجال وهي وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتدخله بشكل غير مقبول بالعمل الإعلامي كما سنوضح ذلك .
( 11 )
فمشروع قانون هيئة الإعلام والاتصالات يتكون من تسعة فصول في كل فصل عدد من المواد القانونية . ففي الفصل الأول المادة السابعة عشر منه تم تعريف الإعلام بأنة النشاط الذي تمارسه المؤسسات العامة أو الخاصة من خلال وسائل الإعلام المقروءة أو المسموعة أو المرئية لتوفير الأخبار والمعلومات والبرامج المختلفة للجمهور . وهو تعريف عام يقودنا إلى تساؤل عن علاقة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بوسائل الإعلام المقروءة (وأعني بها الصحف ) وما هو وجه الربط القانوني بعملها بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ؟ وهذا خلل قانوني يستوجب المعالجة والتنويه علية قبل أقراره كقانون .
وفي نفس الفصل حددت المادة الثامنة عشر منه سلوك الصحفيين ومسؤوليتهم الإعلامية وهنا يمكن إن نتساءل عن سبب تحديد سلوك الصحفيين ومسؤوليتهم الإعلامية بهيئة غير معنية على الإطلاق بذلك.
أما في الفصل الثاني من مشروع القانون المادة الرابعة الفقرة الثالثة ورد إن هيئة الإعلام والاتصالات تقوم بحماية حرية الإعلام ومساعدة أجهزة الإعلام على تطوير وتقوية الممارسات المهنية في مجال العمل والحفاظ على تلك الممارسات . فكيف لها أن تقوم بذلك في ظل عدم وجود قانون يحدد الأطر القانونية لحرية الإعلام وكيفية مساعدة أجهزة الإعلام؟ وما هي المساعدة المطلوبة ؟ هل هي المساعدة المادية أم العلمية أم غيرها ؟ مما يتطلب تفسير دقيق لتلك الفقرة وكيفية تطبيقها على ارض الواقع لأنها متداخلة مع عمل جهات أخرى كنقابة الصحفيين ولا بد من وجود تنسيق بين الهيئة وعمل النقابة والجهات ذات العلاقة بهذا الصدد .
أما المادة (5) من الفصل الثاني فقد عادت بنا إلى ماضي السلطة الشاملة ودكتاتورية القرارات الفردية وفرض الرقابة على الصحف ولا ادري ما المقصود بالرقابة الذاتية في هذه المادة، هل هي رقابة السلطة الممثلة بالهيئة أم رقابة الصحيفة وأجهزة الإعلام الذاتية ؟ وتكررت مفردة الرقابة في الفصل الثالث من المادة الرابعة التي أكدت على مبدأ الرقابة والإشراف على نشاط المشغلين ومقدمي خدمات الاتصالات العامة . فأين حرية الأعلام والصحافة في ظل وجود رقابة وإشراف حكومي على عملها؟!
وجاء في الفصل الرابع المادة(12) الفقرة(5) ما يلي:
إقرار معايير العمل الإعلامي . ولم يوضح المشرع ما المقصود بمعايير العمل الإعلامي وكيفية إقرارها .
( 12 )
والعمل الإعلامي كما هو معروف عمل يشمل كل المجالات الإعلامية من إذاعة وتلفزيون وصحف وغيرها فكيف يتم وضع وإقرار معايير عمل إعلامي لها تحت غطاء حكومي من خلال هذه الهيئة ؟! فأين حرية الإعلام في ظل معايير محددة سلفا وهذا يعني جعل وسائل الإعلام تابعة للدولة .
وفي نفس الفصل ورد في المادة (17) أولا منه ما يشكل خطراً على الإعلام وجعله تابعا للسلطة وهذا يعود بنا إلى الإجراءات القمعية التي كانت سائدة في زمن النظام السابق باتخاذ إجراءات قانونية ضد أي مؤسسة إعلامية تخالف النظام العام والآداب العامة وهي كلمات فضفاضة يمكن تطويعها واستخدامها كحجج واهية لغلق أو تعليق عمل إحدى وسائل البث الإعلامي فقد جاء فيها:( للمدير التنفيذي بموافقة مجلس الأمناء في حالة وجود أسباب تدعو إلى غلق أو تعليق عمل إحدى وسائل البث الإعلامي أو الاتصالات التي تشكل خطراً على الأمن العام أو النظام العام أو الآداب العامة إصدار القرار بغلق أو تعليق وسيلة الإعلام أو الاتصالات ......)
وهذا ما يتناقض والمادة ثالثا الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل الأول من نفس القانون التي نصتا على ما يلي:
حماية حرية الإعلام ومساعدة أجهزة الإعلام على تطوير وتقوية الممارسات المهنية في مجال العمل والحفاظ على تلك الممارسات والالتزام بالمبادئ الدولية لحرية التعبير وحرية الصحافة المنصوص عليها في الميثاق الدولي للحقوق المدنية والسياسية لحقوق الإنسان
وبعد هذا الاستعراض الموجز لفقرات هذا القانون يتطلب منا إعادة النظر به وفك ارتباط الإعلام بالحكومة وبهيئة غير معنية فيه قبل تشريعه .
( 13 )
الخاتمة :
بعد إن استعرضنا ولو بشكل موجز ومختصر الدساتير والمواثيق الدولية والعربية والقوانين العراقية ذات الشأن بحرية الرأي والتعبير نرى لزاما ً علينا في مؤتمرنا هذا بعد إن حددنا نقاط الخلل في القوانين والتشريعات العراقية النافذة والتي تحد من حرية الرأي والتعبير كونها قد صدرت في ظل نظام شمولي وتعسفي ولا زالت سارية المفعول إن نُكرس جهدنا لبلورة مشروع قانون يستفاد من كل الثغرات والهفوات التي وردت في القوانين السابقة بغية معالجتها. وتعديل القوانين النافذة أو بعض المواد الواردة فيها خصوصا ً قانون العقوبات العراقي المرقم (11) لسنة 1969. وإيجاد قانون ينظم العمل الإعلامي والصحفي بحرية واسعة بشرط عدم تجاوزها الحدود القانونية المسموح بها.
وان يكون هذا القانون أو التشريع عام وشامل يشمل كل وسائل الإعلام والصحافة وتأطير عملها بمحددات النزاهة وعدم الانحياز لطرف على حساب طرف أخر وان يأخذ بعين الاعتبار تعددية وسائل الإعلام ودورها في بناء العراق وإرساء السلام والاستقرار فيه وان يضمن حق المعرفة وتداول المعلومات ونقلها للجمهور بحيادية ونزاهة تامتين وان لا يغيب عن بال مشرع القانون حق الصحفي والإعلامي بالحصول على المعلومة لان المشرع السابق في كل القوانين العراقية لم يصرح بهذا الحق ولم يتطرق إلى مفردة حق الحصول على المعلومة لا بل لم يبدي اهتماما جدياً في هذا الشأن، وهذا عائد إلى طبيعة النظام الشمولي الذي كان يحكم العراق حتى أن دستور العراق الدائم لعام 2005 لم يتطرق لهذا الحق ولم يعره اهتماما.
مما تقدم يتطلب منا وضع قانون خاص بحرية الرأي والتعبير والإعلام والصحافة يحتذى به في الشرق الأوسط يكون عماده الدستور العراقي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية لان حرية الرأي والتعبير والإعلام هي عصب الحريات العامة ومكونها الرئيسي وهي حق لكل مواطن وليست حكرا فئويا أو امتيازا خاص للصحفيين والإعلاميين لكنها امتيازا لكل فئات المجتمع وإفراده الأمر الذي يقتضي إحاطتها بسياج خاص من الضمانات الدستورية والقانونية لان الحرية بشكل عام وحرية الرأي التعبير بشكل خاص لا تنبت ولا تزدهر إلا في بيئة تعتمد ثقافة العدل والمساواة وتحترم حقوق الإنسان.
( 14 )
تشريعات تنظيم العمل الإعلامي بما فيها
مشروع قانون حماية الصحفيين العراقيين
الباحث
د . ناظم الربيعي / نقابة الصحفيين العراقيين