لا تملك السلطات الرئاسية توقيع العقوبات التأديبية بحق الموظف إلا بعد اصدار اللجنة التحقيقية توصيتها . لذلك ألزم قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل ، الوزير أو رئيس الدائرة تشكيل لجنة تحقيقية من رئيس وعضوين من ذوي الخبرة،على أن يكون احدهم حاصلا على شهادة جامعية أولية في القانون .
ويعد هذا النص من النظام العام ،فلا مجال للإدارة الإعراض عنه،وعلى هذا قضى مجلس الانضباط العام بان : (تشكيل اللجنة التحقيقية من أربعة أعضاء أو من عضوين أو عدم وجود عضو حاصل على شهادة جامعية في القانون،يعد مخالفة لأحكام المادة (10) من قانون انضباط موظفي الدولة يؤدي إلى بطلان الإجراءات المتخذة من اللجنة لان ما يبنى على باطل باطل كما تصرح بذلك القاعدة العامة ) .
و المشرع خير الجهة الإدارية بين تشكيل اللجنة التحقيقية أو استجواب المتهم لفرض العقوبات كاستثناء يرد على إلزام الجهة الإدارية بضرورة تشكيل لجنة تحقيقية قبل فرض العقوبة ،بيد أن هذا الاستثناء لا يطال جميع العقوبات الانضباطية وإنما يقتصر على عقوبات( لفت النظر،الإنذار ،قطع الراتب) إذ منح المشرع الجهة الإدارية المختصة بفرض العقوبة مكنة فرضها دون تشكيل لجنة تحقيقية للنظر في المخالفة ،على أن يستجوب الموظف كأجراء شكلي ،وإلا عد قرار فرض العقوبة قرارا معيبا بعيب الشكل .
واللجنة التحقيقية ليست بالهيئة الدائمة، فهي تشكل حسب الطلب، في حين يذهب بعض الفقه في هذا الشأن إلى القول أن قانون انضباط موظفي الدولة في المادة (10) لم يحدد أجلا لتشكيل اللجنة ، ولهذا فإنها تعد من اللجان الدائمة ، إلا أن ذلك لا يمنع الوزير أو رئيس الدائرة سلطته في إعادة تشكيلها أو إجراء تعديل فيها كلما اقتضى الأمر ذلك .
والذي نراه بهذا الشأن أن اللجنة التحقيقية من اللجان المؤقتة وليست الدائمة ، إذ تنتهي مهمتها بعد الانتهاء من أعمالها ورفع التوصية إلى الجهات المختصة بفرض العقوبة ، لان اللجان التحقيقية لا تباشر التحقيق إلا بعد إحالة الأمر إليها بناء على قرار إداري ينطوي على تشكيل لجنة تحقيقية تتولى النظر في المخالفة المنسوبة إلى الموظف .
وقد حدد المشرع الفرنسي الجهة المختصة بالتحقيق التأديبي بمجالس التأديب ،إذ تتكون هذه المجالس من اللجنة الإدارية المشتركة والمجلس الأعلى للوظيفة العامة . وينظم تشكيل اللجنة الإدارية المشتركة بالمرسوم رقم 307 الصادر في 14/2/1959 إذ تنعقد هذه اللجنة في المسائل التأديبية بصفتها مجلس تأديب،وتتكون هذه اللجنة من عدد متساو من ممثلين عن الإدارة وممثلين عن الموظف يصل عددهم إلى أربعة. ويوجد إلى جانب الأعضاء الأصليين أعضاء احتياط من نفس العدد،ويعين ممثلو الإدارة بموجب قرار وزاري ،أما ممثلو الموظفين فيتم انتخابهم عن طريق الاقتراع السري ولمدة ثلاث سنوات ، وإذا انقضت مدة تمثيل الموظفين دون تجديد انتخابهم فان مجلس التأديب المنعقد بهذا الصفة يصبح غير مختص بإبداء الاراء .
أما عن التحقيق في مصر فينعقد لجهتين هما الجهة الإدارية والنيابة الإدارية ، بعد أن كان التحقيق منحصراً بالجهة الإدارية ،لكن المشرع انشأ النيابة الإدارية لتوفير الضمانات للموظفين المحالين إلى التحقيق ومعالجة المشاكل التي تولدت عن تبعية التحقيقات إلى جهة الإدارة ،فقد أراد المشرع المحافظة على طابع التأديب وتحقيق الحيدة لأعضائه والابتعاد عن تأثير الرؤساء الإداريين ،وما يمثله هذا التأثير من خطورة على ضمانات الموظفين في مسائلة تأديبية عادلة .
إلا أن وجود جهتين يتوليان التحقيق قد يترتب عليه ازدواجية بالتحقيق ،لذلك عمد المشرع المصري إلى فض التنازع بالاختصاص عندما اوجب على الجهة الإدارية المختصة لسائر المخالفات أن توقف ما تجريه من تحقيق في واقعة أو وقائع وما يرتبط بها إذا كانت النيابة الإدارية قد بدأت التحقيق فيها ،وعلى تلك الجهة فور إخطاره بذلك إحالة أوراق التحقيق إلى النيابة الإدارية .
وهذا ما استقرت عليه المحكمة الإدارية بحكمها إذ تقول :( إذا تولت النيابة الإدارية التحقيق فلا يجوز للجهة الإدارية أن تتصرف في التحقيق إلا إذا أحالته إليها النيابة الإدارية مطالبته بالكف عن السير في التحقيق،أو عن المبادرة إلى التصرف من قبل أن تنتهي النيابة الإدارية إلى قرار بشأنه) .
من كل ما تقدم يظهر بجلاء أن تشكيل لجنة تحقيقية للنظر بالمخالفة المنسوبة إلى الموظف تعد من الإجراءات الجوهرية لصحة القرار المتخذ اتجاه الموظف المخالف ،باستثناء بعض العقوبات التي لا تتطلب تشكيل لجان تحقيقية وإنما يكفي لفرضها استجواب الموظف من قبل الجهة المختصة بفرض العقوبات الانضباطية لعدم جسامة المخالفة المرتكبة من قبل الموظف ،وهذا ما أخذت به التشريعات المذكورة.
والذي نراه بهذا الصدد أن يجعل المشرع تشكيل اللجان التحقيقية شرطا يسبق فرض جميع العقوبات الانضباطية دون استثناء وذلك بتضمين قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي نصا يقضي بذلك ، وبالتالي يصبح من الأمور الملزمة للوزير أو رئيس الدائرة دون أن يترك لهما الخيار بين الاستجواب أو التحقيق في العقوبات التي لا يتطلب فرضها كشرط أساسي تشكيل لجنة تحقيقية بل الاستجواب يكون كافيا لفرضها بحجة أن آثار هذه العقوبات ليست شديدة . و الغاية من ذلك ضمان عدالة المساءلة التأديبية بفعل الدور الذي تلعبه اللجنة التحقيقية في تقدير جسامة المخالفة ،بحكم تعدد أعضائها مما يترتب على ذلك من تعدد الآراء حيال المخالفة المعروضة ودور العضو القانوني فيها تجعلها اقدر في تشخيص المخالفة المرتكبة من عدمها .