الفرق بين التحقيق التأديبي والتحقيق الجنائي
إن التحقيق التأديبي احد نوعي التحقيق يتخذ من اجل الوقوف على المخالفة المنسوبة إلى موظف معين عن طريق التحقيق معه بغية الوصول إلى الحقيقة ليسهل فرض الجزاء التأديبي المناسب والذي يجب أن يكون منسجما مع المخالفة المرتكبة من قبل الموظف . ويختلف التحقيق التأديبي عن التحقيق الجنائي ،فالأخير يعرف بأنه الإجراءات التي يتخذها شخص مخول قانونا ضمن نطاق أحكام القوانين الشكلية في ضوء ظروف القضية والمقدرة والشخصية له لإثبات وقوع الجريمة ونسبة فعلها إلى فاعليها لمعاقبتهم على وفق أحكام القوانين المرعية .
لذلك يجب التفريق بين التحقيق التأديبي والتحقيق الجنائي حتى لا يختلط الأمر ، فكل منهما يتم داخل نظام مستقل تماما عن الآخر،وذلك لاختلاف المخالفة التأديبية عن الجريمة الجنائية ،لذلك يلزم أن نبين أوجه الشبه والاختلاف بين التحقيق التأديبي والجنائي .
فمن حيث أوجه الشبه يتفق التحقيق التأديبي والتحقيق الجنائي في الغاية التي يهدف إليها كل منهما ،وهي كشف الحقيقة عن علاقة الموظف بالتهمة المنسوبة إليه، وكذلك كلٌ منهما يستخدم أساسا في تطبيق شريعة العقاب . تتميز الإجراءات في التحقيق التأديبي والجنائي بأنها وسيلة لجمع أدلة الإثبات ، فالمعاينة وسماع الشهود والتفتيش واستجواب المتهم وانتداب الخبراء ،كلها مصادر لكشف الأدلة التي تفيد في إثبات وقوع الجريمة أو المخالفة ونسبتها إلى متهم معين او نفيها عنه .كذلك يلتقي كلٌ منهما في اعتماد مبدأ الكتابة من خلال تدوين التحقيق التأديبي والجنائي كذلك الأمر لا يختلف في محضر التحقيق التأديبي عن الجنائي من حيث افتتاح محضر وكيفية تحريره والبيانات التي يجب أن يشملها ،مثل التاريخ والديباجة ومضمون المحضر.
هذا عن أوجه الالتقاء التي تجمع كلاً من التحقيق التأديبي والتحقيق الجنائي،أما عن أوجه الاختلاف،فلا شك في أن التحقيق التأديبي يختلف عن التحقيق الجنائي من نواحٍ عدة ، منها الاختلاف في الغرض من التحقيق ، فالغرض من التحقيق التأديبي هو تحديد ماهية الأفعال التي صدرت من الموظف ،والمبلغ عنها وظروفها وأدلة ثبوتها وبيان ما إذا كانت تشكل مخالفة تأديبية لواجبات الوظيفة أو خروجا عن مقتضياتها من عدمه ،وصولا إلى الحقيقة لتوقيع الجزاء المناسب على مرتكبها على أساس من اليقين والجزم ،لا الشك والظن .
أما الغرض من التحقيق الجنائي هو التثبت من الأدلة القائمة على نسبة الجريمة إلى فاعل معين ،فعندما يرتكب شخص ما فعل من الأفعال التي يحظرها المشرع بوصفها جرائم ،يترتب توقيع العقاب اللازم للتجريم،ففي قانون العقوبات يكون العقاب ملازما للتجريم فلا موضع له في التشريع إلا ليوقع على جريمة ،والجريمة الجنائية لا تعد كذلك إلا إذا قرر لها التشريع عقوبة .
ويختلف التحقيق التأديبي عن الجنائي من حيث السلطة المختصة بالتحقيق ،فيختص بإجراء التحقيق الجهة الإدارية من خلال تشكيل لجنة تحقيقية تعد لهذا الغرض لتباشر التحقيق مع الموظف بعد إحالة الأمر لها استنادا إلى قرار إداري من الجهة المختصة التي تملك حق الإحالة للوقوف على حقيقة المخالفة المنسوبة إلى موظف معين،وهذا حق أصيل حرصت التشريعات على تضمينه في قوانين التأديب ،ومن بينها قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العــــام العراقي رقم 14 لسنة 1991 المعدل (15) وهذا بطبيعة الحال يختلف عن السلطات المختصة في التحقيق الجنائي . )
من كل ما تقدم يبدو واضحا أن التحقيق الجنائي محله جريمة ارتكبت ضد المجتمع ،وتتخذ إجراءات معينة تؤدي إلى اكتشافها ومعرفة مرتكبها تمهيدا لتقديمه إلى المحكمة لينال عقابه . بينما محل التحقيق التأديبي هو مخالفة ارتكبت من قبل موظف ما ،وتتخذ الإدارة مجموعة من الإجراءات تتمثل بتشكيل لجنة تحقيقية بعد إحالة الأمر إليها للتحقق من المخالفة المنسوبة للموظف لتوصي بمعاقبته تأديبيا استنادا الى المخالفة التي يكشف عنها التحقيق أو تبرئته وغلق الأوراق التحقيقية .
وتجدر الإشارة إلى انه في حالة تحقق اللجنة من أن فعل الموظف المحال عليها يشكل جريمة نشأت عن وظيفته أو ارتكبها بصفته الرسمية فيجب عليها أن توصي بإحالته إلى المحاكم المختصة . )
وفي هذه الأحوال يتوقف التحقيق التأديبي ، لتباشر الجهات ذات العلاقة التحقيق الجنائي للتحقق من الجرم المنسوب إلى الموظف علما أن براءة الموظف أو الإفراج عنه عن الفعل المحال من اجله إلى المحاكم المختصة لا يحول دون فرض إحدى العقوبات المنصوص عليها في قانون الانضباط .
خلاصة القول أن التحقيق التأديبي يطال مخالفة تأديبية لم ترد على سبيل الحصر في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام المعدل لان (مبدأ لا جريمة إلا بنص ) لا تطبيق له في قانون الانضباط . وتعتمد الإدارة الإجراءات الواردة في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام .
أما التحقيق الجنائي فينصب على الأفعال التي تشكل جرما وفقا لقانون العقوبات ،على أن تعتمد الجهات المختصة بالتحقيق الإجراءات الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية