قصة صالح نبي ثمود عليه السلام

نسبه عليه السلام

قوم صالح عليه السلام : هم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عابر بن ارم بن سام بن نوح، وكانوا عرباً من العارية يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك، وقد مرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين ، كما سيأتي ذكره فى القصة

وكانوا بعد قوم عاد، وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك، فبعث الله فيهم رجلاً منهم، وهو عبد الله ورسوله: صالح بن عبد بن ماسح بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن ارم بن سام بن نوح
فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخلعوا الأصنام والأنداد، ولا يشركوا به شيئاً، فآمنت به طائفة منهم، وكفر جمهورهم، ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله، وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم، فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.

ذكر قصته مع قومه
والآن لنذكر قصتهم، وما كان من أمرهم، وكيف نجى الله نبيه صالحاً عليه السلام، ومن آمن به، وكيف قطع دابر القوم الذين ظلموا بكفرهم، وعتوهم ومخالفتهم رسولهم عليه السلام.
قد ذكرنا أنهم كانوا عرباً وكانوا بعد عاد، ولم يعتبروا بما كان من أمرهم، ولهذا قال لهم نبيهم عليه السلام:
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}

أي: إنما جعلكم خلفاء من بعدهم، لتعتبروا بما كان أمرهم، وتعملوا بخلاف عملهم، وأباح لكم هذه الأرض تبنون في سهولها القصور، وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين، أي: حاذقين في صنعتها واتقانها وإحكامها، فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح، والعبادة له وحده لا شريك له، وإياكم ومخالفته، والعدول عن طاعته، فإن عاقبة ذلك وخيمة.

وقال لهم أيضاً: {... قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا...}.
أي: هو الذي خلقكم، فأنشأكم من الأرض، وجعلكم عمارها: أي أعطاكموها بما فيها من الزروع والثمار، فهو الخالق الرزاق، فهو الذي يستحق العبادة وحده لا سواه.
{فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي: أقلعوا عما أنتم فيه، وأقبلوا على عبادته فإنه يقبل منكم، ويتجاوز عنكم.
{إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا}
أي: قد كنا نرجو أن يكون عقلك كاملاً قبل هذه المقالة، وهي دعاؤك إيانا إلى إفراد العبادة، وترك ما كنا نعبده من الأنداد، والعدول عن دين الآباء والأجداد.

ولهذا قالوا: {... أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فما تزيدونني غير تخسير فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ}

وهذا تلطف منه لهم في العبارة، ولين الجانب، وحسن تأت في الدعوة لهم إلى الخير، أي: فما ظنكم إن كان الأمر كما أقول لكم، وأدعوكم إليه، ماذا عذركم عند الله، وماذا يخلصكم بين يديه، وأنتم تطلبون مني أن أترك دعائكم إلى طاعته.
وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب علي، ولو تركته لما قدر أحد منكم، ولا من غيركم، أن يجيرني منه ولا ينصرني، فأنا لا أزال أدعوكم إلى الله وحده لا شريك له، حتى يحكم الله بيني وبينكم.

وقالوا له أيضاً: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}
أي: من المسحورين، يعنون مسحوراً لا تدري ما تقول في دعائك إيانا إلى إفراد العبادة لله وحده، وخلع ما سواه من الأنداد. وهذا القول عليه الجمهور إن المراد بالمسحرين المسحورين.

وقولهم: {فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}
سألوا منه أن يأتيهم بخارق يدل على صدق ما جاءهم.

قصة الناقة

قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
وقال: {قَدْ جَاءتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

وقال تعالى: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا}.
وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم، فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله، وذكرهم، وحذرهم، ووعظهم، وأمرهم،
فقالوا له:
إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك ناقة من صفتها كيت وكيت، وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها، وتعنتوا فيها، وأن تكون عشراء طويلة، من صفتها كذا وكذا.

فقال لهم النبي صالح عليه السلام: أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به.
قالوا: نعم، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله عز وجل ما قدر له، ثم دعا ربه عز وجل أن يجيبهم إلى ما طلبوا.
فأمر الله عز وجل تلك الصخرة أن تنفظر عن ناقة عظيمة عشراء، على الوجه المطلوب الذي طلبوا
أو على الصفة التي نعتوا، فلما عاينوها كذلك، رأوا أمراً عظيماً، ومنظراً هائلاً، وقدرة باهرة، ودليلاً قاطعاً، وبرهاناً ساطعاً، فآمن كثير منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وضلالهم، وعنادهم.
ولهذا قال: {فَظَلَمُوا بِهَا} أي: جحدوا بها، ولم يتبعوا الحق بسببها أي: أكثرهم.

وكان رئيس الذين آمنوا: جندع بن عمرو بن محلاه بن لبيد بن جواس. وكان من رؤساهم، وهم بقية الأشراف بالإسلام، قصدهم ذؤاب بن عمر بن لبيد، والخباب صاحبا أوثانهم، ورباب بن صمعر بن جلمس ودعا جندع ابن عمه شهاب بن خليفة، وكان من أشرافهم، فهمَّ بالإسلام، فنهاه أولئك فمال إليهم.

ولهذا قال لهم صالح عليه السلام: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً}
أضافها لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم، كقوله: بيت الله، وعبد الله.
{لَكُمْ آيَةً} أي: دليلاً على صدق ما جئتكم به.

{فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ}

فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم، ترعى حيث شاءت من أرضهم، وترد الماء يوماً بعد يوم، وكانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك، فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، ويقال: إنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم.
ولهذا قال: {لها شرب، ولكم شرب يوم معلوم}

ولهذا قال تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ}
أي: اختبار لهم أيؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أعلم بما يفعلون.
{فَارْتَقِبْهُمْ} أي: انتظر ما يكون من أمرهم، واصطبر على أذاهم فسيأتيك الخبر على جلية.

{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ}
فلما طال عليهم الحال هذا، اجتمع ملؤهم واتفق رأيهم على أن يعقروا هذه الناقة ليستريحوا منها، ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشيطان أعمالهم.

قال الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}

وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع
وذكر ابن جرير وغيره من علماء المفسرين:
أن امرأتين من ثمود، اسم إحداهما: صدوق ابنة المحيا بن زهير بن المختار، وكانت ذات حسب ومال، وكانت تحت رجل من أسلم ففارقته، فدعت ابن عم لها يقال له: مصرع بن مهرج بن المحيا، وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة.

واسم الأخرى: عنيزة بنت غنيم بن مجلز، وتكنى أم عثمان، وكانت عجوزاً كافرة، لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو، أحد الرؤساء، فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف إن هو عقر الناقة، فله أي بناتها شاء.

فانتدب هذان الشابان لعقرها، وسعوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعة آخرون، فصاروا تسعة، وهم المذكورون في قوله تعالى:
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ}
وسعوا في بقية القبيلة، وحسنوا لهم عقرها، فأجابوهم إلى ذلك، وطاوعوهم في ذلك، فانطلقوا يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها كمن لها مصرع فرماها بسهم، فانتظم عظم ساقها، وجاء النساء يزمرن القبيلة في قتلها، وحسرن عن وجوههن ترغيباً لهم.

فابتدرهم قدار بن سالف فشد عليها بالسيف، فكشف عن عرقوبها، فخرت ساقطة إلى الأرض، ورغت رغاة واحدة عظيمة تحذر ولدها، ثم طعن في لبتها فنحرها، وانطلق سقيها وهو فصيلها، فصعد جبلاً منيعاً ودعا ثلاثاً.

وروى عبد الرزاق، عن معمر، عمن سمع الحسن أنه قال: يا رب أين أمي؟ ثم دخل في صخرة فغاب فيها.
ويقال: بل اتبعوه فعقروه أيضاً

قال الله تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}
وقال تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}
عن عبد الله بن زمعة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها فقال: (({إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} انبعث لها رجل من عارم، عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة)).
أي شهم عزيز، أي رئيس منيع أي مطاع في قومه.
عن عمار بن ياسر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ((ألا أحدثك بأشقى الناس؟)).
قال: بلى.
قال: ((رجلان أحدهما أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا - يعني قرنه - حتى تبتل منه هذه - يعني لحيته)).

وقال تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}
فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه:
منها: أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقة التي جعلها الله لهم آية.
ومنها: أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين:
أحدهما: الشرط عليهم في قوله: {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} والثاني: استعجالهم على ذلك.
ومنها: أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً، ولكن حملهم الكفر والضلال، والعناد على استبعاد الحق، ووقوع العذاب بهم.

قال الله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} وذكروا أنهم لما عقروا الناقة كان أول من سطا عليها قدار بن سالف لعنه الله، فعرقبها فسقطت إلى الأرض، ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها، فلما عاين ذلك سقيها - وهو ولدها - شرد عنهم، فعلا أعلى الجبل هناك، ورغا ثلاث مرات.
فلهذا قال لهم صالح: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام}

أي: غير يومهم ذلك، فلم يصدقوه أيضاً في هذا الوعد الأكيد، بل لمـّا أمسوا همّوا بقتله، وأرادوا فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة.
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ}
أي: لنكبسنه في داره مع أهله، فلنقتلنه ثم نجحدن قتله، وننكرن ذلك إن طالبنا أولياؤه بدمه.
ولهذا قالوا: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}.

هلاك ثمود
وقال الله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}.

وذلك أن الله تعالى أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم، سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم .
وأصبحت ثمود يوم الخميس، وهو اليوم الأول من أيام النظرة، ووجوههم مصفرة كما أنذرهم صالح عليه السلام، فلما أمسوا نادوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل، وهو يوم الجمعة ووجوههم! محمرة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى يومان من الأجل.
ثم أصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع، وهو يوم السبت، ووجوههم مسودة، فلما أمسوا نادوا ألا قد مضى الأجل.
فلما كان صبيحة يوم الأحد، تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينظرون ماذا يحل بهم من العذاب، والنكال، والنقمة، لا يدرون كيف يفعل بهم، ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.
فلما أشرقت الشمس، جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة شديدة من أسفل منهم، ففاضت الأرواح، وزهقت النفوس، وسكنت الحركات، وخشعت الأصوات، وحقت الحقائق، فأصبحوا في دارهم جاثمين جثثاً لا أرواح فيها، ولا حراك بها.

قالوا ولم يبق منهم أحد إلا جارية كانت مقعدة، واسمها كلبة - بنت السلق - ويقال لها: الذريعة، وكانت شديدة الكفر والعداوة لصالح عليه السلام، فلما رأت العذاب أطلقت رجلاها، فقامت تسعى كأسرع شيء، فأتت حياً من العرب فأخبرتهم بما رأت، وما حل بقومها واستسقتهم ماء، فلما شربت ماتت.
قال الله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} أي: لم يقيموا فيها في سعة ورزق وغناء.
{أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْداً لِثَمُودَ} أي: نادى عليهم لسان القدر بهذا.

عن جابر قال: لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال:
((لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالح فكانت - يعني الناقة - ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج فعتوا عن أمر ربهم فعقروها.
وكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لبنها يوماً، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلاً واحداً كان في حرم الله)).
فقالوا: من هو يا رسول الله؟
قال: ((هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه)).

عن بجير بن أبي بجير قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر، فقال:
((إن هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف؛ وكان من ثمود؛ وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه، وآية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب، إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه، فابتدره الناس فاستخرجوا منه الغصن)).
وهكذا رواه أبو داود، من طريق محمد بن إسحاق به.

وقوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}
إخبار عن صالح عليه السلام أنه خاطب قومه بعد هلاكهم، وقد أخذ في الذهاب عن محلتهم إلى غيرها قائلاً لهم:

{يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: جهدت في هدايتكم بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بقولي، وفعلي، ونيتي.
{وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} أي: لم تكن سجاياكم تقبل الحق، ولا تريده، فلهذا صرتم إلى ما أنتم فيه من العذاب الأليم، المستمر بكم، المتصل إلى الأبد، وليس لي فيكم حيلة، ولا لي بالدفع عنكم يدان، والذي وجب عليّ من أداء الرسالة، والنصح لكم، قد فعلته وبذلته لكم، ولكن الله يفعل ما يريد.

عن ابن عباس قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال:
((يا أبا بكر أي واد هذا؟))
قال: وادي عسفان.
قال: ((لقد مر به هود وصالح عليهما السلام، على بكرات خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق)) إسناد حسن.

مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام تبوك

عن ابن عمر قال:
لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك، نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود، فعجنوا منها، ونصبوا القدور
فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور، وعلفوا العجين الإبل
ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، فقال:
((إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فلا تدخلوا عليهم)).

عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر:
((لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثل ما أصابهم)).
أخرجاه في (الصحيحين) من غير وجه.

وفي بعض الروايات: أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم، قنع رأسه، وأسرع راحلته، ونهى عن دخول منازلهم، إلا أن تكونوا باكين.

وفي رواية: ((فإن لم تبكوا فتباكوا، خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم)) صلوات الله وسلامه عليه.
عامر بن سعد رضي الله عنه قال:
لما كان في غزوة تبوك، فسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى في الناس الصلاة جامعة، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره، وهو يقول:
((ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم)).
فناداه رجل تعجب منهم يا رسول الله؟
قال: ((أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك، رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان قبلكم، وما هو كائن بعدكم، فاستقيموا وسددوا، فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئاً، وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئاً)).
إسناد حسن ولم يخرجوه.
وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة، فكانوا يبنون البيوت من المدر، فتخرب قبل موت الواحد منهم، فنحتوا لهم بيوتاً في الجبال. وذكروا أن صالحاً عليه السلام لما سألوه آية، فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة، أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها، وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء، وأخبرهم أنهم سيعقرونها، ويكون سبب هلاكهم ذلك.