حماري أكرم مني. لأنه رفض الضيمَ وأنا لم أرفض. ذات زمانٍ كنتُ خادماً في مزرعة في خدمة صاحب المزرعة وكان حماري في خدمتي. كان سيدي يكيلني الشتمَ واللعن وأعملُ له. كان يبخسني شربي وأكلي ولبسي وأعمل له. ويضربني الضربَ المُبرح وأعملُ لهُ۰يمتلأ قلبي قيحاً وأفرغهُ على حماري فأرتاحُ. أحملهُ حملاً مثقلا وأشتمهُ وأضربه..أمنعه أكلا وشربا ونوماً وأتركهُ لمشيئةِ الحرمان۰كلما صنع بي سيدي صاحب المزرعة من ظلم وضيمٍ صببته على رأس حماري وحماري مثلي ساكتٌ غير أنه ينهقُ عالياً وأن أبكي خلسة وقد يكون النهيق هو البكاء لكنه يختلف بدرجة الايصال من عالي إلى هابط۰كنت في البداية اُقارنُ بين تحملي وتجلد الحمار وحكمت على أن صبر الحمار أكثر من صبري لكن هذا الحكم تغير شيئاً فشيئاً وصار صبر الحمار ينفد يوما بعد يوم وصبري على العكس صار يزود يومياً...وأطرقتُ مفكراً أهذا صبرٌ أم غير صبر؟وقستُ مدى عذاباتي وعذابات حماري بإعتباري أنا إنسان وهو حيوان والفرق بين مشاعرهما شاسع فوجدتُ أنه أكثر تأثيراً وحساسية لأنها بدأ يرفسُ وينفرُ وصبح نهيقهُ يمتلأ غيضاً..ونظرتُ لنفسي ولم أجد ردة فعل ولا إنفعالا تجاه ما يردني من آلام جسدية ونفسية۰وأخيراً إستيقظتُ صباحاً وذهبت الى الزريبة لأجلب حماري لحمل المحاصيل فلم أجده..وبحثت..ولم أجده..ومذ ذلك اليوم وهو فارٌ بعيداً في البرية..رأووه كثيرٌ من أهل القرية يرعى ويسرح ويمرح في ارض الله الواسعة...ولكني أنا فلم أثر مثل حماري وحاولت بادءا بتحسس المساوئ ولم تنجح محاولاتي فكنت كحجر لا تراوده المشاعر والاحاسيس..فركنت الى الضيم أبداً وكأنه جزء طبيعي مرغوب من كياني۰بعض مرات في النوم أحلم وكأني اُخاطب نفسي قائلا: حماري أكرم مني..لأنه رفض الضيم وأنا لم أرفض..حماري أكرم...حماري أكرم...ولما أستيقظ أنسى الحلم وما قلت فيه او اذكر ولكن الاحجار لا تفهم معنى الحلم او الذكر..!!
الکاتب علی عبدالحسین-الأهواز2013