اسمه ونسبه:
اسمه الحقيقي المقداد بن عمرو البهرائي، ولكن له اسم آخر اشتهر به وهو المقداد بن الأسود الكندي. وسبب هذه التسمية والشهرة هو أن عمرو بن ثعلبة أصاب دماً في قومه فاضطر إلى الرحيل عن قومه إلى حضرموت حفاظاً على نفسه حيث حالف قبيلة كندة وتزوج امرأة منهم فولدت له المقداد الذي نشأ شجاعاً مقداماً، ووقع بينه وبين أبي شمر بن حجر الكندي ـ أحد زعماء كندة ـ خلاف، فضرب المقداد رجله بالسيف وهرب إلى مكة، وهناك حالف الأسود بن عبد يغوث الزهري فتبنّاه وكتب إلى أبيه بذلك، فقدم عليه مكة، ومنذ ذلك اليوم صار اسمه المقداد بن الأسود نسبة لحليفه والكندي نسبةً لحلفاء أبيه.
وقد غلب عليه هذا الاسم، واشتهر به، حتّى إذا نزلت الآية الكريمة: « أُدعوهم لآبائهم » قيل له: المقداد بن عمرو (1).
وكان يكنى: أبا الأسود، أبا عمرو، أبا سعيد، وأبا معبد.
ومن أهم ألقابه: « حارس رسول الله »، « فارس رسول الله صلّى الله عليه وآله »:
صفاته وأخلاقه:
كان فارع الطول، صبيح الوجه، أبيض اللون، كثير شعر الرأس، ضخم الجثة، واسع العينين مقرون الحاجبين، جميل الصورة، وكان فارساً شجاعاً ومن الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو أول فارس في الإسلام، نجيباً، خيراً، سريع التلبية لداعي الجهاد حتّى عندما كبر سِنّه، وقد قال في ذلك: « أتت علينا سورة البعوث ( سورة التوبة ) انفروا خفافاً وثقالاً ولا أجدني إلا خفيفاً (2).
وكان صبوراً، طيب القلب، يتودد إلى أعدائه أملاً في خطب ودّهم نحو الإيمان والتقوى، ثابت الجنان، قوي اليقين، لا يزعزعه شيء، وقد ورد في الأثر:
« ما بقي أحدٌ إلا وقد جال جولة إلا المقداد بن الأسود فإن قلبه كان مثل زبر الحديد ». وهو ممن ساروا على درب النبيّ محمد صلّى الله عليه وآله ولم يبدلوا ولم يغيروا، عظيم القدر، شريف المنزلة، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها من الغزوات.
إسلامه:
من المسلمين القدماء. ذكر ابن مسعود أنّ أول من أظهر إسلامه سبعة، وعدّ المقداد واحداً منهم (3)، وكان يُخفي إسلامه عن سيده الأسود بن عبد يغوث خوفاً على حياته، شأنه في ذلك شأن بقية المستضعفين المسلمين الذي كانوا تحت قبضة قريش عامة، وحلفائهم وساداتهم خاصة، أمثال عمّار وأبيه وبلال الذين كانوا يلاقون أشد أنواع التعذيب والتنكيل لا لشيء إلا لأنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا، فما الذي يمنع الأسود بن يغوث من أن يعاقب حليفه أشد العقوبة إن شعر بأنه أسلم، ولا سيما وأن الأسود كان أحد جبابرة قريش والمعاندين لمحمد صلّى الله عليه وآله والمستهزئين به وبما جاء.
لذلك كان المقداد يتحيّنُ الفرصَ للهروب من الحلف المزعوم الذي ما هو إلا عبودية مقيتة. وفي السنة الأُولى للهجرة حصلت له الفرصة السانحة للالتحاق بركب النبي محمّد صلّى الله عليه وآله ليكون واحداً من كبار صحابته المخلصين. فقد عقد رسول الله صلّى الله عليه وآله لعمه حمزة لواءً أبيض في ثلاثين رجلاً من المهاجرين ليعترضوا قوافل قريش ويأخذوا حقوقهم المسلوبة منها، وكان هو وصاحب له اسمه ( عمرو بن غزوان ) لا يزالان في صفوف المشركين، فخرجا معهم يتوصّلان بذلك، فلما التقيا بالمسلمين انضمّا إليهم) (4). فكانت بداية الجهاد المقدس.
في القرآن الكريم: هناك آيات كثيرة نزلت في بعض أصحاب الرسول صلّى الله عليه وآله تعظيماً من الله سبحانه وتعالى لمواقفهم الكريمة ولحث الأُمة في السير على هداهم.
عن أبي عبدالله عليه السّلام قوله تعالى: « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غير ممنون » قال: هم المؤمنون: سلمان، والمقداد، وعمار، وأبو ذر، لهم أجرٌ غير ممنون.
في غزوة بدر الكبرى: كانت هذه الغزوة أول معركة تقع بين جيش الإسلام بقيادة النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله وقريش القوة الكبرى المتجبرة، التي خرجت مستعدة للحرب بينما لم يخرج جيش النبيّ صلّى الله عليه وآله الضعيف القليل للحرب بل ليحصل على أموال المهاجرين ـ من القافلة ـ التي جردتهم منها قريش.
والقرآن الكريم يقول في ذلك: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غيرَ ذات الشوكةِ تكون لكم ويريدُ اللهُ أن يحقَّ الحقَّ بكلماته ويقطعَ دابرَ الكافرين .
فوجدت قريش أنها فرصة سانحة لتقضي على هذا الدين وتستعيد هيبتها بين العرب. وعلم الرسول صلّى الله عليه وآله بتحرك قريش فأعلم أصحابه واستشارهم ليكونوا على بصيرة في ذلك.
قام المقداد فقال: يا رسول الله، امض لأمر الله فنحن معك، واللهِ لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربُّك فقاتِلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
والذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتّى تبلغه.
وبرك الغماد: موضع وراء مكة بخمس ليال مما يلي البحر، وقيل بلد في اليمن وقيل في الحبشة، فجزّاه النبيّ صلّى الله عليه وآله، ثم جلس (5).
لقد بعثت هذه الكلمات الأمل في نفوس المسلمين بالنصر على عدوهم، وزرعت في قلوبهم الصبر على صعوبات الحرب. وقد قال عبدالله بن مسعود في ذلك:
« لقد شهدتُ مع المقداد مشهداً لأن أكون صاحبه أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ـ ثم ذكر المقداد ـ ثم قال: فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله يشرق وجهه بذلك وسرّه وأعجبه.
ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: سيروا بنا على بركة الله، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم.
ثم سار حتّى نزل وادي بدر ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وكان النصر للمؤمنين بحول الله وقوته.
زواج المقداد بن الأسود:
لقد هدم الإسلام بتعاليمه الراقية كل أنواع التمييز العنصري، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود إلا بمقدار القرب من الله سبحانه وتعالى بالإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك المستقيم.
وكان من عادات الجاهلية أنهم لا يزوجون إلا الأكفاء من بني العم، وهذا الأمر خطير للغاية على البنية الاجتماعية لأنه يقلل الزواج في المجتمع فيكثر بذلك الفسَاد.
لقد زوَّج النبي محمّد صلّى الله عليه وآله المقداد بن الأسود ابنة عمه الزبير بن عبدالمطلب ـ ضباعة، وقد كان عبدالمطلب أفضل رجل في قريش بلا منازع، وقريش أفضل قبائل العرب بلا نظير، فأراد الرسول صلّى الله عليه وآله أن يعلم الناس بأن المسلم كفءُ المسلمة بصرف النظر عن الاختلافات الطبقية والعرقية، فلا تفاضل إلا بالتقوى، وأشرف الشرف الإسلام.
وقد أوضح الإمام زين العابدين عليه السّلام ذلك في كتاب بعثه إلى هشام بن عبدالملك حين لامه على زواجه من أمَتِه، كتب يقول:
« ولنا برسول الله أسوة، زوّج زينب بنت عمته زيداً مولاه، وتزوج مولاتَه بنت حيي بن أخطب ». وكتب إليه أيضاً:
« إنه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقىً في مجد، ولا مستزادٌ في كرم ».
وضباعة كنيتها أم حكيم، وقد ولدت للمقداد عبدالله، وكريمة، وكانت تروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وعن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس.
من مواقفه:
قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد ( رضي الله عنه ) يحثو عليه التراب ويقول: أمرَنا رسول الله صلّى الله عليه وآله أن نحثو في وجوه المدّاحين التراب.
كلمات في المقداد:
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: ما كان فينا فارس ( أي على فرس ) يوم بدر غير المقداد بن عمرو (6).
ـ وقال أبو ذر: أوَّل من قاتل على فرس في سبيل الله المقداد.
ـ قال القاسم بن عبدالرحمان: أول من عدا فرسه في سبيل الله المقداد، وكان في الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنما منزلة المقداد في هذه الأُمة كمنزلة ألف في القرآن، لا يلزق بها شيء (7).
ـ مما كتبه الإمام الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام، وشرائع الدين، والولاية لأمير المؤمنين عليه السّلام: ـ والذين مضوا على منهاج نبيهم صلّى الله عليه وآله ولم يغيروا، ولم يبدِّلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمِقداد بن الأسود (8).
ـ قال أبو جعفر أحمد بن أبي عبدالله البرقي: من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام: سلمان الفارسي، المقداد.
ـ قال أبو نعيم الأصبهاني: السابق في الإسلام، والفارس يوم الحرب والإقدام، ظهرت له الدلائل والأعلام.. أعرض عن العمالات، وآثر الجهاد والعبادات، معتصماً بالله من الفتن والبليّات (9).
ـ قال ابن عبدالبر: وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار.
وفاته ( رضي الله عنه ):
لقد قضى المقداد نيّفاً وثلاثين سنة فارساً في ساحات الجهاد المقدس بدءاً من غزوة بدر وانتهاءً بفتح مصر! وكانت سنين التأسيس صعبة ومُرّة قاسية جاهد فيها وكابد لم تخل منه ساحة جهاد. فقد ورد في ذلك أنه شهد أحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى وافته المنية في سنة 33 هـ أو أقل ـ على اختلاف الروايات، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ عمره سبعين سنة.
فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال له الجرف، وكان يتعاهدها زراعةً وسقياً يقضي فيها أوقات فراغه ما لم يؤذن بجهاد! وذات يوم تناول زيت « الخروع » فأضرَّ به ومات منه. فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر بالصلاة عليه.
رحمك الله يا مقداد لقد جاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده وصبرتَ على الأذى في جنب الله حتّى أتاكَ اليقين فسلامٌ من الله عليك ورحمته وبركاته.