عجيب يا ربي !! كدت ان لا !!! اصدق نفسي
سافرت في القطار قبل اكثر من سنتين الى مدينة قريبة عن محل سكناي ، لزيارة صديق. جلست في المكان الذي سبق ان حجزته.
حياني رجل ، واخذ مكانه في المقعد الذي بجانبي. حسب تقديري انه في العقد الثالث من عمره ، وقسمات وجهه تدل انه يصارع مشكلة قد عصت عليه حلها ، بحيث اصبحت سرا من اسراره. بكلمة منه وأخرى مني ، فتحنا حديثا مع بعضنا ، دون ان يكون احدنا متطفلا على الاخر. لا اعرف هل لطافته دفعته ان يكلمني ، اوفضولي دفعني ان اعرف عنه شيئا. كان مريحا في كلامه ، هادئا في حركاته ، خبيرا في مراعاة مشاعر الغير.
تحاشيت ابان حديثي معه ان اتطرق لامور ، وجدتها قد نحتت في قلبه الما.لحسن حظي انه لم يكن ثرثارا مقلقا ، ولا هو حجرا أصما ، بحيث يجلب الملل ، بل كان لطيفا ، وزميل سفرمريح.
بعد وقت قصير ، اخرج من حقيبته تفاحة ، وسكينا ، وقدم بكل لطف ،قطعة منها ، على غير عادة الاوربيين ، فشكرته ، وصرنا نتحدث مع بعضنا كزملاء سفر ، وكل منا كان يراعي مشاعر الاخر ، واحواله النفسية بكل حذر ، خشية من تصرف قد يفسد جو حديثنا.
ارتحت منه ، وارتاح مني ، واندمجنا في الحديث ، كما اندمجنا في الافكار ، وكان يعاملني بطريقة حديثه معي ، كما يعامل الاب ابنه ، وكنت اعامله ، كما يعامل الابن جده ، مع اني اكبره عمرا. من خلال الحديث ، وتصرفاته ، استنتجت ان هذا الرجل ، ذو خبرة بعلم التربية ، و ظننت انه خبير تربوي. بادرني بسؤاله: هل انك معالج نفساني؟ اجبته ما الذي دعاك الى هذا الاعتقاد؟ فقال طريقة تصرفك معي. وجدت الوقت مناسبا ، وسالته متجاهلا سؤاله ، اانت خبير تربوي؟ فاجابني ، ماالذي جعلك تظن باني خبير تربوي؟ !! اجبته حسن تصرفك معي ، وطريقتها. اذ كنت تراعي مشاعري ، وتتجاوب معها ، مما يدل على خبرتك ، ومهارتك في تكوين علاقات طيبة مع الاخرين. واستطعت بتصرفك ان تكسب ودي كزميل سفر. وهذا جعلني اشعر انني مع خبير تربوي وانسان اجتماعي ناجح.
وسالته امختص بعلم النفس التربوي؟ اجابني انا معالج نفساني ، مختص بامراض الكلاب النفسية. اجبته مستغربا ومتعجبا ، لاول مرة اسمع بهذا الفرع ، ولولا جديتك في الحديث ، لكنت اظنك مازحا.
استغرب صاحبي قائلا : بجد !!!!!!!!!!!!!!!!! الم تسمع بهذا الفرع المهم؟
- اعذرني يا اخي ، بجد لم اسمع بهذا الفرع الا الان منك. فاعطاني عنوانه ، ودعاني لزيارته في عيادته. وعدته اني سازوره بكل شوق.
رجعت من سفري وقول المعالج النفسي للكلاب كان يشغل فكرى باستغراب.
اتصلت به هاتفيا ، ورحب بزيارتي له، وكان يتردد في خاطري هذا السؤال: كيف سيعالج صاحبي الكلاب المصابين بعقد نفسية ؟ وما هي هذه العقد ، في الوقت الذي نحتار ، وفي اغلب الاحيان مع انسان مثلنا؟
وصلت عيادته واستقبلني المعالج النفسي للكلاب بحرارة. شاهدت عنده في غرفة الانتظار ، رجلان وثلاث نساء ، مع كل منهم كلبا مريضا نفسيا ، فيهم من فقد كلبه صبره وكان ينبح ، وفيهم الهادئ الكئيب.اصطحبني لغرفته وجلست لاشاهد الكلب المريض نفسيا ، ولاطلع على نوع العقدة ، وطريقة علاجه لها. سالته اماترى في جلوسي خطورة ؟ اخشى ان الكلب يفقد اعصابه ويعظني !! ابتسم قائلا ، لا تخف انها لاتعظ ، وليست كلاب وحشية .
الحالة الاولى
قدمت له سكرتيرته ، المريض الاول. دخلت امراة متوسطة العمر ، ومعها كلبها. رحب صاحبي بها ، وجلست. سالها عن المشكلة فاجابته:
الكلب غالبا ما يعصب (كما يقولون اهل الخليج) ههههه أي عصبي بلهجتنا ، وعنيد ، في تصرفاته ، مع اني اعامله بلطف ، واجامله واراعي شعوره. غير اني وجدته يزداد سوء ، بحيث وصل الامر به ، انه لايطيعني نهائيا ، وعرفت انذاك انه مريض نفسيا ، والا ما سبب ذلك؟
فحص صاحبنا الكلب ، وتاكد من سلامة صحته ، وقوة نظره ، وطلب من المراة ان تتفضل معه الى حديقة الدار ، وطبعا خرجت معهما وانا في حالة عجب واستغراب !!!!!!!!!!!!!! لارى ما سيحدث.
في حديقة البيت ، طلب منها المعالج ، ان تريه كيف تتعامل مع كلبها ، كيف تضع الحلقة في رقبته ، ان احتاجت ان تقوده معها ، وكيف تفرض اوامرها عليه لينفذها.
اخذت المراة ترينا كيف تتصرف معه . حقا كان تصرفها في غاية اللطف. طلبت منه بكل لطف ان تضع الحلقة في رقبته ، الا ان الكلب ادار ظهره في الحال اليها ، ليريها انه لا يرغب. وحاولت ان تقوده ليتبعها فرفض ، واضطرت ان تحمله بيديها كالطفل.
المعالج النفساني كان يلاحظ كل حركاتها مع الكلب ، ورد فعل الكلب نفسه. بعد ان انتهت طلب منها الخبير النفساني ان تجلس على الكرسي وتلاحظ تصرفه هومع الكلب.
تقدم المعالج من الكلب ، وادار ظهره اليه ، ومد له يده بلطف ، واذا بالكلب ينقاد له وكانه سحره ، عجيب ياربي ههههههههههههههههههههههههه هههههههه
سار المعالج ، ولم نجد الا والكلب يتبعه وكانه هو مربيه الحقيقي !!!!!!!! والله اندهشت من الامر ههههههههههههههههه
وصار الخبير يشرح المشكلة للمراة قائلا:
ان كلبك يعود الى عائلة عريقة، ومشهورة وسماها ، ( نسيت للاسف اسم عائلته) ومصدر هذه العائلة ، مدينة دريزدن الالمانية. هذه العائلة الاصيلة ، تتميز بنوع من عزة النفس ، والاباء ، وابناء هذه العائلة ، يملكون حساسية معينة ، ولا يطيعوا الاوامر التي تجرح كرامتهم. فمقابلتك له وجها لوجه ، يجعل الكلب يشعر باهانة ، أي كانك تامريه وتذليه ، فهو مع ضعفه كحيوان ، تابى كرامته ان يكون لك عبدا. لذا اديري ظهرك اليه ، ومدي يدك اليه بلطف ، وستعيدي ثقته بك ، وارجو ان تتفضلي في الاسبوع القادم ، لانه يحتاج الى اربع جلسات اخرى ، ليعود الى حالته الطبيعية. كنت اصغي لحديثه بكل اندهاش. رجعنا الى غرفته وانا في حيرة وتعجب.
الحالة الثانية
دخل رجل مع كلب كبير ، رحب به كما هو الحال مع غيره ، وصار يشرح له مشكلة كلبه:
كلبي مصاب بمرض الخوف من السيارة ، احاول ان اصحبه معي في السيارة ، ولمجرد يقترب منها ، اجد جسمه يرتجف خوفا ، ويابى بشدة ركوب السيارة. عرفت انه مريض نفسيا ، وساكون سعيدا بشفائه من هذه العقدة.
فحص صاحبي الكلب كما يفحص الطبيب الانسان ، وتاكد من سلامة جسده ، كما هو الحال مع غيره وقال له:
ان هذا الكلب من اصل افغاني ، وتميل عائلته للتحرر والهواء الطلق ، وانت ربيته بطريقة تناقض سلوكيته. وطلب المعالج ان يريه الحدث ليرى بنفسه انفعالات الكلب. خرجنا نحن الثلاثة والكلب معنا الى السيارة ، ليرى المعالج بنفسه انفعالات الكلب. وبالفعل حاول المعالج بكل امكانياته ، وبكل لطف ان يصعده للسيارة ، فوجدنا الكلب يرتجف خوفا ، وصار يئن و يخرج صوتا وكانه طفل خائف ، يتوسل بالطبيب ان يبعده عنها !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
فقال صاحبي الطبيب النفساني: انه يحتاج الى جلستين في الاسبوع ، ويستغرق علاجه وقتا طويلا ، حتى يتخلص من هذه العقدة ، وشرح له كيف يجب ان يتصرف معه وكيف يعامله !!!!!!!!
وبهذه المناسبةعلينا ان لا نعجب من ملك المانيا (( فردريخ الكبير )) كان قد كتب في وصيته ، ان يعتنى بكلابه حتى يوافيهم الاجل ، ويجب ان تدفن كلابه بجانبه. ومن يزر مدينة بوتسدام المجاورة لبرلين ( 10 دقائق في القطار) يجد قبرالملك وبجانبه قبور كلابه. شاهدتها بعيني وكنت في حينها شديد الاستغراب.دخل شاب ، لا يزيد عمره عن 25 سنة ، ومعه كلب شبيه بالذئب ، يبان عليه الحيوية والنشاط ، ساله عن مشكلته فاجاب الشاب:
الحالة الثالثة
انه مصاب بعقدة نفسية ، بحيث هو نفسه ، واقصد صاحبه قد تعقد منها . مشكلته انه يمشي ويقف ، أي لا يستمر في سيره كباقي الكلاب. نقدم له الطعام ، ويلحس حافة الصحن. ومن ثم ياتي الى الطعام داخل الصحن ، يحذر ويقف اذا صادف حفرة ، او حجرا في طريقه . وقال ، ان كنت بعيدا عنه ، والمح له مثلا بعصا ، او كرة لالعب معه ، فلايعيرني اهتماما.
فحصه اخونا وقال انه سليم نفسيا ، ولكنه مصاب بقصر البصر ، ويحتاج الى عوينات أي عدسات تركب في عينيه ، ولكنها تكلف غاليا ، فاجابه الشاب وبكل ثقة: لايهم ، اضحي بكل اموالي من اجله.
لم يسمح لي الوقت ان اشاهد حالات اخرى ، فودعت صاحبي شاكرا ، وانا في اوج العجب. عرفت بعد ذلك ان في المانيا خبراء في الامراض ا لنفسية للخيول ، واطلعت على امور كنت حقا غافلا عنها ، بل واجهلها ويا للاسف.
وفي برلين عاصمة المانيا ، توجد مقبرة كبيرة ، ويزوروها اصحابها ، ويبكون على كلابهم ، ازددت لذلك عجبا ، بحيث لا تشعر انها قبور الكلاب ، بل قبور بشر. والشيء الاخر الذي يدعو الى العجب يوجد في برلين ، وطبعا مدن اخرى في المانيا فنادق خاصة للكلاب ، وتكلف غاليا. وتوجد مدارس للكلاب ، لها مكانتها ، يدرس فيها الكلب امور عامة ، ومن ثم يختص ، اما بالشؤون المنزلية ، أي مع ربة البيت ، ترسله ليشتري لها حاجة معينة ، أي تكتب ماتحتاجه ، وتضع الورقة والنقود في سلة ، وتعلقها في رقبته ، ويذهب الكلب الى بقال ، سبق وان دلته عليه ، ويجلب لها حاجياتها بكل امان.
وهناك من يختص في الطب ، فعمله مثلا يقود صاحبه ان كان اعمى ، او يشترك في الاسعافات في حالة الزلازل ، وامور اخرى.تدهش من هم من امثالي.
والاختصاص الثالث في الجرائم ، ككلاب الشرطة ، وطبعا فروعها متعددة. ويحصل الكلب على دبلوم ، وطبعا يكون له قيمة كبيرة ، ومكانة محترمة. ورايت اكثر من محل حلاقة خاص للكلاب مع حمام هههههههههههههههههههههه
وحقا كدت ان لا أن لا اصدق نفسي ، والملايين من الجنس البشري تشكوا امراضا نفسية ، ولا احد يهتم بهم ، بل لا يحلم احدهم ان يقابل معالجا نفسيا يوما ما . ملايين من الناس تصارع الوان العقد ، دون ان يدري بها احد ، ناهيك عن انشغال الملايين بسد رمقهم بلقمة خبز لا اكثر.
لست معارضا لمعالجة الكلاب ، او الخيل ، او البقر ، من عقدها النفسية ، ولكني اقول: علينا ان لا نحرم البشر منها.
ابن العراق الجريح:عراقي مجهول