ما ان يحل المنتصف من شهر رمضان الكريم، حتى يستعد الأهالي بشراء (الحامض حلو والجكليت والزبيب والشامية والمسقول والحلقوم والكرزات من جوز وفستق ولوز) وبجنبها النقود كعطايا وهدايا، لإحياء ظاهرة (القرقيعان) الشعبية والفلكلورية، في مناسبة عيد الأطفال الصغير والمبكر قبل حلول عيد الكبار في الفطر المبارك، في تقليد يحيه الأطفال والصغار بطرقهم الأبواب على شكل جماعات طلباً للحلوى، مرتدين زياً خاصاً وحاملين معهم الفوانيس، ومرددين الأهازيج المختلفة بحسب المناطق اختلافا بسيطاً وتتشابه في المضمون.والقرقيعان ظاهرة شعبية فلكورية رمضانية تعددت تسمياتها، حيث يسميها البغداديون والنجفيون (الماجينة) ويسميها أهل المحافظات الجنوبية سيما البصرة (الكركيعان) في تسمية مستمدة من لهجات خليجية حيث يطلق عليها أهل البحرين (قرقاعون)، ويسمونها في قطر (قرنقعوه)، وفي الكويت والسعودية(القريقعان)، وفي سلطنة عُمان يسمونها (القرنقشوه)، اما في الإمارات العربية المتحدة فيسمونها (من حق الليلة).ولا يختلف أبطالها الأطفال مع التقليد المعروف بارتدائهم زيا خاصا ويردوون ( كركيعان وكركيعان الله يخلي الزغيرون) وبعد انتظارهم أمام الأبواب يقولون (يا اهل السطوح تنطونه لو نروح)، ولا تخلو أصوات براءتهم من سياسة الترغيب حيث يدعون لصاحب الدار (ماجينة يا ماجينة حلّي الجيس وانطينا... انطونا الله ينطيكم ولبيت مكة يوديكم) او الدعاء لصغير الدار لتشجعه بالمزيد من العطاء، في أهازيج متوارثة واصل كلمة قرقيعان بحسب المصادر بأنها لفظ عامي مأخوذ من قرع الباب، ويقال انها مشتقه من كلمة قرقعة أي أصوات الطرق على الأواني التي تحمل فيها الحلويات.لكن يرى باحثون في التراث الشعبي ان هذه العادة تعود الى السنة الثالثة للهجرة، احتفالا بولادة الإمام الحسن (ع)، أول حفيد للنبي (ص)، إذ فرح البيت العلوي بولادته، بحيث قام النبي (ص) بتوزيع الحلويات المتاحة في ذلك الزمن على الأطفال، وكانت عبارة عن تمر ممزوج مع الدقيق، فأصبح الاحتفال بعد ذلك بهذه المناسبة سنة، فصار أطفال المدينة يذهبون إلى بيت النبي طلبا للحلوى في يوم 15 رمضان من كل عام، وكان يعد العدة لذلك قبل يوم، حيث تقوم فاطمة (ع) بإعداد التمر الممزوج بالدقيق. فيما يرى باحثون آخرون ان تسمية "الماجينة"، التي تطلق على هذه المناسبة أيضا، يعود اصلها من "(لولاك ما جئنا)، وهي الكلمة التي كان يرددها أصحاب الرسول (ص) وأمير المؤمنين (ع) عند زيارتهم دار الإمام علي (ع) لتهنئته بمناسبة ولده الحسن، المصادفة ليلة النصف من رمضان.وكحال الكثير من العادات والظواهر الفلكلورية فهي أخذت مع تقادم الأعوام بالتغير والاختلاف، حيث كان التمدن السبب الرئيس بانحسارها، فكان يشهد لها سابقاً مشاركة واسعة من أمواج الأطفال التي تجعل صاحب الدار في حيرة من أمره، ويرجح البعض أسباب ذلك لدخول عالم التكنولوجيا وانشغال الأطفال بأشياء أخرى من تقنيات العصر الحديث، فضلا عن الأوضاع الأمنية التي أجبرت الأهالي إلى الحد من تحرك صغارهم والخروج ليلاً.ليلة الصغار الجميلة يختتموها عائدين الى أهلهم غانمين بما جمعوه في أكياسهم الصغيرة من حلوى ونقود ومكسرات، والشامية التي تعتبر المفردة الدخيلة، ليعطوا جزءاً منها لذويهم، في موروث شعبي مازال صامداً على مر الدهور، رغم انحساره في بعض المناطق دون أخرى، ليخلد القرقيعان مع الأجيال ذكريات بعبق الماضي الجميل تبقى عالقة سيما لأهالي البصرة.