الصريـح: ما انكشف المراد منه في نفسه().
الكناية: ما استتر فيه مراد المتكلم من حيث اللفظ().
والقاعدة تعني أنه إذا تعذر حمل اللفظ على معناه الصريح، وكان للفظ نفاذٌ في موضوع آخر، فإن اللفظ لا يهمل، وإنما يعتبر كناية في ذلك الموضوع تصحيحاً للتصرف، ويمكن صياغة هذه القاعدة بصياغة أخرى هي: "ما كان صريحاً في بابه ولم يجد نفاذاً في موضوعـه كان كناية في غيره"، وهذه القاعدة مكملة لقاعدة "ما كان صريحاً في بابه ووجد نفاذاً في موضوعه لا يكون كنايةً في غيره"().
والصريح يصبح كناية في الحالات الآتية:
إذا اقترنت باللفظ الصريح القرائن اللفظية،
كما لو قال لزوجته أنت طالق من وثاق()، أو قال وهبتك هذا الشيء بكذا.
إذا لم يجد اللفـظ الصريح نفاذاً في موضوعه()، أما إذا كان نافـذاً في موضوعه فلا يكون كناية في غيره، كما لو قال الزوج لزوجته: أنت عليَّ كظهر أمي ناوياً الطلاق، فلا تطلق الزوجة، ويكون ظهاراً؛ لأن اللفظ صريح في بابه نافذ في موضوعه().
ويشترط للفـظ ليكون كناية في غيره الشروط الآتية():
أن يقصد المتكلم اللفظ، فإذا لم يكن اللفظ مقصوداً فلا يترتب عليه أثر.
أن ينوي المعنى بالإضافـة إلى قصده اللفظ، وذلك خلافاً للصريح، الذي يشترط فيه شرط واحد، وهو قصد اللفظ فقط سواء قصد المعنى أم لا.
أن يقبله العقد المنوي فيه، فإن لم يقبله لا يكون كناية فيه().
التطبيقـات:
لو قال شخص لآخر: اقضِ المائة التي لي عليك فإن غرمائي لا يدعوني، فقال أحِل عليَّ بها بعضهم، أو من تسبب منهم أو ائتني منهم أضمنها له أو احتال علي بها، فهذا كله إقرار بذكر حرف الكناية في موضع الجواب، ولأنه أمر بالحوالة المقيدة، وذلك لا يتحقق إلا بعـد
وجـوب الديـن في ذمة المحتال عليه للمحيل، أو يكون ملك له في يده له بتقيد الحوالة بها().
ولو قال أقرضتك مائة درهم، فقال لا أعود لها ولا أعود بعد ذلك فهذا إقرار؛ لوجود حرف الكناية في كلامه، وهو الهاء ولا يكون العود إلا بعد البدء فيضمن هذا الإقرار بابتداء إقراضه مائة درهم، ثم في هذا إظهار سوء معاملته وقلة مسامحته مع غرمائه، وذلك لا يكون إلا بعد وجوب المال. وكذلك لو قال أخذت مني مائة درهم، فقال لا أعود لها فهذا بيان للأخذ عند نفي العود على من أخذ ضمان المأخوذ إلى أن يرده().
لو راجع الزوج زوجته بلفظ النكاح أو التزويج، فالأصح أنه كناية "تنفذ" بالنية؛ لإشعاره بالمعنى.
لو قال: له عندي ألف درهم عارية كان إقراراً منه بالقرض ولم تكن عارية؛ لأن عندي تستعمل في الأمانات وقد فسر بالعارية، وعارية الدراهم والدنانير تكون قرضـاً إذ لا يمكـن الانتفاع بها إلا باستهلاكها، وإعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكـه يكون قرضاً في المتعارف، وكذلك هذا في كل ما يكال أو يوزن لتعذر الانتفاع بها بدون الاستهلاك، فكان الإقرار بإعارتها إقراراً بالقرض().
تعتبر عاريةُ الدراهم والدنانير وكل مكيل وموزون وكذلك المعدود قرضاً؛ لأن الإعارة تمليك للمنافع، وهذه الأشياء لا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها فتعـذر حمل اللفظ على معناه الصريح وهو الإعارة، فجعل اللفظ كناية عن القرض تصحيحاً للتصرف