هي العذر الذي يجوز بسببه إجراء الشيء الممنوع().
المحظورات: جمع محظور، وهو الممنوع، ومعنى القاعدة أن حالة الضرورة تكون
سبباً في جواز ارتكاب ومواقعة ما كان محظوراً بأصله.
وإذا كانت القاعدة العامة تقضي بأن الأصل أن يؤخذ تصرف المكلف كما هو دون تقدير أو تأويل أو زيادة أو حذف، إلا أن ضرورة تصحيح تصرف العاقل() قدر الإمكان قد أباحت كثيراً من ذلك، وهذا ما نبه إليه الكمال بن الهمام بقوله: "مهما أمكن تصحيح تصرف المسلم العاقل يرتكب وله نظائر كثيرة، ولهذا يحمل كلامه على المجاز وتترك حقيقته إذا كان لا يصح على تقديره، ويدرج في كلامه زيادة لم يتلفظ بها إذا كان لا يصح إلا بذلك"().
وهذه "الضرورة تقدر بقدرها" لا تتجاوز ما يقتضيه تصحيح التصرف، ومن الأمثلـة على ذلك ما يأتي:
العمل بدلالة الاقتضاء: والمقتضي ليس من موجبات الكلام لغة، وإنما يثبت شرعاً للحاجة إلى إثبات الحكم وتصحيح التصرف، فكان ضرورياً ثابتاً من وجه دون وجه، إذ هو غير ثابت فيما وراء ضرورة تصحيح الكلام().
وهـذا التقدير لا يتعدى به موضـع الضرورة، لأن "الثابت بالضرورة يتقـدر بقدرها"()، لذلك ذهب الحنفية إلى أنه لا عموم للمقتضى؛ لأن ثبوته لتصحيح الكلام حتى لو صح بدون المقتضى لا يثبت المقتضى().
يقـول السرخسي: "وثبوت المقتضـى للحاجة إلى تصحيح الكلام؛ ولهذا لا يثبت في موضع يصح الكلام بدونه، والثابت بالحاجة لا يعدو موضع الحاجة، ولا حاجة إلى إثبات العموم للمقتضى، ولا إلى جعله كالمنصوص عليه فيما وراء المحتاج إليه"().
العمل بالمجاز: والعمل بالمجاز هو نوع من الضرورة اقتضاه مقام تصحيح الكلام وصيانته عن الإلغاء إذ "الأصل إعمال الألفاظ في مقتضياتها الحقيقية"()، وهو ما أشار إليه التفتازاني بقوله: "لما تعذر العمل بالحقيقة وجب الحمل على المجاز ضرورة؛ لئلا يلزم إلغاء الكلام وإخلاء اللفظ عن المرام"().
العمل بالتقدير: أي اعطاء المعدوم حكم الموجود، والموجود حكم المعدوم().
جاء في البدائع "وقد يجعل المعدوم حقيقة
موجوداً تقديراً عند تحقق الحاجة والضرورة" وهذه الضرورة هي ضرورة تصحيح التصرف()، ومثال ذلك:
1. اعتبار المنافع موجـودة حكماً مع أنها معدومة حقيقة ضرورة تصحيح ورود العقد عليها().
2. وفي المسائل الآتية اعتبر الدين الواحد
في حكم دينين ضرورةَ تصحيح التصرف؛ لذلك حكم بثبوت الدين في ذمة الكفيل بالإضافة إلى ذمة الأصيل():
المسألة الأولى: إذا وهب المكفول له أو تصدق بالدين المكفول به على الكفيل وقبل ذلك منه كان ذلك صحيحاً، ولو اعتبار الدين ثابتاً في ذمة الكفيل لما صحت الهبة أو الصدقة.
المسألة الثانية: إذا اشترى المكفول له من الكفيل مالاً في مقابل دين صح ذلك وأصبح الكفيل بريئاً من الكفالة.
ففي هاتيـن المسألتين ضرورة ٌ لثبوت الدين في ذمة الكفيل بالإضافة إلى ثوته في ذمة الأصيل، وإلا لكان ذلك تمليـك الدين لغير المدين وهذا باطل.