أوسكار .. القطالذي حير العلماء
see also
http://en.wikipedia.org/wiki/Oscar_(therapy_cat)
http://forums.fatakat.com/thread4380816
القطط حيوانات إجتماعية أليفة إعتاد البشر رؤيتها حولهم منذ أقدم العصور. البعض يحبها ويشفق عليها لجمالها وذكاءها، و البعض يمقتها لأنها تتسلل خلسة إلى مطبخه وتعبث بطعامه... وهناك أيضا من يخشاها ولا يشعر بالراحة لوجودها، هؤلاء يخافون من عيونها بشكل خاص، فهي تحدق أحياناً بطريقة غريبة تبدو معها وكأنها تعي وتفهم، كأنها تود الحديث عن شئ ما، عن سر مخبوء تخفيه بعناية خلف تلك المقل الكبيرة البراقة، عن أمور وأشياء تراها هي بوضوح بينما نعجز نحن عن رؤيتها وإدراكها. وبسبب هذا الغموض الذي يحيط بالقطة فقد أرتبط أسمها منذ القدم بالكثير من الأساطير والخرافات، فقالوا بأن للقطة سبعة أرواح، وقالوا بأنها تستطيع الإحساس بوجود الجن والأشباح، وبأن القطة السوداء هي من الجن...
بالطبع معظم الناس في أيامنا هذه لا يؤمنون بتلك الخرافات القديمة، وربما سخروا منها. لكنهم قد يعيدون النظر في حساباتهم إذا ما سمعوا بقصة "أوسكار - Oscar" ذلك المخلوق الصغير الذي حير العلماء وجعل الكثير من الناس يتساءلون عن مدى الحد الفاصل بين الحقيقة والخرافة.
أمضى حياته كلها في الطابق الثالث من المصحة
و أوسكار لمن لا يعرفه هو قط جميل بدأت حكايته الغريبة عام 2005 في ولاية رود آيلاند الأمريكية. ففي تلك السنة قررت إحدى أقدم وأعرق المؤسسات الصحية في الولاية، وهي مصحة "ستير لرعاية المسنين" أن تتبنى قطاً جديداً من أجل إضافته إلى مجموعة القطط والحيوانات الأليفة التي دأبت المصحة منذ زمن طويل على رعايتها وإطلاقها داخل أروقة وردهات المصحة لإضفاء جو من الألفة والمرح يعود بالنفع والفائدة على نفسيات ومعنويات النزلاء والعاملين في نفس الآن.
ولغرض الحصول على القط الجديد قام بعض موظفو المصحة بزيارة ملجأ للحيوانات المشردة حيث وقع إختيارهم على قطيط صغير أبيض ورمادي اللون عمره شهر واحد أطلقوا عليه لاحقاً أسم "أوسكار - Oscar".
أوسكار عاش في الطابق الثالث من المصحة، وهو طابق مخصص للعناية بالمرضى المصابين بالخرف، بعبارة أخرى هو المكان الذي تذهب أليه جميع الحالات الميئوس منها، أي المرضى المسنين الذين يتوقع أن يموتوا قريباً.
أوسكار الصغير سرعان ما شب ليصبح هراً جميلاً خلال شهور قليلة فقط، وبالرغم من رعايته وتربيته على يد البشر منذ نعومة أظفاره، إلاّ إنه حرص دائماً على إبقاء مسافة فاصلة بينه وبينهم، لم يكن بذلك القط الذي يتودد إلى الناس ويمسح ظهره بأقدامهم في غنج ودلال، ولا كان ليجلس في أحضانهم ويدعهم يداعبون فراءه الجميل الناعم بأصابعهم... لا... أوسكار لم يكن من ذلك النوع من القطط... بل كان قطاً غامضاً في تصرفاته، لا يحبذ أن يلمسه أحد سوى عدد قليل من الممرضات اللواتي ساهمن في تربيته، وقد يختفي أحيناً لساعات طويلة ثم يظهر فجأة متجولاً بين الردهات والغرف ليتفقد المرضى تماماً كما يفعل الأطباء والممرضون!!!
يقوم بجولات تفقدية مثل الأطباء!!!
وما أن أتم أوسكار عامه الأول داخل المصحة حتى أخذ العاملون يلاحظون سلوكاً عجيباً طرأ فجأة على تصرفاته وجعله مميزاً عن غيره من القطط الموجودة في المصحة. فأوسكار كما أسلفنا لم يكن يتودد للبشر ويحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن طريقهم، وما كان ليرضى طبعاً بالجلوس إلى جانب المرضى في أسرتهم مهما حاولوا التودد أليه. لكن نفوره الفطري من البشر لم يكن ينطبق على المرضى المحتضرين، فأينما كان هناك مريض يحتضر داخل الطابق الثالث كان أوسكار يظهر فجأة ليعتلي سرير ذلك المريض ويرقد إلى جانبه وسط دهشة الجميع، كان يجلس بهدوء واضعا رأسه على جسد المريض كأنه يطيب عنه ويواسيه، وما أن تغادر الروح جسد ذلك المريض حتى ينتفض أوسكار من مكانه ويغادر السرير على الفور كأنه أدرك بأن جليسه فارق الحياة. وغالبا ما كانت المدة التي تفصل بين ظهور أوسكار وموت المريض لا تتجاوز الساعتين!!!
في البداية لم يصدق أحد من الأطباء والعاملين في المصحة بأن الهر أوسكار بإمكانه حقاً أن يستشعر ويتنبأ بموت البشر، هذا مستحيل طبعاً... فهو في النهاية مجرد حيوان لا يعقل... أليس كذلك؟؟؟
كلاّ!!! الفراعنة القدماء يقولون كلاّ!!! فأولئك الفلاسفة والروحانيين العظام آمنوا بأن القطط هي تجسيد حي لروح الآلهة، أمنوا بأنها ترى وتسمع ما لا نراه ونسمعه... لهذا إحترموها وقدسوها إلى درجة إنهم كانوا يحنطوها ويقيمون العزاء لموتها!!!
لكن أطباء مصحة ستير ما كانوا ليؤمنوا طبعاً بما يقوله الفراعنة. التفسير المنطقي الوحيد الذي بدأ مقنعاً بالنسبة لهم هو إنَّ تزامن ظهور أوسكار مع موت المرضى هو مجرد مصادفة... لا أكثر...
لكن مصادفات أوسكار أصبحت أكثر تكراراً يوماً بعد آخر، الأمر الذي زاد من حيرة وذهول الجميع!!!
في إحدى المرات كانت هناك سيدة عجوز من نزلاء المصحة مصابة بتخثر الدم في ساقها، كانت في غيبوبة، وكانت ساقها متيبسة وباردة بسبب عدم وصول الدم إليها، لكن الأطباء لم يكونوا يتوقعون موتها قريباً، أو هكذا ظنوا حتى ظهر أوسكار فجأة وإعتلى سريرها، جلس عند ساقها المصابة وأحاطها بفرائه الناعم كأنه يحاول تدفئتها، وبعد قرابة الساعتين نهض من مكانه وغادر بهدوء... كانت العجوز قد ماتت!!!
يجلس الى جوارهم حتى يفارقوا الحياة!!!
وفي مرة أخرى دخل أوسكار إلى غرفة أحد المرضى، إعتلى السرير ثم جلس كعادته بهدوء بجوار المريض العجوز الذي كان نائماً، لكن عائلة المريض لم يحبذوا وجود أوسكار، خشوا أن يقلق راحة مريضهم فطلبوا أخراجه من الغرفة، وبالفعل حملته إحدى الممرضات برفق ثم رمته خارج الغرفة. لكن ما حدث بعد ذلك أذهل الجميع، فالهر العنيد لم يذهب بعيداً، بدأ بالمواء بصوت أشبه بالبكاء، وراح يطرق الباب ويخربشه بمخالبه كأنه يطلب الأذن بالدخول، وما أن فتحوا له الباب ثانية حتى ركض وقفز مجددا إلى سرير العجوز المريض الذي فارق الحياة خلال الساعتين التاليتين. وهذه المرة أيضاً لم يكن الأطباء يتوقعون موت ذلك المريض!!!
الجدل حول قدرات أوسكار بدأ يتزايد يوماً تلو آخر داخل المصحة. فريق أمنوا بقدراته، وفريق رفضوها رفضاً قاطعاً. وفي النهاية قرر كلا الفريقان إخضاع أوسكار لاختبار يقطع شكهم باليقين.
فقد كان هناك مريض عجوز يحتضر في إحدى غرف الطابق الثالث، وكان متوقعاً أن يفارق الحياة خلال أقل من ساعة، لذلك أحضروا أوسكار إلى غرفة ذلك المريض وأجلسوه على سريره، قالوا بأن بقاءه بجوار المريض المحتضر سيؤكد حتماً قدراته الخارقة، أما إذا حدث العكس، أي إذا ترك أوسكار السرير ورحل قبل موت المريض فأن ذلك سيعني بأنه لا يتمتع بأي قدرة في التنبؤ بالموت وبأن الأمر برمته ليس أكثر من مجرد مصادفة.
ووسط فرحة المشككين وخيبة المؤمنين شاهد الجميع أسكار وهو يغادر السرير بعد لحظات قليلة من وضعه فيه، وهو الأمر الذي عده فريق المشككين دليلاً قاطعا على إنَّ موهبة أوسكار المزعومة هي وهم لا صحة له لأنه لم يستطع أن يدرك بأن المريض في حالة النزع الأخير.
لكن سعادة المشككين لم تدم طويلاً، فعلى العكس من كل التوقعات لم يمت العجوز المحتضر خلال ساعة كما توقع الأطباء، بل فاجأ الجميع وتشبث بالحياة لعشرة ساعات أخرى. وقبل موته بفترة قصيرة ظهر أوسكار مجددا، هذه المرة من تلقاء نفسه، إعتلى سرير العجوز برشاقة وجلس إلى جواره بهدوء كما يفعل كل مرة، وبعد أقل من ساعتين فارق العجوز الحياة وسط ذهول كل من المؤيدين والمشككين. فقد تفوق اوسكار على الأطباء وأجهزتهم ومعداتهم المتطورة في التنبؤ بموعد الموت الدقيق للمريض.
خلال العامين التاليين تنبأ اوسكار بموت 25 مريض. ولم يعد أحد يشكك بقدراته، بل راح العاملين في المصحة يراقبون جولاته التفقدية بإهتمام بالغ، وصار جلوسه إلى جوار احد المرضى بمثابة العلامة الفارقة على أن الموت سيحيط بذلك المريض قريباً. فكان كادر المستشفى يسارعون إلى الإتصال بعائلة المريض طالبين منهم الحضور فوراً لأن مريضهم سيموت خلال ساعات قليلة.
المقالة التي جعلت من أوسكار مشهوراً!!!
برغم شهرة أوسكار داخل المصحة إلاّ إنَّ العالم لم يسمع بموهبته وقدراته العجيبة إلاّ في عام 2007 حين كتب عنه الدكتور دافيد دوزا مقالاً موسعاً في مجلة "NEJM" الطبية، وهي واحدة من أقدم وأكثر المجلات الطبية رصانة في الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين أصبح أوسكار محط إهتمام الصحافة والناس!!!
وقد ظن العاملون في المصحة بأنَّ شهرة أوسكار وذيوع صيته سيتسبب في غضب عائلات المرضى وإستنكارهم لتواجده بالقرب من مرضاهم، لكن على العكس من ذلك، لاحظ الجميع بأن تلك العائلات الحزينة كانت تشعر بالإمتنان لتواجد الهر الجميل قرب أحبائهم في ساعاتهم الأخيرة، كان بنظرهم كملاك الرحمة الذي يخفف وجوده من آلام الاحتضار والنزع الأخير. وبحسب الموقع الإلكتروني لمصحة ستير فإنَّ أوسكار تنبأ بـ 50 وفاة أخرى حتى عام 2010!!!
تفسيرات علمية
بطبيعة الحال ما كان العلماء ليؤمنوا بالخرافات، وما كانوا ليقبلوا أبداً بالتفسير القائل بأن القطط لديها قدرة فائقة على إستشعار وتحديد حركة الطاقات والهالات الأثيرية غير المرئية، أي ما يتعارف عليه الناس بأسم الروح والجن والأشباح. لكن العلماء يؤمنون من جهة أخرى بأنَّ الحيوانات لديها بالفعل قدرات فائقة لا يمتلكها البشر، ليست قدرات غيبية وما ورائية بالتأكيد، لكنها قدرات حسية إستشعارية. إذ لا يختلف إثنان في إنَّ حواس الحيوانات هي أقوى من حواسنا بمرات عديدة، خاصة حاستي الشم والسمع، وعليه فإنَّ التفسير الأكثر عقلانية لقدرات أوسكار الخارقة يركز على حاسة الشم لدى القطط. فالخلايا المحتضرة تبدأ بإطلاق إنزيمات ومواد كيميائية معينة داخل الجسم البشري قبل الوفاة بفترة قصيرة من أجل تهيئة الجسم لمرحلة التحلل التي تعقب الموت، ويعتقد العلماء أنَّ أوسكار ومن خلال وجوده داخل المصحة تمكن من تطوير موهبة خاصة في تمييز رائحة تلك الإنزيمات والمواد الكيميائية التي يطلقها الجسد ساعة موته. وعن طريق التقاط تلك الرائحة يتمكن من معرفة وتحديد موعد موت المرضى.
ربما بإستطاعته تمييز رائحة محددة مرتبطة بالموت!!! هكذا يقول الدكتور دوزا معلقاً على قدرات أوسكار. وهذا هو بالضبط ما تعتقده البرفسورة جوان تينو، وهي أستاذة جامعية متخصصة في مجال الصحة، حيث تقول : أنا أعتقد بأنَّ هناك مواد كيميائية معينة تطلق داخل الجسد عند الإحتضار، وأوسكار يستطيع شم وتمييز رائحة تلك المواد!!!
أما مارجي سكريك المتخصصة بعلم سلوك الحيوان في جامعة بريتش كولومبيا فتقول : أظن بأنـَّه يشم رائحة مواد كيميائية معينة تطلق داخل الجسد قبل الموت، فالقطط بإمكانها أن تشم الكثير من الروائح التي لا نتمكن نحن البشر من شمها، بإمكانها حتى شم رائحة المرض!!!
وهناك رأي آخر بشأن أوسكار يطرحه متخصص آخر في علم سلوك الحيوان هو الدكتور دانيال إستيب الذي يقول: بأنَّ إحدى الأمور المميزة بالنسبة للأشخاص الذين على وشك الموت هو إنـَّهم لا يتحركون كثيرا، وربما يكون أوسكار قد التقط هذه الحقيقة في إنَّ الأشخاص المحتضرين يكونون في غاية السكون والهدوء. أنا أظن بأنَّ الأمر لا يتعلق بالرائحة أو الأصوات الصادرة عن المريض، لكنه يتعلق بالحركة!!!
أما الدكتور توماس جرافيس المتخصص بدراسة السنوريات في جامعة إلينوى فقد تحدث للبي بي سي "BBC" عن قدرات القطط قائلاً: القطط غالباً ما تستطيع الإحساس والشعور بمرض أصحابها، وحتى بمرض الحيوانات الأخرى. وبإمكانها الإحساس بتغير الجو، وهي مشهورة كذلك بقدرتها الكبيرة في التنبؤ بالهزات الأرضية!!!
مخلوقات حساسة... ولكن!!!
إضافة إلى آراء العلماء والأطباء حول رهافة حواس القطط، فإنَّ مربي القطط حول العالم موقنون بأنها قططهم هي الأكثر تفردا وتميزاً من بين جميع الحيوانات فيما يتعلق بالإحساس والمشاعر والسلوك!!!
هذا كله لا يفسر للأسف موهبة وقدرة أسكار العجيبة.. لماذا؟؟
ببساطة لأن أسكار لا يعيش لوحده في الطابق الثالث من مصحة ستير، فهناك ستة قطط أخرى تعيش في ذلك الطابق، فإذا كان الأمر متعلقاًبالرائحة فلماذا لم تبدي القطط الأخرى أية قدرات مشابهة لتلك التي أبداها أسكار!!!
وحتى لو إفترضنا جدلاً بأنَّ الأمر يتعلق بالرائحة، فما الذي يدفع الهر للصعود إلى أسرة المرضى المحتضرين والجلوس بجوارهم؟؟؟
هل يرى شيئاً لا نراه نحن البشر؟؟؟
هل هو يفهم ويعي فكرة الموت؟؟؟
هل يقوم بالتسلية والتخفيف عن المرضى المحتضرين؟؟؟
أسئلة لا بد لها من إجابة أليس كذلك؟؟؟!!!