اسباب التهرب الضريبي
قلنا ان للتهرب من اداء دين الضريبة اسباب متعددة وهي في الغالب اما اسباب اقتصادية او تشريعية او ادارية وهذا ما نبينه في الفرعين الاتيين:
اولا: الاسباب الاقتصادية للتهرب:
يتاثر التهرب من الضريبة على الدخل تاثيرا كليا بالظروف الاقتصادية التي تسود البلد، ففي اوقات الرخاء الاقتصادي وانتعاش القطاعات الاقتصادية وانخفاض معدلات البطالة وارتفاع متوسط دخول الافراد وازدياد مقدراتهم التكليفية وقدرتهم على تسديد الضريبة المفروضة عليهم يقل او ينعدم التهرب من اداء دين الضريبة لان المكلف لايشعر حينها بوطأة عبء الضريبة المستحقة عليه وذلك لارتفاع دخله ومن ثم لامبرر للتهرب طالما ان مقدرته المالية مرتفعة هذا فضلا عن ان ارتفاع دخول المواطنين في اوقات الانتعاش الاقتصادي يؤدي الى زيادة عدد المواطنين المشمولين بالضريبة من جهة ومن جهة اخرى امكانية تطبيق الاسعار الضريبية التصاعدية كل ذلك من شانه زيادة الحصيلة الضريبية مما ينجم عنه ارتفاع ايرادات الدولة الامر الذي يؤدي الى عدم اتجاه الدولة الى فرض ضرائب جديدة او رفع اسعار الضرائب القائمة مما يؤدي الى انخفاض مستوى التهرب لان المواطن عند ذاك لايشعر بالاعباء الضريبية طالما انها توزعت على عدد كبير من المكلفين اضافة الى امكانية تسديد الضريبة.
اما في اوقات الكساد الاقتصادي حيث ارتفاع معدلات البطالة والانخفاض الشديد في مستوى الاستخدام والانتاج وكساد التجارة وانخفاض مستوى الاسعار تزداد حاجة الدولة للموارد المالية لغرض زيادة الانفاق العام لتحريك عمل المشروعات العامة للقضاء على البطالة وانتعاش حركة التجارة ومواجهة حالة الكساد الاقتصادي فتلجا الدولة الى عدة اساليب للحصول على الايرادات اللازمة لسد العجز الناجم عن زيادة النفقات على الايرادات العامة ومن هذه الاساليب استخدام اداة الضرائب بعدها احدى ادوات السياسة المالية وعلى النحو الاتي:
1. زيادة اسعار الضرائب القائمة.
2. فرض ضرائب جديدة على المواطنين.
3. تخفيض مستوى السماحات القانونية بهدف زيادة عدد الافراد المشمولين بالضريبة.
4. الغاء بعض الاعفاءات المقررة قانونيا.
مما تقدم يتضح لنا ان القدرة المالية للمكلف تزداد في حالة الرخاء الاقتصادي بسبب كثرة النقود وارتفاع الدخول فتزداد قدرته على اداء دين الضريبة وتنخفض في حالة الركود والكساد الاقتصادي وذلك لانخفاض دخله فيزداد التهرب الضريبي وعليه هناك علاقة عكسية بين المقدرة المالية للمكلف وبين حجم التهرب فعندما تكون مقدرة الفرد المالية مرتفعة قلة رغبته في التهرب ويحدث العكس عندما تكون مقدرته المالية منخفضة اضافة الى الاسباب الاخرى التي تدفع المكلف نحو التهرب انفة الذكر.
ثانيا: الاسباب التشريعية والادارية للتهرب الضريبي:
بالاضافة الى ما تقدم هناك اسباب اخرى للتهرب من اداء الضريبة ناتجة عن خلل في التشريع الضريبي لما يتخلله من ثغرات مما يسهل على المكلفين النفاذ منها او الى وجود عيب في التطبيق ناجم عن ضعف في كفاءة الجهاز الضريبي وهذا ما نبينه على النحو الاتي:
اولا: عيوب التشريع الضريبي: ان بعض التشريعات الضريبية قد تكون غير موفقة في الصياغة وقد يشوبها الغموض وقد يتخللها بعض العيوب قد تكون عاملا مساعدا لزيادة نسبة التهرب. ومن هذه العيوب مايلي:
1. وجود الثغرات في نصوص القانون الضريبي او بعض العيوب في صياغة النصوص القانونية كل ذلك قد يستغله المكلف للنفاذ منها لذلك لابد من تعديل تلك النصوص القانونية اينما وجدت مثل تلك الثغرات او العيوب للحد من ظاهرة التهرب او منعها.
2. قد يشوب التشريع الضريبي بعض الغموض الامر الذي يحتاج الى تفسير مما قد يفتح المجال امام المكلف باستغلال التفسير الاصلح له الامر الذي يساعده على التهرب من الضريبة لذلك لابد ان تكون نصوص القانون واضحة لاتحتمل اكثر من تفسير ومعلومة للمكلف وهذا ماتفرضه قاعدة اليقين التي ينبغي مراعاتها عند فرض الضرائب، وهذا الكلام قد ينطبق على قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 وذلك لكثرة التعديلات التي طرأت عليه منذ تشريعه الى يومنا هذا.
3. ان تعدد الضرائب من شأنه ان يكون عاملا مساعدا لزيادة التهرب من الضريبة لاسيما عندما يكون للمكلف اكثر من نشاط، الامر الذي يترتب عليه تعدد نظم المحاسبة، ولاشك انه كلما كانت اجراءات المحاسبة بسيطة وواضحة كلما امكن الوصول الى حقيقة ايراد المكلف والعكس اذا كانت اجراءات المحاسبة تمتاز بالتعقيد.
4. ينبغي عند فرض الضريبة تحديد الوعاء الضريبي بدقة حتى يتم اتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لمنع التهرب وسد كافة الثغرات التي قد تظهر في القانون اثناء التنفيذ.
5. ان عدم المساواة بين المكلفين في تحمل الاعباء الضريبية او عدم العدالة في فرض الضريبة من شانه ان يشجع المكلفين على التهرب، اضافة لما تقدم يمكن ان تشوب التشريع الضريبي عيوب اخرى من شانها ان تساعد او تشجع على التهرب من دفع الضريبة.
ثانيا: ضعف كفاءة الادارة الضريبية: ان ضعف كفاءة الادراة الضريبية بعدهاّ السلطة صاحبة الاختصاص في حصر ايرادات المكلف وفرض الضريبة عليها وعجزها عن الكشف عن وسائل التهرب التي يسلكها المكلف يعدّ من الاسباب المهمة التي تحفز المكلفين على التهرب من اداء دين الضريبة، اذ ان شعور المكلف بعدم كفاءة الادارة الضريبية او قلة خبرة موظفيها وعجزها عن ملاحقة الدخول التي يتمكن المكلف من تهريبها كلها او جزء منها في سنة معينة من شانه ان يشجعه على انتهاج هذا السلوك الخاطئ في السنوات اللاحقة طالما وجد التهرب سلوكا سهلا. فالنظام الضريبي لكل بلد يعتمد اعتمادا كليا على مدى قدرة وكفاءة الاجهزة الادارية من اجل تحقيق اهداف ذلك النظام، لان كل تشريع مالي يعتمد في تطبيقه ومن ثم تحقيق الاهداف المتوخاة من تشريعه على قدرة وكفاءة الجهة او الادارة او السلطة التي تتولى التنفيذ، فالتشريع الضريبي والسلطة التي تتولى تنفيذه وهي الادارة الضريبية الممثلة للسلطة المالية يكملان بعضهما البعض في هذا المجال وهنا لابد من السعي دائما لزيادة كفاءة وقدرة موظفي الادارة الضريبية وهذا الامر يقتضي التخصص في الشؤون الادارية، والتخصص هنا لابد ان يكون تخصص مهني وتخصص جغرافي.
ويقصد بالتخصص المهني ان يكون موظف الادارة الضريبية وتحديدا المخمن متخصص في تخمين ايرادات فئة معينة من المكلفين كالاطباء والصيادلة وكل مايتعلق بالامور الطبية فقط لكي يتمكن من الوقوف على ثنايا هذه المهنة والايرادات التي يمكن ان يحققها هؤلاء فضلا عن تمكنه من متابعة التغيرات التي تحصل على دخولهم، اضافة الى التعرف جيدا على المكلفين من خلال كسب الثقة المتبادلة وبذلك يتمكن موظف الادارة الضريبية هنا من التعرف على حقيقة دخول الفئة التي تخصص بمتابعة شؤونهم الضريبية قدر الامكان.
هذا مالا نجده في الواقع العملي الذي يكون فيه موظف الادراة الضريبية - المخمن - يمارس مهنة التخمين لايرادات المهندس والطبيب والتاجر وبقية المهن الاخرى الخاضعة لضريبة الدخل مما يتعذر عليه والحال هذا ان يحصل على معلومات وافية وحقيقية عن هذه المهن وعن حقيقة الدخول التي يحققها المكلف مما قد يتسبب بهروب او اخفاء بعض مصادر الدخل الامر الذي ينعكس سلبا على حصيلة الضريبة، اما في حالة اعتماد مبدا التخصص نعتقد ان من شأنه تقليص فجوات التهرب بسبب زيادة كفاءة ومهارة الموظف المتخصص.
اما التخصص الجغرافي فيقصد به ان يكون موظف الادارة الضريبية اي المخمن متخصص لتخمين ايرادات المكلفين في منطقة جغرافية معينة وهي دائرة مخمن الضريبة الذي يقع فيه محل سكنى المكلف او محل عمله، اي ان يكون التخصص الضريبي تخصص وظيفي مهني وجغرافي في وقت واحد الامر الذي يتيح للمخمن ان يتحرى ويتحقق عن دخول المكلفين ضمن منطقة او دائرة عمله وهذا امر قد كفله القانون وذلك بقيامه بزيارات ميدانية لمواقع عمل المكلفين والوقوف على طبيعة اعمالهم وبالتالي التعرف على الدخول الفعلية التي يحققونها، بالاضافة الى امكانية اقامة علاقات وثيقة متواصلة بين موظف الادارة الضريبية والمكلف من خلال الزيارات الميدانية التي يجريها المخمن لمحل عمل المكلف للاطلاع على واقع نشاطه وهنا يفترض في الموظف الحكومي - المخمن - النزاهة والامانة والاخلاص لوظيفته وتقديره للمسؤولية الملقاة على عاتقه وحرصه على المصلحة العامة خلال قيامه باداء مهمته الرسمية وعدم استغلال وظيفته لتحقيق مكاسب شخصية لما في ذلك من خيانة للمبادئ التي يحملها الموظف الحكومي في حمايته للاموال العامة والتي رصد لها القانون عقابا معينا في حال ارتكابه اي سلوك من شانه ان يضر بالمصلحة العامة لخزينة الدولة او يعرضها للخطر المتمثل بفقدان جزء او كل حقها في دين الضريبة.