تعريف التهرب الضريبي
ان ظاهرة التهرب من الضريبة على الدخل سائدة في كل مجتمعات العالم الا انها تختلف حدة من بلد الى اخر تبعا للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاخلاقي السائد في ذلك البلد وتشير بعض الدراسات الى ان التهرب الضريبي في بعض الدول خصوصا المتخلفة اقتصاديا منها قد يضيع على الخزينة العامة نسبة كبيرة من الايراد الضريبي. مما يؤدي الى قلة حصيلة الدولة من الايرادات, الامر الذي يترتب عليه تاخير عملية التنمية الاقتصادية وعرقلة سير عمل مؤسسات الدولة من جهة، ومن جهة اخرى الاخلال بمبدا العدالة الضريبية في توزيع الاعباء المالية بين المكلفين، والتهرب الضريبي يرتبط ارتباطا وثيقا بقدرة المكلف على الاسهام بدخله في تحمل الاعباء العامة وقدرة المكلف هنا هي اقصى حد للمساهمة بالضريبة ومن ثم اذا اجبر المكلف على الاسهام باكثر من ذلك فانه سيلجا الى التهرب من دفع الضريبة، ونزعة الفرد دائما هي الاحتفاظ بثروته وعدم التنازل عنها وخاصة اذا كانت الضرائب تفرض باسعار مرتفعة بالاضافة الى احساس المواطن بعدم وجود خدمات مقابل الضرائب التي يدفعها، وعموما فان المقدرة التكليفية للاسهام في تحمل الاعباء العامة تختلف من شخص لآخر طبيعيا كان ام معنويا وذلك تبعا لاوضاعه الاقتصادية وحالته الاجتماعية بالاضافة الى طبيعة النظام الضريبي السائد في هذا البلد او ذاك، وعلى اساس ان العراق يعد واحد من الدول النامية اقتصاديا نلاحظ ان ظاهرة التهرب من الضريبة منتشرة بين المكلفين وخاصة في المهن الحرة والتي قد تحقق ارباحا كبيرة مما يضيع على الخزينة العامة للدولة جزء من الايرادات العامة، على الرغم من ان قانون ضريبة الدخل يؤكد ان على كل شخص يحصل على دخل يخضع لضريبة الدخل مراجعة السلطة الضريبية وتقديم كافة البيانات والمعلومات اللازمة عن دخله، الا ان الملاحظ ان قسما كبيرا من ذوي المهن الحرة سواء كانوا مسجلين لدى الادارة الضريبية ام غير مسجلين يمتنعون عن تقديم البيانات والمعلومات اللازمة عن دخولهم وحتى عند اجراء المسح الضريبي لا توجد هناك بيانات او معلومات دقيقة عن دخول هؤلاء المكلفين مما قد يلحق اضرارا بالغة في الخزينة العامة لكونه يؤدي الى نقص حصيلة الدولة من الايرادات المتوقعة وهو نوع من التهرب الضريبي.
وفي ضوء ماتقدم يمكن ان نعرف التهرب الضريبي بانه تلك الظاهرة التي يحاول المكلف من خلالها التخلص من دفع الضريبة المفروضة عليه كلا او جزءا مستخدما في ذلك الطرق والوسائل غير المشروعة.
انواع التهرب الضريبي
التهرب الضريبي يؤدي الى فقدان الدولة لجزء من ايراداتها التي تحصلها عن طريق الضرائب، والتهرب الضريبي عموما ينقسم الى نوعين فقد يكون تهربا مشروعا او ما يعرف بتجنب الضريبة او تهرب غير مشروع وهذا الاخير قد يكون كليا او جزئيا وهذا ما سنبينه في النقطتين التاليتين:
اولا: التهرب المشروع
ان فيصل التمييز بين التهرب الضريبي المشروع او مايعرف بالتجنب الضريبي والتهرب غير المشروع هو مخالفة احكام القانون الضريبي او عدم مخالفتها، اذ ان هذا النوع من التهرب المشروع لايترتب عليه مخالفة لاحكام قوانين الضرائب ويكون ذلك عادة باستغلال ما قد يوجد من ثغرات او نقص في احكام القانون الضريبي مما قد يعفي المكلف من الضريبة، او ان الشخص المكلف يمتنع عن القيام باي عمل مادي او قانوني يجعل الضريبة مستحقة عليه، وقد يكون التجنب الضريبي مقصودا من قبل المشرع الضريبي توصلا لاهداف يبتغي تحقيقها سواء كانت اقتصادية او اجتماعية كاعفاء الدخل الزراعي. من الضريبة او اعفاء الدار المعدة للسكن عند نقل ملكيتها باي طريقة كانت، وقد لايكون التجنب مقصودا من قبل المشرع وانما باتخاذ المكلف موقفا سلبيا بالامتناع عن مزاولة نشاطه عند وصول دخله مستوى يجعله خاضعا للضريبة خصوصا عندما تكون اسعار الضرائب السائدة في البلد مرتفعة او ان الفائدة التي تعود على المكلف بصورة خدمات اقل من مقدار مبلغ الضريبة التي يدفعها الى السلطة المالية.
ثانيا: التهرب غير المشروع
ان التهرب غير المشروع يقع بمخالفة المكلف لاحكام القانون الضريبي التي ترتب عليه التزامات قانونية منها الالتزام بسداد دين الضريبة، اذ يفترض في كل مكلف بموجب احكام القانون الضريبي ان يؤدي واجباته والتزاماته تجاه الخزينة العامة للدولة خصوصا الالتزامات التي تتضمن اداء مبالغ نقدية، الا ان الملاحظ ان بعض المكلفين يحاولون احيانا التهرب من اداء تلك الالتزامات المالية متبعين في ذلك شتى وسائل الغش والاحتيال المخالفة لاحكام القانون الضريبي مبتغين من وراء ذلك ضياع حق الخزينة العامة في اقتضاء دين الضريبة المفروضة عليهم.
ان هذا النوع من التهرب غير المشروع يترتب عليه اثار سلبية بالغة على حصيلة الدولة من الايرادات المالية الامر الذي ينعكس سلبا على مستوى الخدمات التي تقدمها المرافق العامة للدولة علاوة على الاثار النفسية التي يخلفها مثل هذا التصرف غير المشروع بالنسبة للمكلف الذي لا يتهرب او لا يتمكن من التهرب من اداء دين الضريبة المستحق في ذمته لصالح الدولة لان الضريبة تصبح هنا غير عادلة وذلك لاختلال توزيع الاعباء المالية العامة بين المكلفين فيتحمل البعض منهم نصيبه المفروض عليه قانونا بينما يتهرب البعض الاخر من اداء مبلغ الضريبة المستحق في ذمته والواجب الاداء.
والتهرب الضريبي غير المشروع قد يقع من خلال اخفاء نشاط معين من الانشطة التي يزاولها المكلف كحال المكلف الذي يقدم اقرارا ضريبيا يتضمن معلومات او بيانات غير حقيقية او كاذبة لاتمثل حقيقة ارباحه التي حققها خلال السنة المالية او المكلف الذي لايمسك دفاتر منتظمة تجسد حقيقة نشاطه وبالتالي يكون وعائه الضريبي اقل من حقيقة ايراداته. وقد يقع التهرب غير المشروع من خلال التلاعب بالحسابات التي يمسكها المكلف او عدم مسكه للدفاتر التجارية طبقا للاصول المحاسبية كتسجيل المكلف قيود بدون وجود مستندات رسمية تثبت صحة تلك القيود.
وعموما ان التهرب غير المشروع قد يقع اثناء تحديد وعاء الضريبة وفرضها او عند تحصيلها، والتهرب غير المشروع قد يكون تهربا كليا من اداء كامل الضريبة او قد يكون تهربا جزئيا من اداء جزء من مبلغ الضريبة وهذا مانبينه في النقطتين الاتيتين:
اولا: التهرب الكلي:
يتحقق هذا النوع من التهريب عند تخلص المكلف من اداء مبلغ الضريبة كله، اي اذا استطاع الشخص المكلف بوسائله الاحتيالية ان يضيع على الخزينة العامة كل ضريبة مستحقة على نوع معين من النشاط او فقدان لنوع معين كامل من انواع الضريبة المفروضة عليه كتخلص المكلف من دفع ضريبة الدخل المستحق عليه او ضريبة العقار كلها بغض النظر عن مقدار الضريبة المستحقة عليه. ويترتب على هذا النوع من التهرب الضريبي اثار سلبية خطيرة تتمثل بفقدان الخزينة العامة للايرادات المتأتية من خلال الضرائب وقد تكون مبالغ طائلة، كما هو الحال بالنسبة لبعض الافراد الذين يزاولون بعض المهن الحرة ( السمكري ، الحداد ، النجار...) اضافة لبعض التجار الذين يمارسون عملية بيع وشراء السيارات دون نقل ملكيتها لهم ومن ثم لايتم تسجيلها باسمائهم وتاشير ذلك لدى الضريبة بغية التخلص من دفع الضريبة المفروضة على الارباح المتحققة جراء المتاجرة بالسيارات والتهرب هنا يكون كليا من دفع الضريبة وذلك لعدم ادخال هؤلاء التجار في حظيرة الضريبة العامة على الدخل علما ان الارباح التي يحققها هؤلاء قد تكون ارباحا كبيرة.
ثانيا: التهرب الجزئي:
في هذا النوع من التهرب يحاول المكلف المتهرب التخلص من جزء من مبلغ الضريبة المفروضة عليه لاكله كما هو الحال في النوع الاول وذلك من خلال اخفاء جزء من نشاطه او اخفاء نشاط معين باكمله اذا كان يزاول اكثر من نشاط، مثال ذلك قيام المكلف باخفاء جانب من مبيعاته او تسجيلها باسعار تقل عن سعر البيع الحقيقي, خلاصة الكلام ان التهرب الجزئي يعني تخلص المكلف من اداء جزء من مبلغ الضريبة المستحقة بذمته باتباع احدى وسائل الغش والاحتيال التي تشكل مخالفة لاحكام القانون الضريبي والتي يرصد لها المشرع عقابا معينا.