القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
القضاء هو احد أهم أسس حياة الإنسان وهو الطرف الرئيس في ميزان العدالة لان غايته إحقاق الحق ونشر العدل في المجتمع فالقضاء من أهم مرافق الدولة وأخطرها وهو الملاذ لكل ضعيف ومظلوم من خلال توفير الحماية القانونية للناس كافة.
فيما يتعلق بأرواحهم وأموالهم وإعراضهم وحرياتهم لذلك وفرت الدساتير والقوانين الحماية والاحترام والقضاء بسبب مسؤوليته الكبيرة في تحقيق العدل لذلك وجدت التشريعات ضرورة إسباغ الحماية القانونية للقضاء من كل ما يؤدي إلى الإخلال بسير العدالة والمساس بجهاز القضاء وقد نص المشرع العراقي على هذه الجريمة في قانون العقوبات العراقي 111 لسنة 1969 المعدل في الجرائم المخلة بسير العدالة بالمواد248 و249 و250 وهذه الجريمة ترتكب ضد إدارة العدالة وحسن سيرها والممثلة بالجهاز القضائي ذلك إن الذي يحميه القانون من التضليل هو السلطة القضائية بالدرجة الأساس ومن خلالها تتم حماية إفراد المجتمع من عبث المضللين بحقوقهم والإضرار بهم دون وجه حق ويعتبر التضليل من اخطر ما يتعرض له القضاء من اعتداء إلى جانب الجرائم الأخرى التي تمس سير العدالة كجريمة الإخبار الكاذب لمساس هذا الاعتداء بالأبرياء من الناس فالأصل إن المتهم بريء حتى تثبت ادانته بمقتضى محاكمة قانونية عادلة والمقصود بتضليل القضاء بأنها الأفعال الجرمية التي يقوم بها الجاني والتي من شأنها تكوين فكرة خاطئة لدى القاضي تجعله يعتقد إن امراً ما صحيح بينما هو خلاف الحقيقة فالتضليل في حقيقته هو خداع القاضي بوسائل أو أفعال غير مشروعة تستند في جوهرها على المراوغة ولذلك فهو مسلك إجرامي خطير يستخدم ببشاعة ضد أناس أبرياء من خلال جهاز القضاء إذ إن غاية المضلل الإضرار بالغير والعبث بحقوقه عن طريق الإخلال بسير العدالة وتتمثل أركان جريمة تضليل القضاء باركان الجريمة وهي الركن المادي وهو فعل التضليل وذلك بتغيير حالة الأشخاص والأماكن والأشياء وإخفاء أدلة الجريمة والإدلاء بمعلومات غير صحيحة وانتحال الأسماء والصفات والتصرف بالأشياء المقدمة للقضاء ويسعى القضاء وهو وسط خضم متلاطم من مصالح الناس الى تحقيق العدالة من خلال البحث الدقيق عن الحقيقة وإرجاع الحق إلى المتضرر والحكم على المذنبين وذلك لايتم بسهولة وإنما يقع بعد موازنة وتمحيص للأدلة والوقائع المتضاربة ويحتاج القاضي قبل تكوين رايه في القضية المعروضة عليه إلى مزيد من التروي والحذر وعمق النظر وسعة الإحاطة وهو بعملة الشاق هذا بأمس الحاجة إلى من يساعده في الوصول إلى الحقيقة ولذلك فان أي إخفاء لأي دليل سواء أكان ماديا ومعنويا يشكل خطورة كبيرة على مركز المتهم في القضية المعروضة إمام القضاء وكذلك الحال في مصير القضية نفسه وبالتالي يشكل عبئا كبيرا على القضاء لاستكشاف الحقيقة ذلك لان القضاء من اشق المهن وأقساها واخصها بالمخاطر فطريق العدالة شاق وطويل ومليء بالعراقيل والعقبات ومن اكثر هذه العقبات تقديم المعلومات الكاذبة للقضاء بخصوص حقيقة واقعة معينة ومرتكبيها وغالبا مايصطنع المضلل الأكاذيب لكي يدلي بخلاف الحقيقة في القضية المعروضة وجريمة تضليل القضاء من الجرائم العمدية وتتطلب إضافة إلى القصد العام قصدا خاصا لدى مرتكبها وهذا يعني إن المضلل يجب إن يكون قد أقدم على التضليل بنية الإضرار بسير القضاء وجريمة تضليل القضاء شأنها شأن أية جريمة إذا وقعت تامة بان توفرت جميع أركانها وثبتت مسؤولية فاعلها فانه يستحق العقوبة المنصوص عليها في المواد248،249،250ويتبين من النصوص القانونية المتعلقة بالعقوبة بان هناك عقوبتين هما الحبس والغرامة وطبقا لإحكام الجملة الثانية من المادة 250 عقوبات تشدد العقوبة لجريمة تضليل القضاء فيجعلها السجن المؤقت لمدة لاتزيد على سبع سنوات إذا كان مرتكب جريمة التضليل موظفا أو مكلفا بخدمة عامة عهدت إليه وثيقة أو مبرزا أو مادة جرمية أو اؤتمن عليها بحكم عمله ونرى إن يصار إلى إعادة النظر في عقوبة جريمة تضليل القضاء نتيجة لازدياد ظاهرة التضليل وكثرة الأشخاص الذين استسهلوا السبل للوصول إلى العبث بحقوق الغير والوصول إلى الكسب غير المشروع وان السير الطبيعي للعدالة يستوجب عدم التسامح مع المضلل وعدم إطلاق سراح المضلل في مرحلة التحقيق ونرى عدم شمول المضلل بنظام إيقاف التنفيذ لأن تضليل القضاء هي الآفة الكبرى التي تعترض طريق العدالة لمساسها بأهم مرفق من مرافق الدولة إلا وهو القضاء.