تجنيد الأشخاص "Recruitment"
يُقصد بتجنيد الأشخاص تطويع(7) الأشخاص واستخدامهم كسلعة قابلة للتداول بالمخالفة للقوانين والأعراف الدولية بغرض الاستغلال وجني الأرباح أيًا كانت الوسائل المستخدمة (مشروعة ، غير مشروعة) وبصرف النظر عن ارتكابها بداخل الدولة أو عبر حدودها الإقليمية.
وهذا يعني أن ضحايا الاتجار من هؤلاء الأشخاص يكونوا خاضعين تمامًا للجاني وينفذون ما يطلبه منهم طواعية نتيجة السيطرة عليهم ويحصل الجاني على منافع مادية في مقابل استغلالهم حتى ولو قام الجاني بإدخال هؤلاء الضحايا إلى دولة المقصد بوسيلة مشروعة(8) وإيهامهم بوجود فرص عمل لهم إلا انه في نهاية الأمر قام بخداعهم والاحتيال عليهم لتجنيدهم واستغلالهم والاتجار بهم . ويتم التجنيد غالبًا بتقديم قرض للضحية يتم تخصيص الجانب الأكبر منه على سبيل المثال لأهل الضحية مع الوعد بوظيفة يمكن أن تدر العائد الكافي لتسديد القرض والادخار أو بدء مشروع للعمل عند العودة للوطن وتتبخر كل تلك الأماني بوصول الضحية إلى بلد المقصد حيث لا تجد العمل الذي وُعدت به أو تلحق بعمل لا يكفي لتسديد قرضها وتحت الظروف القسرية أو الإكراه تمارس أعمال غير مشروعة تحت الضغط المتواصل من المستغلين(9)
ولا تكون موافقة ضحية الاتجار بالأشخاص على الاستغلال محل اعتبار في الحالات التي يكون فيها الجاني قد استخدم أيًا من الوسائل غير المشروعة (10) ، ذلك لأن دور الإرادة لا يقف عند تحريك السلوك الإجرامي بل يتجه نحو تحقيق النتيجة(11) .
ويُدعم هذا الاتجاه رأي فقهي يتضمن في فحواه أن موافقة الضحية ليست ذات أهمية وذلك في جميع حالات الاتجار بالأشخاص ولاسيما إذا عَرفنا الوسائل غير المشروعة بمعناها الأعم لتشمل ليس القوة فحسب بل استغلال أي ضعف كان ، كما يرى هذا الاتجاه أن كل من يقع ضحية للاتجار هو ضحية ضعيفة لا خيار أمامها إلا الخنوع فكل حالة اتجار بالبشر تنطوي على استغلال ضعف ما ، كما يؤكد هذا الرأي أن الموافقة مطلوبة على نحو مستمر ، فقد يكون الشخص الضحية موافقًا عند تجنيده ، ولكن هذه الموافقة تنتفي وتنتقص خلال مراحل الاستغلال اللاحقة(12).
واني أتفق مع هذا الرأي ؛ لأنه إذا كانت الموافقة المبدئية موجودة من قبل الضحية في حالة الاتجار بها فهي نتيجة ضغط من قبل الجاني يباشره على إرادة الضحية لحملها على ارتكاب جريمة معينة تحت تأثير الخوف من خطر جسيم وشيك الوقوع(13) مستغلاً ظروفها الاجتماعية أو الاقتصادية أو حالة ضعفها مما يترتب عليه اضطرارها لارتكاب هذه الجريمة .
فكثيرًا ما يستخدم مافيا الاتجار العزلة "Isolation" كوسيلة للسيطرة أو الإكراه ويمكن أن تشمل العزلة على سبيل المثال مصادرة وثائق تحديد الهوية"Identity Document" أو وثائق السفر "Travel Document " أو عزلة الضحايا اجتماعيًا أو لغويًا.
ويُقصد بالسيطرة "Control" هي ممارسة تأثير تقييدي أو توجيهي على ضحايا الاتجار بالبشر الأمر الذي يترتب عليه خنوعهم التام لمافيا الاتجار ويُنفذون ما يُطلب منهم ، أما الإكراه"Coercion" فانه يعني الإجبار باستخدام القوة البدنية أو التهديد باستخدامها أو استخدام العنف النفسي مما يؤدي إلى وقوع الضحية تحت تأثير حالة من الخوف الشديد فتُدفع على ارتكاب الأفعال غير المشروعة .
وينقسم التجنيد إلى عدة أنماط فمنه التجنيد القسرى والتجنيد الخادع الكلي والتجنيد الخادع الجزئي وتعتبر هذه الأنماط أفعال مقترنة بوسائل غير مشروعة ، الهدف منها استغلال الضحايا ، الأمر الذي يتطلب إلقاء الضوء بإيجاز تام على هذه الأنماط من التجنيد :
(أ) التجنيد القسرى "Recruitment Forcible" هو أخذ ضحايا الاتجار عنوة بعيدًا عن موطنهم الأصلي لإجبارهم وإكراههم على
تنفيذ ما يُطلب منهم ويعني ذلك أن السمة الغالبة هنا القوة واستخدام العنف لاقتياد شخص ما بعيدًا عن محل إقامته الدائم
(ب) التجنيد الخادع الكلي "Recruitment Fully Deceptive"
هو غواية ضحايا الاتجار بالبشر بوعود كاذبة لإيجاد فرص عمل لهم وتحقيق مكاسب مالية على خلاف الحقيقة ، الأمر الذي يترتب عليه خداعهم وتضليلهم تضليلاً كاملاً ، فلا تتبين لهم النوايا الحقيقية لمافيا الاتجار .
(ج) التجنيد الخادع الجزئي "" Recruitment Partially Deceptive
ويقصد بذلك أن ضحايا الاتجار بالبشر قد يعلمون بأنهم سيوظفون في نشاط معين ولكن لا يعرفون تحت أية ظروف ويعني ذلك أن ضحية الاتجار قد توظف في وظيفة معينة في بلد المقصد ثم تفاجأ بوجود ضغوط معينة عليها قد تصل إلى الإكراه والإجبار على ممارسة عمل غير مشروع حيث تتخذ من وظيفتها المعينة بها ستارًا لذلك .