إساءة استعمال السلطة علي شخص ما
يُقصد بإساءة استعمال السلطة بصفة عامة أن يبتغي الموظف بممارسة اختصاصه تحقيق غاية مختلفة عن تلك التي حددها القانون للأعمال الداخلة في هذا الاختصاص ، وتتحقق تلك الصورة في الحالات التي يترك فيها المشرع للموظف قدرًا من الحرية في ممارسة سلطاته ليقرر في حدود الصالح العام ـ بمحض اختياره ـ ما يراه محققا لهذه الغاية ، والفكرة الجوهرية في هذه الصورة إذن أن الشارع حينما خول الموظف سلطة فقد أراد بذلك أن يستعملها لتحقيق مصلحة عامة حددها فإن ابتغى باستعمالها تحقيق مصلحة خاصة لنفسه أو لغيره فقد أساء استعمال سلطته ، وبذلك يكون تصرفه مشوبًا بعيب الانحراف في السلطة(27) .

ولقد قضى مجلس الدولة المصري "بأن سوء استعمال السلطة نوع من سوء استعمال الحق والموظف يسئ استعمال سلطته كلما استعمل نصوص القانون ونفذها بقصد الخروج على القانون وأهدافه وبهذه المثابة تكون إساءة استعمال السلطة ضربًا من تعمد مخالفة القانون مع التظاهر باحترامه(28).

ويجب التنويه إلى أهمية التمييز بين استعمال الحق(29) وإساءة استخدام السلطة المقررة بمقتضي هذا الحق فالأول مقرر بمقتضى القانون والعرف بينما الثاني يجرمه القانون ويقرر له العقوبة المستحقة ، فعلى سبيل المثال نجد أن حق تأديب الزوج لزوجته مستمد من الشريعة الإسلامية(30) فيقول الله تعالى في سورة النساء "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً " والضرب المباح شرعًا هو الضرب البسيط الذي لا يترك في الجسم أثرًا ، فإذا خرج الزوج عن الحدود التي رخص بها الشارع الإسلامي فإنه لا يتمتع بسبب الإباحة ويستحق العقاب ويشترط أخيرًا لاستعمال هذا الحق أن يكون بقصد تحقيق الغاية التي شرع من أجلها وهي تهذيب الزوجة ومواجهة نشوزها ، أما إذا كان بقصد الانتقام أو التعذيب أو مجرد الاهانة فإن الزوج لا يتمتع بسبب الإباحة ويستحق العقاب(31)

كما يجوز للآباء أو أولياء النفس عند عدم وجود الأب والوصي والأم حق تأديب الصغار لإصلاحهم وتعليمهم شرط ألا يتجاوز حدود الضرب البسيط الذي يجب أن يكون باليد دون استعمال وسيلة أخرى كالسوط أو العصا ولا يتجاوز الإيذاء الخفيف الذي لا يترك أثرًا في الجسم ولا يتجاوز الضرب ثلاث ضربات(32) , ولا يجوز تقبيح الوجه أو الرأس وحق التأديب مقيد بالغاية التي شرع من أجلها وهو إصلاح الصغير وتعليمه وتهذيبه ، فإن تجاوز مستعمل الحق بفعله هذه الغاية إلي غاية أخرى خرج فعله من دائرة الإباحة ودخل دائرة التجريم واستحق بالتالي العقاب ومصدر هذه الحق هو الشريعة الإسلامية .

كما أن حق التأديب ثابت بمقتضي العرف للمخدوم على خادمه أي لرب الأسرة على مخدومته أو مخدومه بشرط مراعاة حقوق الإنسان واحترام حرياته الأساسية وعدم الإيذاء والضرب المبرح أو القيام بأي شكل من أشكال التعذيب مخالفًا بذلك القيم الأخلاقية والمبادئ الإسلامية.

وعلى الرغم من ذلك فانه تبرز على الساحة الداخلية إساءة استخدام السلطة الأدبية المكفولة لشخص ما على أشخاص آخرين في كنفه أو تحت رعايته وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية هو قيام علاقة زوجية مثل تجاوز الزوج في معاملاته الأسرية مع زوجته وتجاوز الحدود المسموح بها مثل الضغط عليها للعمل في مجال الدعارة وقد تكون مصدرها العلاقة الأسرية بين الأب وأبنائه ، فيسئ الأب استخدامها مثل قيام الأب بمضاجعة ابنته (زنا المحارم) وقد يكون مصدر هذه السلطة الأدبية العلاقة بين رب الأسرة (الكفيل) ومخدومته فيسئ إليها بدنيًا ويعتدي عليها جنسيًا .

وخلاصة القول انه يمكن تعريف إساءة استعمال السلطة على شخص ما من الناحية الأدبية بأنها تجاوز من قبل الشخص الحدود المرسومة له بشأن ممارسة سلطة أدبية ممنوحة له على شخص آخر مخالفًا بذلك القانون والعرف والعادات والتقاليد والثقافات المتبعة في ربوع هذا المجتمع .