الناس أصناف في تناولهم لفضائل المعصومين (ع)، الذين أرادهم الله تعالى أفضل صورة يمكن نقشها في روح بشر!.. فمنهم من ينكر تلك الفضائل لمجرد عدم استيعابها بحسب فهمه القاصر، ولو اتبع مقولة شيخ الفلاسفة ابن سينا القائل: (كلما قرع سمعك من العجائب، فذره في بقعة الإمكان؛ حتى يذودك عنه قاطع البرهان)؛ لكفاه ذلك في عدم المسارعة إلى الإنكار من دون استيعاب خلفية برهانية، تكون دليلا على القبول أو الرفض.
ومنهم من يجعل أحاديث الفضائل، ذريعة إلى الركون إلى واقعه الذي لا يطابق شيئا من سيرتهم (ع)، على أمل نيل الشفاعة.. والحال أن أصحاب الشفاعة هم أكثر الخلق خشية، وأشدهم اجتهادا فى طاعة الله تعالى.. وهذه الطبقة ستعيش الحسرة الشديدة يوم القيامة، حينما ترى أن تلك المعرفة النظرية -بدلا من أن تكون عامل تحفيز وبعث- أصبحت حجة عليهم؛ فإن الجاهل أقرب إلى الإعذار من العالم!..
إن الزهراء (ع) من نوادر التاريخ التى جمعت فى شخصيتها -رغم قصر عمرها- جهات من الكمال متنوعة، من الصعب أن يحوز أحد على جهة من تلك الجهات من دون مجاهدة وتسديد.. ومن هنا اكتسبت ذلك الموقع المتميز من قلب المصطفى (ع)، حيث عبر عنها تعبيرا لم يعبر به عن أحد من الخلق، حينما قال: فداها أبوها!.. ومن قبل ذلك حازت على رتبة ربانية، يغبطها عليها جميع الخلق، عندما جعل الله تعالى رضاه مطابقا لرضى فاطمة (ع)، وهل هناك دليل على العصمة أعظم من ذلك؟!..
إن من الصفات المتميزة في حياة الزهراء (ع)، حرصها الشديد على أن تكون زوجة مثالية لأمير المؤمنين (ع)، بكل ما في الحياة الزوجية من مكابدة ومعاناة.. فلم تجعل انتسابها للنبي، وللوصي، وللحسنين (عليهم السلام) ذريعة إلى ترك حسن التبعل، وهو جهاد المرأة كما هو معلوم.. فتأمل في هذا النص، تدركك الرقة لما آل إليه أمرها (ع) في منزل علي (ع).. فقد حدث عنها علي (ع) قائلا: (إنها استقت بالقربة، حتى اثرت في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت (أي ثخن الجلد من العمل) يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت (أي اسودت) ثيابها؛ فاصابها من ذلك ضرر شديد).
ولكن في مقابل ذلك، نرى النساء في هذا اليوم أوكلن الأمور كلها أو جلها إلى الخادمات، حتى تلك الأمور التي تعكس أمومتهن وحنانهن تجاه الطفل.. فصار البعض منهن ينتهي دورها بمجرد الولادة، لتستلم الطفل الأيدي الغريبة إلى حين بلوغه!.. ومن هنا لا يرى الرجل من زوجته جهادا تبعليا؛ يجعله يفكر في رد ذلك الجميل، بشيء من الوفاء والتقدير.. إننا بهذا القول لا نسجل تكليفا فقهيا على المرأة في هذا المجال، ولكن نريد منها أن تتأسى بالزهراء (ع) في تحمل مسؤولية البيت، بحيث تجعل المنزل هي الدائرة الأولى لنشاطها واهتمامها، ومن بعد ذلك الدوائر الأخرى كالمعاهد والوظائف.
إن ما ذكرناه من عفاف فاطمة (ع)، والتزامها في حياتها الزوجية، وتربيتها لاولادها -تلك التربية التي تخرج منها سيدا شباب أهل الجنة (ع)- كل ذلك لم يمنعها من القيام بدورها الفاعل في حياة الأمة، فعندما اقتضى الأمر خروجها إلى المسجد، وإلقاءها تلك الخطبة التي خلدها الدهر: دفاعا عن عقيدتها، وحماية لإمام زمانها؛ فإنها لم تتوان عن ذلك، مستشهدة تارة بلطائف القرآن الكريم، ومتطرقة تارة أخرى إلى دقائق الأمور العقائدية، التي لا زالت إلى اليوم مثار بحث ودراسة لدى العلماء
عندما نراجع التأريخ، نرى أن الزهراء (ع) كانت تؤكد من خلال حديثها وحركاتها على ضرورة الفصل النفسي، والتباعد الجسدي بين الرجل والمرأة، وذلك مما يفهم من قولها (ع): (خير للنساء أن لا يرين الرجال، ولا يراهن الرجال).. وكذلك حجبها للأعمى لأنه يشم الريح.. وفرحها لتكفل علي (ع) لشؤون المنزل، حتى ترتاح من تخطي رقاب الرجال.. كل ذلك لعلمها بما في تمازج الرجال والنساء من الآفات والزلات، وإلا فهي أجل من أن تتأثر بهذه الأمور؛ فإن ما كانت هي مشغولة به، يشغلها عن الدنيا وما فيها، مصداقا لهذه المقولة: (صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملأ الأعلى).
إننا حذرنا في مواقف متعددة، من عدم إزالة القيود مع الجنس المخالف؛ فإن وجود التجاذب الغريزي بين الجنسين، أرضية للتعلق النفسي، ومن ثم الارتياح القلبي عند اقتراب كل واحد من الآخر، وهي مشاعر لا يمكن إنكارها إلا مكابرة، وخاصة في جانب الفتاة التي يغلب عليها الحياء.. ومن الواضح أن الحب مدعاة للميل إلى الاجتماع بالآخر، ومع عدم امكانية ذلك؛ فإن البديل الآخر إما هو: ارتكاب الحرام، أو الكبت النفسي والاكتئاب المزمن، وهي لا شك عقوبة إلهية، لمن خرج عن الحدود الإلهية التي يستسهلها البعض؛ ناسيا قاعدة: (لا تنظر إلى ما عصيت، بل انظر إلى من عصيت)!. .
والسلام عليكم منقول للفائدة
اسألكم الدعاء