ملازمته لأبيه ليلة شهادتهقال ابن شاذان القمي : [ روى ] عن أمير المؤمنين لما بايعه الملعون عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قال له : تالله إنك غير وفي ببيعتي ، ولتخضبن هذه من هذا - وأشار بيده إلى كريمته وكريمه - فلما أهل شهر رمضان جعل يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين فلما كان بعض الليالي قال : كم مضى من رمضان ؟ قالا له : كذا وكذا ، فقال لهما : في العشر الأخير تفقدان أبيكما ، فكان كما قال . روى الإربلي : عن كمال الدين بن طلحة في مناقبه فقال : فخرج أمير المؤمنين في تلك الليلة وفي داره أوز ، فلما صار في صحن الدار تصايح في وجهه فقال : صوائح تتبعها نوائح - وقيل : صوارخ - فقال ابنه الحسن : ما هذه الطيره فقال : يا بني لم أتطير ولكن قلبي يشهد أني مقتول .
قال المجلسي : . . . قالت أم كلثوم : فجئت إلى أخي الحسن فقلت يا أخي : قد كان من أمر أبيك الليلة كذا وكذا ، وهو قد خرج في هذا الليل الغلس فألحقه ، فقام الحسن بن علي وتبعه ، فلحق به قبل أن يدخل الجامع فقال يا أباه : ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه ؟ فقال : يا حبيبي ويا قرة عيني خرجت لرؤيا رأيتها في هذه الليلة أهالتني وأزعجتني وأقلقتني .
فقال له : خيرا رأيت وخيرا يكون فقصها علي ، فقال : يا بني رأيت كأن جبرئيل قد نزل عن السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها ، وضرب أحدهما على الآخر فصارت كالرميم ، ثم ذرهما في الريح ، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلا ودخله من ذلك الرماد ، فقال : يا أبت وما تأويلها ؟ فقال : يا بني إن صدقت رؤياي فإن أباك مقتول ولا يبقى بمكة حينئذ ولا بالمدينة بيت إلا ويدخله من ذلك غم ومصيبة من أجلي .
فقال الحسن : وهل تدري متى يكون ذلك يا أبت ؟ قال : يا بني إن الله يقول : ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ) ولكن عهد إلي حبيبي رسول الله أنه يكون في العشر الأواخر من شهر رمضان ، يقتلني ابن ملجم المرادي ، فقلت له : يا أبتاه ، إذا علمت منه ذلك فاقتله ، قال : يا بني لا يجوز القصاص إلا بعد الجناية ، والجناية لم تحصل منه ، يا بني لو اجتمع الثقلان الإنس والجن على أن يدفعوا ذلك لما قدروا ، يا بني ارجع إلى فراشك ، فقال الحسن : يا أبتاه أريد أمضي معك إلى موضع صلاتك ، فقال له : أقسمت بحقي عليك إلا ما رجعت إلى فراشك لئلا يتنغص عليك نومك ، ولا تعصني في ذلك ، قال : فرجع الحسن فوجد أخته أم كلثوم قائمة خلف الباب تنتظره ، فدخل فأخبرها بذلك ، وجلسا يتحادثان وهما محزونان حتى غلب عليهما النعاس ، فقاما ودخلا إلى فراشهما وناما .
قال ابن الصباغ : قال الحسن بن علي : قمت ليلا فوجدت أبي قائما يصلي في مسجد داره ، فقال : يا بني أيقظ أهلك يصلون فإنها ليلة الجمعة صبيحة بدر ، ولقد ملكتني نفسي فنمت فرأيت رسول الله فقلت يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك من اللأواء واللدد ، فقال أدع عليهم ، فقلت اللهم أبدلني بهم من هو خير منهم ، وأبدلهم بي من هو شر منهم ، فجاء المؤذن فأذنه بالصلاة فخرج وخرجت خلفه ، فضربه ابن ملجم لعنه الله فقتله .
قال ابن أعثم : فلما كان يوم السابع والعشرين من شهر رمضان خرجت أم كلثوم إلى [ كذا ] عند أبيها ، فقال لها علي : أي بنية ! اخفى عليك الباب ، ففعلت ذلك . قال الحسن : وكنت جالسا على باب البيت فسمعت هاتفا آخر وهو يقول : ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة ) .
قال : سمعت هاتفا آخر وهو يقول : توفى النبي . . . والآن فقد قتل علي بن أبي طالب إذا تضعضع ركن الإسلام ، قال الحسن : فلم أصبر أن فتحت الباب ودخلت ؛ فإذا أبي فارق الدنيا ، فأحضرنا أكفانه .