توبيخه لأهل الكوفة- قال الراوندي : روى [ عن ] الحارث الهمداني قال : لما مات علي ، جاء الناس إلى الحسن بن علي فقالوا له : أنت خليفة أبيك ، ووصيه ، ونحن السامعون المطيعون لك ، فمرنا بأمرك . قال : كذبتم ، والله ما وفيتم لمن كان خيرا مني فكيف تفون لي ؟ ! أو كيف أطمئن إليكم ولا أثق بكم إن كنتم صادقين ؟ فموعد ما بيني وبينكم معسكر المدائن ، فوافوني هناك .
فركب ، وركب معه من أراد الخروج ، وتخلف عنه خلق كثير لم يفوا بما قالوه ، وبما وعدوه ، وغروه كما غروا أمير المؤمنين من قبله . فقام خطيبا وقال : قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي ، مع أي إمام تقاتلون بعدي ؟ ! مع الكافر الظالم ، الذي لم يؤمن بالله ، ولا برسوله قط ، ولا أظهر الإسلام هو ولا بنو أمية إلا فرقا من السيف ؟ ! ولو لم يبق لبني أمية إلا عجوز درداء لبغت دين الله عوجا ، وهكذا قال رسول الله .
ثم وجه إليه قائدا في أربعة آلاف ، وكان من كندة ، وأمره أن يعسكر بالأنبار ولا يحدث شيئا حتى يأتيه أمره . فلما توجه إلى الأنبار ، ونزل بها ، وعلم معاوية بذلك بعث إليه رسلا ، وكتب إليه معهم . إنك إن أقبلت إلي وليتك بعض كور الشام ، أو الجزيرة ، غير منفس عليك ، وأرسل إليه بخمسمائة ألف درهم ، فقبض الكندي - عدو الله - المال ، وقلب على الحسن وصار إلى معاوية ، في مائتي رجل من خاصته وأهل بيته . وبلغ الحسن [ ذلك ] فقام خطيبا وقال : هذا الكندي توجه إلى معاوية وغدر بي وبكم ، وقد أخبرتكم مرة بعد أخرى إنه لا وفاء لكم ، أنتم عبيد الدنيا ، وأنا موجه رجلا آخر مكانه ، وأنا أعلم أنه سيفعل بي وبكم ما فعل صاحبه ، لا يراقب الله في ولا فيكم . فبعث إليه رجلا من مراد في أربعة آلاف وتقدم إليه بمشهد من الناس ، وتوكد عليه ، وأخبره إنه سيغدر كما غدر الكندي ، فحلف له بالأيمان التي لا تقوم لها الجبال إنه لا يفعل . فقال الحسن : إنه سيغدر .
فلما توجه إلى الأنبار ، أرسل معاوية إليه رسلا ، وكتب إليه بمثل ما كتب إلى صاحبه وبعث إليه بخمسمائة ألف درهم ، ومناه أي ولاية أحب من كور الشام ، أو الجزيرة ، فقلب على الحسن ، وأخذ طريقه إلى معاوية ، ولم يحفظ ما أخذ عليه من العهود ، وبلغ الحسن ما فعل المرادي . فقام خطيبا وقال : قد أخبرتكم مرة بعد مرة إنكم لا تفون لله بعهود ، وهذا صاحبكم المرادي غدر بي وبكم ، وصار إلى معاوية .