بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن اعدائهم


الرابع عشر من شهر رمضان سنة 67 هـ استشهاد المختار بن ابي عبيد الثقفي (رض) الاخذ بثأر الامام الحسين (ع)



هو المختار بن ابي عبيد بن مسعود الثقفي وكنيته ابا اسحاق ..

كان والده أبو عبيد يتنوّق في طلب النساء ، فذكر له قومه نساء فأبى أن يتزوج منهن ، فأتاه آتٍ في منامه فقال له : تزوج دومةَ الحسناء الحومة ، فما تسمع فيها للائمٍ لومة . فأخبر أهله ، فقالوا له : قد أُمِرت فتزوج دومة بنت وهب بن عمرو .. فلما حملت بالمختار قالت : رأيت في النوم قائلاً يقول :


أبْشِـري بالولَـدْ أشبه شيءٍ بالأسدْ
إذا الرجالُ في كَبِدْ تقاتلـوا على بَلَـدْ
كان له الحَظُّ الأشدّْ

وكان مولده في عام الهجرة ، في الجزيرة العربية ، مدينة الطائف . فإذا ترعرع حضر مع أبيه وقعة قس الناطف وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمه . فنشأ مقداماً شجاعاً ، يتعاطى معالي الأمور ، وكان ذا عقلٍ وافر ، وجوابٍ حاضر، وخِلالٍ مأثورة، ونفسٍ بالسخاء موفورة، وفطرةٍ تُدرك الأشياء بفراستها، وهمّةٍ تعلو على الفراقد بنفاستها، وحَدَسٍ مُصيب، وكفٍّ في الحروب مُجيب.. مارسَ التجاربَ فحنكَته ، ولابَسَ الخطوبَ فهذبَته .


وينهض الشباب بالمختار، فتعرَف فيه شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم، ويُسمَع منه ويُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدي أحياناً، وهذا أشدّ ما تخشاه السلطات الأُمويّة ، فتُلقي القبضَ عليه وتودعه في سجن عبيد الله بن زياد في الكوفة ، تمهيداً لتصفية القوى والشخصيات المعارضة ، والتفرّغ لإبادة أهل البيت النبوي بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع .


وتقتضي المشيئة الإلهية أن يلتقي المختار في السجن بمِيثم التمار ، فيبشره هذا المؤمن الصالح الذي نهل من علوم إمامه علي أمير المؤمنين عليه السلام ، فيقول للمختار : إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام ، فتقتل هذا الجبارَ الذي نحن في سجنه ( أي ابن زياد ) ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخديه


ولم تطل الأيّام حتّى دعا عبيدالله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله ، وإذا بالبريد يطلع بكتاب يزيد بن معاوية إلى ابن زياد يأمره بتخلية سبيل المختار ، وذلك أنّ أخت المختار كانت زوجة عبدالله بن عمر ، فسألت زوجها أن يشفع لأخيها إلى يزيد، فشفّع فأمضى يزيد شفاعته ، فكتب بتخلية سبيل المختار على البريد.. فوافى البريد وقد أخرج المختار ليُضرَبَ عنقه ، فأطلِق!


اقول الاثمة (ع) فيه :



1 ـ قال الإمام الصادق (عليه السلام) : « ما امتشطت فينا هاشمية ولا اختضبت ، حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين (عليه السلام) »
2 - قال الإمام الباقر(عليه السلام) : « لا تسبّوا المختار ، فإنّه قتل قتلتنا ، وطلب بثأرنا ، وزوّج أراملنا ، وقسّم فينا المال على العسرة »

3 - قال عمر بن علي بن الحسين : « إنّ عليّ بن الحسين (عليهما السلام) لما أُتي برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد ، فخر ساجداً وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثاري من أعدائي ، وجزى الله المختار خيراً » .

4 - روى الأصبغ بن نباتة ، قال : رأيت المختار ( وهو طفل ) على فَخذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو يمسح رأسه ويقول : ياكيس ، ياكيس .

5 - وحين بعث المختار برأس عمر بن سعد .. دعا محمد بن الحنفية قائلاً : اللهم لا تنسَ هذا اليومَ للمختار ، واجزه عن أهل بيت نبيك محمدٍ خيرَ الجزاء .. فو اللهِ ما على المختار بعد هذا من عتب !



ثورته (رض) :








أوجدت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ردود فعل كبيرة في صفوف الأُمة الإسلامية ، فتوالت الحركات الثورية مقاومة التسلّط البغيض للزمرة الظالمة الأُموية ، وعلى إضعافها .
فحدثت ثورة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي ، والمسيّب بن نجبة الفزاري بالكوفة ، ورفعوا شعار التوبة والتكفير لتخلّفهم عن نصرة الإمام الحسين (عليه السلام) ، ثم وقعت ثورة المختار الثقفي تحت شعار : « يا لثارات الحسين »




فأخذ المختار يقتل كل من اشترك في قتل الإمام الحسين (عليه السلام) من أهل الكوفة .



حرقه لحرملة بن كاهل الاسدي (عليه لعائن الله) :



قال المنهال : « دخلت على عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قبل انصرافي من مكّة ، فقال لي : يا منهال ، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعا ثم قال (عليه السلام) : اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ النار
قال المنهال : فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، وكان صديقاً لي ، فركبت إليه ولقيته خارجاً من داره ، فقال : يا منهال ، لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئنا بها ولم تشركنا فيها ؟! فأعلمته أنّي كنت بمكة، وأنّي قد جئتك الآن
وسايرته ونحن نتحدث حتّى أتى الكناسة ، فوقف وقوفاً كأنّه ينظر شيئاً ، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجه في طلبه ، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون ، حتّى قالوا : أيها الأمير البشارة ، قد أُخذ حرملة بن كاهل !
فما لبثنا أن جيء به ، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي مكّنني منك ، ثمّ قال : النار النار ، فأتي بنار وقصب ، فأُلقي عليه فاشتعل فيه النار
قال المنهال : فقلت : سبحان الله! فقال لي : يا منهال ، إنّ التسبيح لحسن ، ففيم سبحت ؟ قلت : أيها الأمير ، دخلت في سفرتي هذه ـ وقد كنت منصرفاً من مكّة ـ على عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فقال لي : يا منهال ، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعا فقال : اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللّهمّ أذقه حرّ النار .
فقال لي المختار : أسمعت عليّ بن الحسين يقول هذا ؟! فقلت : والله لقد سمعته يقول هذا . فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود ، ثمّ ركب وقد احترق حرملة .



ارساله جيشا لمقاتلة عبيدالله بن زياد (عليه لعائن الله) :








شيع المختار إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد الله بن زياد ، فقال له إبراهيم : اركب رحمك الل ه، فقال المختار : إنّي لأحتسب الأجر في خطاي معك ، وأحبّ أن تغبر قدماي في نصر آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ثم ودّعه وانصرف ، فسار ابن الأشتر إلى المدائن يريد ابن زياد ، ثم نزل نهر الخازر بالموصل شمال العراق ، وكان الملتقى هناك، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم : يا أهل الحقّ وأنصار الدين ، هذا ابن زياد قاتل الحسين بن عليّ وأهل بيته (ع) ، قد أتاكم الله به وبحزبه حزب الشيطان ، فقاتلوهم بنيّة وصبر ، لعلّ الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم .
وتزاحفوا ، ونادى أهل العراق : يا لثارات الحسين ، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة ، وحمل ابن الأشتر يمينا فخالط القلب ، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم ، فانجلت الغمّة وقد قتل عبيد الله بن زياد ، والحصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وأعيان أصحابهم .
وأمر إبراهيم بن الأشتر أن يطلب أصحابه ابن زياد ، فجاء رجل فنزع خفّيه وتأمّله ، فإذا هو ابن زياد على ما وصف ابن الأشتر ، فاجتز رأسه ، واستوقدوا عامة الليل بجسده ، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر برأس ابن زياد ورؤوس أعيانه إلى المختار
فجاؤوا بالرؤوس والمختار يتغدّى ، فأُلقيت بين يديه ، فقال : الحمد لله رب العالمين ! فقد وضع رأس الحسين بن عليّ (عليهما السلام) بين يدي ابن زياد لعنه الله وهو يتغدّى ، وأُتيت برأس ابن زياد وأنا أتغدّى .
فلمّا فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ، ثمّ رمى بالنعل إلى مولى له وقال له : اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر .
ثمّ بعث المختار برأس ابن زياد إلى محمّد بن الحنفية وإلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، فأُدخل عليه وهو يتغدّى ، فقال (عليه السلام) : أُدخلت على ابن زياد ـ أي حينما أُسر وجيء به إلى الكوفة ـ وهو يتغدّى ، ورأسُ أبي بين يديه ، فقلت : اللّهمّ لا تمتني حتّى تريني رأس ابن زياد وأنا أتغدّى ، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي .



قتله لعمر بن سعد بن ابي وقاص (عليه لعائن الله) :








كان المختار قد سُئل في أمان عمر بن سعد ، فآمنه على شرط إلا يخرج من الكوفة ، فإن خرج منها هدر دمه
فقال رجل لعمر بن سعد : إنّي سمعت المختار يحلف ليقتلن رجلاً ، والله ما أحسبه غيرك ! فلما سمع ذلك خرج عمر حتّى أتى الحمّام ـ الذي سُمّي فيما بعد بحمّام عمر ـ فقيل له : أترى هذا يخفى على المختار ! فرجع ليلاً ، ثمّ أرسل ولده حفصاً إلى المختار الذي دعا أبا عمرة وبعث معه رجلين ، فجاؤوا برأس عمر بن سعد ، فتأسّف حفص وتمنّى أن يكون مكان أبيه ، فصاح المختار : يا أبا عمرة ، ألحقه به . فقتله
فقال المختار بعد ذلك : عمر بالحسين ، وحفص بعليّ بن الحسين ـ أي علي الأكبر ـ ولا سواء !
واشتدّ أمر المختار بعد قتل ابن زياد ، وأخاف الوجوه ، وكان يقول : لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن عليّ (عليهما السلام) وأهل بيته ، وما من ديني أترك أحداً منهم حياً .
وقال : أعلموني مَن شرك في دم الحسين وأهل بيته (عليهم السلام) ، فلم يكن يأتونه برجل فيشهدون أنّه من قتلة الحسين أو ممن أعان عليه ، إلا قتله .



شهادته (رض) :

استشهد (رض) في 14 شهر رمضان سنة 67 ﻫ ، بعدما قاتل مصعب بن الزبير وجيشه أشدّ قتال ، حيث بعثه أخوه عبد الله بن الزبير إلى العراق للإنتقام من المختار ، فأحاط مصعب وجيشه بقصر الأمارة - الذي كان يسكنه المختار – لمدة 40 يوماً حتى نفذ ما في القصر من طعام وشراب حتى اضطر المختار الخروج ومن معه واستسلم للموت وقتلوه وقطعوا كفيه وعلقوها على مسجد الكوفة ، ودفن في الزاوية الشرقية بجنب الحائط القبلي لمسجد الكوفة ، بجوار مرقد مسلم بن عقيل (عليه السلام) ، وقبره معروف يُزار .









المصادر :



1- بحار الأنوار الجزء 45




2- اختيار معرفة الرجال 1/341