جريمة العدوان
نصت الفقرة الاولى من المادة (5) من النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية على انه (( يقتصر اختصاص المحكمة على اشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي بأسره، وللمحكمة بموجب هذا النظام الاساسي اختصاص النظر في الجرائم الاتية:
جريمة الابادة الجماعية.
الجرائم ضد الانسانية.
جرائم الحرب.
جريمة العدوان )).
وقد بين النظام الاساسي للمحكمة المقصود بالجرائم الثلاث الاولى من النص الا انه أجل اختصاص المحكمة في النظر في الجريمة الرابعة ( جريمة العدوان )، بحجة الاتفاق على تعريفها.
وفي ذلك نصت الفقرة (2) من المادة (5) من النظام الاساسي للمحكمة على (( تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين 121، 123 يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة )).
ويبدو من ذلك ان النظام قد اجل اختصاص المحكمة في جريمة العدوان حتى يتم الاتفاق على تعريف للعدوان ويتم بعد ذلك تعديل النظام الاساسي وفقاً للمادتين 121، 123 الخاصة باتفاق الدول الاطراف على تعريف محدد لهذه الجريمة واجراء التعديل وفقاً للاجراءات المنصوص عليها في المواد اعلاه. الا ان ذلك لا ينفي ان هذه الجريمة هي من اقسى واخطر الجرائم الدولية المرتكبة، بل ان الجرائم الدولية الاخرى غالباً ما تكون نتائج متفرعة من هذه الجريمة، مما يستلزم تحديد مضمونها وفرض العقاب المستحق بمرتكبيها.
ومن الجدير بالذكر ان تعريف جريمة العدوان لم يجمع على تحديده رغم المحاولات الكثيرة في هذا الشأن. ففي عهد عصبة الامم المتحدة لم تعرف العصبة جريمة العدوان الا انها ميزت بين الحرب العدوانية والحرب غير العدوانية، فمبوجب نصوص عهد العصبة لا تعد حرباً عدوانية اذا شنتها دولة طرف في نزاع ضد طرف آخر وكانت الدولة الاولى قد سبق ان قبلت حكم محكمة العدل الدولية الدائمة أو قرار التحكيم أو توصية، وبذلك فان عصبة الامم لم تعرف العدوان الا انها عرفت الحرب العدوانية.
وبقيام الامم المتحدة اخذت محاولات وضع تعريف للعدوان تتزايد، رغم ان ميثاق الامم المتحدة جاء خالياً من تعريف له، ففي عام 1953م قدم الاتحاد السوفيتي الى الجميعيه العامة مشروعاً لتعريف العدوان. شكلت الجميعة على اثره لجنة من 19 عضواً لدارسة المشروع وقدمت اللجنة تقريرها في عام 1957م الا ان ردود الدول حول المشروع كانت ضعيفة ولم تؤدي الى وضع هذا التعريف.
وتكررت المحاولات ففي عام 1968م اصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 2330/22 الخاص بتشكيل لجنة من 35 عضواً لدارسة مسألة تعريف العدوان وقدمت اللجنة ثلاثة مشاريع في هذا الخصوص .
وفي عام 1974م أصدرت الجمعية العامة قرارها المرقم 3314 الخاص بتعريف العدوان والذي جاء في المادة الاولى منه (( ان العدوان هو استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد دولة اخرى أو سلامتها الاقليمية أو استقلالها السياسي او باية صورة اخرى تتنافى مع ميثاق الامم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف )). لم يكتف قرار الجمعية العامة بتعريف العدوان وانما ذكر افعالا قال ان كلا منها يكيف بانه فعل عدواني ، حيث نصت المادة (7) من التعريف على تكييف الافعال الاتية بانها عدوانية :
أ.غزو او مهاجمة اراض دول ما عن طريق القوات المسلحة لدولة اخرى او احتلال عسكري مهما يكن مؤقتا ، ناجم عن مثل هذا الغزو او المهاجمة او أي ضرر باستخدام القوة ، لأراض دولة اخرى او جزء منها .
ب.قصف اراضي دولة اخرى عن طريق القوات المسلحة لدولة ما او استخدام اية اسلحة من جانب دولة ما ضد اراضي دول اخرى .
ج.حصار موانئ او سواحل دولة ما عن طريق القوات المسلحة لدولة اخرى .
د. أي هجوم تقوم به القوات المسلحة لدولة ما على القوات البرية او البحرية او الجوية ، او على الاساطيل البحرية او الجوية لدولة اخرى .
هـ. استخدام القوات المسلحة لدولة ما الموجودة داخل اراضي دولة اخرى بموافقة الدولة المستقبلة ، على نحو يناقض الشروط المنصوص عليها في الاتفاق او أي مد لوجودها الى ما بعد انتهاء الاتفاق .
و.تصرف دولة ما بالسماح باستخدام اراضيها التي وضعتها تحت تصرف دولة اخرى من جانب تلك الدولة الاخرى لارتكاب عدوان ضد دولة ثالثة .
ز.ارسال عصابات او جماعات او جنود غير نظاميين او مرتزقة مسلحين من جانب دولة او نيابة عنها ، ينفذون اعمالا ينطوي عليها استخدام القوة المسلحة ضد دولة اخرى وعلى درجة من الخطورة بحيث ترقى الى مصاف الافعال المذكورة في اعلاه او مشاركتها في ذلك .
وقد عدت المادة (3) من القرار المذكور هذه الافعال عدوانية ((بغض النظرعما اذا كان يوجد اعلان للحرب)) ، هذا يعني ان معيار الاسبقية في استخدام القوة المسلحة سيؤخذ به في تكييف أي فعل من هذه الافعال ، كما ستبقى لمجلس الامن صلاحية عدم عد هذه الافعال عدوانية في ضوء الظروف الواقعة فيها
هذا وقد نصت المادة (4) من التعريف على (لمجلس الامن ان يقرر بان افعالا اخرى تؤلف عدوانا بموجب نصوص الميثاق .
ومن المهم القول بان ميثاق المحكمة العسكرية لنورمبرغ عام 1945م ذهب الى اعتبار العدوان جريمة دولية ورتب على ذلك المسؤولية الجنائية للافراد المسؤولين عن التحضير لحرب عدوان أو شنها فضلاً عن المسؤولية الدولية للدولة. كما وصف مشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الانسانية في المادة (16) منها العدوان بانه جريمة دولية وادرجتها ضمن الجرائم الواردة فيها وتبنت القرار رقم 33314 لعام 1974م.
الا ان كثير من الدول لم تقبل ادراج العدوان كجريمة دولية ضمن النظام الاساس للمحكمة الدولية الجنائية على اساس عدم وجود تعريف محدد للعدوان والافعال المكونة له ولعل اشد المعارضين لذلك تمثل في دولتي الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل.