حصانة الرؤساء من المسؤولية
درجت التشريعات الجنائية الوطنية في مختلف الدول على النص على خضوع جميع الاشخاص على اقليم الدولة الى احكام قانون العقوبات لتلك الدول ولاختصاصها القضائي سواء اكان هؤلاء وطنيين يحملون جنسيتها أو مقيمين تطبيقاً لمبدأ اقليمية القانون الجنائي.
غير ان هذا المبدأ لا يسري بشكل مطلق وانما يخضع الى بعض الاستثناءات ومنها ما ينصرف الى مسؤولية الرؤساء عن بعض الجرائم التي قد يرتكبونها وفق ما يمكن تسميته بالحصانة.
والحصانة Impunity أو Immunity يقصد بها اعفاء بعض الاشخاص أو الاموال من تطبيق القواعد العامة عليهم في المسائل القضائية والمالية. () ، وفي القانون الدولي يقصد بالحصانة الدبلوماسية، مجموع الامتيازات التي تتعلق بحرية الممثلين السياسيين الأجانب، ومفادها انهم لا يخضعون مبدئيا لقضاء البلاد الذين يقيمون فيها، بل يظلون خاضعين لحكوماتهم وقضاء وطنهم.() والحصانة نظام دولي تقليدي يتم من خلاله تحصين أشخاص معينين وهم (رؤساء الدول والحكومات والوزراء والكادر الدبلوماسي الموجود في الدولة المضيفة) من المقاضاة أمام المحاكم الأجنبية(). ويقرر التشريع الوطني إعفاء هؤلاء من الخضوع للقضاء الجنائي عن الأفعال التي يرتكبونها، رغم توافر الصفة الجرمية لما يأتونه من الأفعال().
وفي ذلك استثنى المشرع الجنائي العراقي في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 بعض الاشخاص من الخضوع لنصوص القانون الوطني، ويعود استثناؤهم هذا اما الى نصوص القانون الجنائي الداخلي أو الى العرف الدولي أو الاتفاقيات الدولية. وفي ذلك جاء في المادة 11 من قانون العقوبات العراقي (( لا يسرى هذا القانون على الجرائم التي تقع في العراق من الاشخاص المتمتعين بحصانة مقررة بمقتضى الاتقاقيات الدولية أو القانون الدولي أو القانون الداخلي )
الحصانة المقررة بموجب التشريع الداخلي
تنص الدساتير في كثير من الدول على اعفاء بعض الاشخاص من المسؤولية المترتبة على افعالهم، لاعتبارات يرجعها غالباً الى (( مقتضيات المصلحة العامة)) مما يترتب عليه انه لا يمكن محاكمة هؤلاء على أي جريمة قد يرتكبونها على اقليم الدولة لعدم خضوعهم الى الاختصاص القانوني والقضائي فيها.
ومن ذلك ما جاء في الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 في المادة 68 منه والتي كفل فيها حصانة مطلقة لرئيس الجمهورية فيما يتصل بالاعمال التي يقوم بها اثناء إدائه لواجباته إلا في حالة الخيانة العضمى ووفقاً لأليات محددة.
كذلك تنص المادة 88 من الدستور البلجيكي على ان يتمتع الملك بحصانة مطلقة تشمل كافة تصرفاته خلال اداء وظائفه كما قرر الدستور البلجيكي في المواد 58 و 120 منه حصانة أعضاء البرلمان وعدم جواز ملاحقتهم بسبب تصويتهم أو الآراء التي يبدونها خلال ادائهم لمهام وظائفهم.
وقد فسر مجلس الدولة في بلجيكا بان انعدام المسؤولية وفقاً لهذا النص يستتبع تعليقاً عاماً ومستمراً لقواعد القانون الجنائي والمسؤولية المدنية ازاء كافة الاعمال التي يقوم بها عضو مجلس النواب او الشيوخ خلال ممارسته لمهام منصبه والتي قد تتضمن انتهاكات وجرائم خطيرة. ()
اما في العراق فقد نص الدستور العراقي المؤقت لعام 1970 على تمتع رئيس مجلس قيادة الثورة، ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة واعضاء المجلس بالحصانة التامة تجاه قانون العقوبات.
وفي ذلك جاءفي المادة ( 40 ) من الدستور (( يتمتع رئيس مجلس قيادة الثورة ونائبه والاعضاء بحصانة تامة، ولا يجوز اتخاذ أي اجراء بحق أي منهم الا بأذن مسبق من المجلس )).
في حين استثنت المادة (45) من الدستور ذاته من نص المادة السابقة، مسؤولية رئيس ونائب رئيس واعضاء مجلس قيادة الثورة امام المجلس، عن خرق الدستور أو عن الحنث بموجبات اليمين الدستورية او عن أي عمل او تصرف يراه المجلس مخلاً بشرف المسؤولية التي يمارسها، ويكون ذلك طبقاً لقواعد يضعها المجلس حول تشكيل المحكمة والاجراءات الواجب اتباعها.
كما منحت المادة (50) من الدستور ذاته اعضاء المجلس الوطني حصانة تجاه قانون العقوبات بالنسبة الى الجرائم الناتجة عما يبدونه من آراء ومقترحات اثناء ممارستهم مهام وظائفهم، كما لا يجوز ملاحقة أي عضو من اعضاء هذا المجلس أو القاء القبض عليه عن أي جريمة ارتكبها اثناء دورات الانعقاد بدون اذن من المجلس، ما لم يرتكب العضو جريمة من نوع الجنايات ويضبط متلبساً بارتكابها.
اما في ظل الدستور العراقي الصادر عام 2005 فلم نجد ما يشير الى حصانة رئيس الجمهورية من احكام القانون الجنائي العراقي ولعل ذلك عائد الى الصلاحيات المحدودة التي يتمتع بها في ظل النظام البرلماني الجديد، غير ان المشرع الدستوري قد افرد اجراءات خاصة لمسائلة الرئيس واعفائه من منصبه من خلال مجلس النواب اذا ما ثبتت ادانته من المحكمة الاتحادية العليا في احد الجرائم الاتية (الحنث باليمين الدستورية انتهاك الدستور. الخيانة العضمى). (المادة 58 / سادساً).
ونرى ان في ذلك نقص تشريعي يتمثل في عدم تحديد المركز القانوني لرئيس الدولة,
فما سيكون عليه الحال في حالة ارتكاب الرئيس جناية لا تدخل في ضمن الحالات الثلاث السابقة، هل سيستمر في ادائه عمله ويتمتع بالحصانة ام يعامل معاملة المواطن العادي وفي الحالتين يجب ايراد نص بذلك.
ونرى من جانبنا عموما ان مسؤولية الرئيس عن الحالات الوادرة في المادة 58 من الدستور هي مسؤولية سياسية، يترتب على ثبوت ارتكابها اعفائه من منصبه، اما اذا ارتكب جريمة اخرى فليس في الدستور ما يمنع من مسائلته امام القضاء الجنائي الداخلي، واذا ما ترتب على ايقاع العقوبة بحقه عن تلك الجرائم تعذر ادائه وظيفته فأنه يتم اعمال النص الدستوري القاضي بانتخاب رئيس جديد لاكمال المدة المتبقية من ولاية الرئيس وفقاً لاحكام الدستور.
اما فيما يخص اعضاء مجلس النواب، فقد نصت المادة (60) من الدستور على تمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من آراء في اثناء دورة انعقاد المجلس، ومنعت مقاضاته امام المحاكم بهذا الخصوص.
كما منع هذا النص القضاء من القبض على عضو المجلس خلال مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الاعضاء بالاغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه، أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهودة في جناية.
اما خارج الفصل التشريعي فلا يجوز القاء القبض على عضو مجلس النواب الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، أو اذا ما ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية.
الحصانة التي يقررها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية
يراد بالحصانة في القانون الدولي مجموع الامتيازات التي تتعلق بحرية الممثلين السياسين الاجانب، ومفادها انهم لا يخضعون مبدئياً لقضاء البلاد التي يقيمون فيها، بل يظلون خاضعين الى حكوماتهم وقضائهم الوطني. () والحصانة نظام دولي تقليدي يتم من خلاله تحصين اشخاص معينين وهم ( رؤساء الدول والحكومات والوزراء والكادر الدبلوماسي الموجود في الدولة المضيفة، من المقاضاة امام المحاكم الاجنبية. ()
اولاً: رؤساء الدول الاجنبية
تقضي قواعد القانون الدولي باعفاء رؤساء الدول، ملوكاً أو رؤساء جمهوريات أو سلاطين أو أياً كانت التسمية التي تطلق عليهم، من الخضوع الى القانون الجنائي في الدولة التي يتواجدون فيها عن أي جريمة قد ارتكبوها ويتم اعفائهم اعفاءً مطلقاً سواء أكان تواجدهم بشكل رسمي أو متنكرين أو تحت اسم مستعار كما درجة العمل على ان يشمل هذا الاعفاء افراد الرئيس ومرافقيه وخدمة المتواجدين معه على اقليم الدولة.
ويرجع هذا الاعفاء الى المكانة السامية التي يتمتع بها الرئيس الدولة في دولته ولتمثيله دولة ذات سيادة، ولما قد يجره الخضوع الى المسائلة في دولة اخرى من مساس بسيادة الدولة التي يمثلها.
ثانيا:- المعتمدون السياسيون
درج العرف الدولي والاتفاقيات الدولية على عدم اخضاع المعتمدون الساسيون في الدول التي يباشرون عملهم فيها الى القانون الجنائي السائد في تلك الدول بصورة مطلقة وعن جميع الجرائم التي قد يرتكبها سواء اتصل الفعل بعملهم الرسمي أو لم يكن متصلاً به. ()
غير ا ن ذلك لا يعني ان يتخلص المعتمدون السياسيون من العقاب عن جرائمهم فقد استقر العمل في القوانين الجنائية السائدة في مختلف الدول على ان يختص التشريع الجنائي في الدولة التي يمثلها المعتمد بمعاقبته عن الجرائم التي ارتكبها خارج الدولة.
وقد أشار قانون العقوبات العراقي في المادة ( 12) منه الى ذلك فقد ورد (( 1- يسري هذا القانون على كل من ارتكب في الخارج من موظفي الجمهورية أو المكلفين بخدمة عامة عامة لها اثناء تأدية اعمالهم أو بسببها جناية أو جنحة مما نص عليه في هذا القانون. 2- ويسري كذلك على من ارتكب في الخارج من موظفي السلك الدبلوماسي العراقي جناية أو جنحة مما نص عليه في هذا القانون ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم اياها القانون الدولي العام. )).
ونرى ان هذا الاجراء يضمن عدم افلات المتمتعين بالحصانة من جرائمهم كما يضمن في الوقت ذاته حرية ادائهم لمهامهم في تمثيل دولهم دون ضغوط أو تأثيرات. ومن المهم القول ان هذه الحصانة تشمل كل من تمتع بصفة التمثيل الساسي لبلاده مهما كان اللقب الذي يحمله، كما يسري الاعفاء على زوجته واولاده وافراد اسرته المقيمين معه وخدمة الخصوصيين.
كما يشمل الاعفاء من الخضوع الى القانون الجنائي للدولة الموفدون اليها من الدول الاخرى لحضور الحفلات والاعياد، وكذلك مندوبو الدولة في الهيئات الدولية الدائمة، كهيئة الامم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، وجامعة الدول العربية.()
ثالثاً:- القوات العسكرية الاجنبية.
لا تخضع القوات العسكرية الحربية الاجنبية المتواجدة في الدولة بأذن او موافقة منها الى قانونها الجنائى، سواء اكانت هذه القوات برية أو بحرية أو جوية. على اعتبار انها تمثل سيادة الدولة التي تتبعها، كما ان النظام العسكري يقتضي خضوع افراد القوات العسكرية الى قادتهم العسكريين.
ومع ذلك فإن هذا الاعفاء لا يتم الا في حالات ثلاث هي:
وقوع الجريمة اثناء قيام العسكريين بعملهم الرسمي.
وقوع الجريمة اثناء وجود العسكريين في الصفوف.
وقوع الجريمة داخل المعسكرات أو مناطق العمليات.
اما اذا ارتكب احد افراد القوات المسلحة الجريمة في غير الحالات السابقة فانه يخضع الى القانون الجنائي للدولة التي يتواجد على اقليمها ويخضع الى اختصاص قضائها الجنائي.
منقول