نطاق ومجال القانون التجاري :
اختلف كثير من الفقهاء فيتحديد نطاق القانون التجاري وكان هذا الاختلاف عن عمد وذلك لانتماء كل فريق منهم إلى نظرية معينة دون غيرها وكان نتيجة هذا الاختلاف أن ثار التساؤل، هل القانون التجاري هو قانون التجار ؟ أم هو القانون الذي يحكم الأعمال التجارية ؟ ويمكن ردالآراء التي قال بها الفقهاء إلى نظريتين، الأولى وهي النظرية الموضوعية Théorie Objective والثانية هي النظرية الشخصية Théorie Subjective وسنتناولهما فيما يلي :
ـ أولا ـ النظرية الموضوعية : (*1)
وفحوى هذه النظرية عند القائلين بها، أنالقانون التجاري تحدد دائرته بالأعمال التجارية
Actes de Commerce
وتطبق أحكامهعلى هذه الأعمال دون ارتباط بشخص القائم بها سواء كان يحترف التجارة أو لا يحترفولكن العبرة بموضوع النشاط الذي يمارسه الشخص وحتى ولو قام به مرة واحدة، أما إذااستمر الشخص في مزاولة النشاط على سبيل الاحتراف فإنه يكتسب صفة التاجر، وهي صفة لايعترف بها القانون طبقا لمفهوم هذه النظرية، إلا لإخضاع التاجر لالتزامات معينةكالقيد في السجل التجاري والخضوع للضرائب التجارية وإمساك الدفاتر التجارية وشهرالإفلاس. (*2)



وكانت الدوافع التي أدت للقول بهذه النظرية لهاجانبين في نظر القائلين بها، الأول جانب فني يستند إلى نص المادتين 637 - 631 منالقانون التجاري الفرنسي، وتقضي المادة 631 من القانون المذكور على عقد الاختصاصبالمحاكم التجارية بالنظر في المنازعات الخاصة بالمعاملات التجارية.
دون أنتحدد هذه المعاملات وأنواعها على سبيل الحصر وكذلك ما قضت به المادة 638 من ذاتالقانون على أن المحاكم التجارية لا تختص بنظر المنازعات المرفوعة على التجار بسببتعاقداتهم الخاصة أو شرائهم أشياء لاستعمالهم الخاص بعيدا عن نشاطهم التجاري.
ـوكان تفسير هذه النصوص في نظر القائلين بالنظرية الموضوعية يوحي بأن العمل التجاري،دون سواه، هو معيار تحديد نطاق القانون التجاري.
ـ أما عن الجانب الثاني فهو ذوصيغة سياسية، لما تؤدي إليه النظرية الموضوعية من تدعيم لمبدأ الحرية الاقتصاديةالذي يتميز بالقضاء على نظام الطوائف الذي كان سائدا في العصور السابقة، وطالما كانحائلا يعوق ازدهار التجارة وتقدمها، بسبب منع هذا النظام لغير طائفة التجار مباشرةالأعمال التجارية. (*1)

ـ ثانيا ـ النظرية الشخصية : (*2)
ويرىالقائلون بهذه النظرية، أن نطاق القانون التجاري يتحدد تحديدا شخصيا، حيث أن أصلهقانون مهني، ينظم نشاط من يحترفون مهنة التجارة دون سواهم، ولذلك فإنه وفقا لهذهالنظرية يجب تحديد المهن التجارية على سبيل الحصر بحيث يعتبر القانون كل من احترفمهنة تجارية يعتبر تاجرا، يخضع في نشاطه للقانون التجاري، وعلى ذلك فإن عنصرالاحتراف في مفهوم هذه النظرية يعتبر المعيار الذي يحدد نطاق القانون التجاري.

وقد يكون عنصر الاحتراف مطاطا في مفهومه وتحديده، لذلك لجأت بعض القوانينكالقانون الألماني باشتراط القيد في السجل التجاري كشرط لازم ولاكتساب صفة التاجرأنظر أكثم أمين الخولي المرجع السابق صفحة 7 حيث يقول " ويظهر طابع الشخص للقانونالألماني هنا في أن أعمال هذا الفريق من التجار، ويسمون التجار بالقيد في السجلالتجاري في مباشرة حرفتهم لا تعتبر تجارية ولا تخضع للقانون التجاري إلا لصدورهاممن قيد في سجل بحيث تكون مدينة لو صدرت من شخص غير مقيد.
ويبرر أنصار هذهالنظرية رأيهم في أن القانون التجاري في أصل نشأته يرجع إلى العادات والقواعدوالنظم التي ابتدعها وطبقها أصحاب الحرف التجارية الأمر الذي أصبح به القانونالتجاري قانونا مهنيا وأنه على الرغم من إلغاء نظام الطوائف، وانتشار مبدأ الحريةالاقتصادية الذي يعني الحق لكل شخص في مزاولة ما يشاء من النشاط إلا أن القواعدالتجارية ظلت مستقرة كما كانت عليه في مجتمع التجار الطائفي وكذلك أبقت التشريعاتالحديثة على المحاكم التجارية تزاول اختصاصها في الفصل في المنازعات التجارية دونسواها.
*
موقف القانون الجزائري :
إذا نظرنا إلى القانون الجزائري الصادربالأمر رقم 59 لسنة 1975 نجد أن المادة الأولى منه تنص على أن " يعد تاجرا كل منيباشر عملا تجاريا ويتخذه حرفة معتادة له " وقضى في المادة الرابعة بأن " يعد عملاتجاريا بالتبعية، تلك الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة التجارة أوحاجات متجرة والالتزامات بين التجار ".
وعلى الرغم من أن المشرع الجزائري أخذهذين النصين بالنظرية الشخصية إلا أنه لم يلبث أن أخذ بالنظرية الموضوعية حين عددالأعمال التجارية بحسب موضوعها في المادة الثانية، والأعمال التجارية بحسب الشكل فيالمادة الثالثة.
وفضلا عن أن المشروع الجزائري حدد في هذه المواد الأربع مجالونطاق تطبيق القانون التجاري، فإنه نظم بنصوص واضحة الأحكام التي تسري على التجاردون سواهم كمسك الدفاتر التجارية والقيد في سجل التجاري وملاكا ذلك.
ولهذافإننا نرى أن المشرع الجزائري أخذ بمذهب مزدوج، حيث لا نجد قواعده جميعا من طبيعةواحدة، وإنما استلهمت بعض أحكامه النظرية الشخصية، والبعض الآخر اعتنقت النظريةالموضوعية.
ـ ثالثا ـ مصادر القانون التجاري :
كلمة مصدر تعني المنبع بصفةعامة وللقانون عدة مصادر أو منابع استقى منها أساسه هو المصدر الموضوعي أو الماديوالمصدر التاريخي والمصدر الرسمي والمصدر التفسيري ويقصد بالمصدر المادي أوالموضوعي للقانون الظروف الاجتماعية التي استمد منها نشأته على خلاف المصدرالتاريخي الذي يمثل الظروف التاريخية التي تكون عبرها القانون ويقصد بالمصدر الرسميللقانون المصدر الذي تستمد منه القاعدة قوتها الملزمة على خلاف المصدر التفسيريالذي لا يلزم القاضي بالرجوع إليه إنما يلجأ له من قبيل الاستئناس وللقانون التجاريبصفة عامة كبقية فروع القانون عدة مصادر نقتصر منها على المصادر الرسمية والمصادرالتفسيرية وهي الفقه والقضاء باعتبارهما مصدرين تفسيريين يلجأ إليها القاضي إذاأعوزه التشريع ومبادئ الشريعة الإسلامية والعرف.
ـ أولا ـ التشريع :
التشريع يجيء في المرتبة الأولى بين مختلف المصادر وعلى القاضي أن يرجع إليهأولا ولا يرجع إلى غيره من المصادر إلا إذا لم يجد نصا تشريعيا يطبق على الحالةالمعروضة.
ويمثل التشريع كمصدر من مصادر القانون التجاري فيما يلي :
أ) ـالمجموعة التجارية :
ويقصد بها قواعد وأحكام القانون التجاري الصادر عام 1975. (*1)
ب) ـ المجموعة المدنية :
ويقصد بها قواعد وأحكام القانون المدنيالصادر عام 1975.
فالقاعدة الأساسية أن نصوص المجموعة التجارية هي التي تحكمأصلا المواد التجارية على أنه إذا لم يرد في هذه القوانين التجارية نصوص خاصةبعلاقات معينة تعين الرجوع إلى أحكام القانون المدني بإعتباره الشريعة العامة التيتنظم جميع العلاقات سواء كانت تجارية أو مدنية فكما سبق أن ذكرنا تعتبر أحكاموقواعد القانون التجاري استثناء من أصل عام يجب الرجوع إليه في كل حالةلا يحكمهانص خاص وإذا فرض ووجد تعارض بين نص تجاري ونص مدني وجب أن يغلب النص التجاري مهماكان تاريخ نفاده وذلك تطبيقا للقاعدة التفسيرية التي تقضي بأن النص الخاص يغلب علىالنص العام بشرط أن يكون كلا النصين على درجة واحدة فإذا كان أحدهما نصا آمراوالآخر مفسرا وجب الأخذ بالنص الآمر لأنه نص لا يجوز الاتفاق على مخالفته.

ـ ثانيا ـ الشريعة الإسلامية :
اعتبر القانون المدني الجزائري في مادتهالأولى مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرسمي الثاني بعد التشريع وقبل العرف ومعنىذلك أن القاضي وهو يفصل في منازعة تجارية إذا لم يجد حكمها في النصوص التشريعيةفعليه الرجوع إلى مبادئ الشريعة الإسلامية والمقصود بهذه المبادىء القواعد المستقاةمن القرآن الكريم والسنة والإجماع والاجتهاد.
ـ ثالثا ـ العرف :
العرفالتجاري هو ما درج عليه التجار من قواعد في تنظيم معاملاتهم التجارية بحيث تصبحلهذه القواعد قوة ملزمة فيما بينهم شأنها شأن النصوص القانونية وإذا كان التشريعدائما مكتوبا فإن العرف غير مدون كما أن هذا الأخير هو قانون تلقائي لا إرادي علىعكس التشريع الذي يعتبر مصدر إراديا ومقصودا ويبدأ العرف تكوينه عندما يتفق اثنانعلى تنظيم تصرف ما على وجه معين ثم يتبع باقي الأشخاص نفس هذا التنظيم فيما يتعلقبهذا التصرف فترة من الزمن لدرجة أنهم يشعرون بأنه أصبح ملزما لهم دون النص عليه. فهو في الواقع نوع من الاتفاق الضمني على ضرورة إتباع قواعد معينة في حالات معينةعلى أن ذلك لا يعني أن العرف واجب التطبيق إذا ما انصرفت إرادة الأفراد إليه فقط بلإنه واجب التطبيق طالما لم تتجه إرادة المتعاقدين إلى استبعاده حتى ولو ثبت عدم علمالأطراف به.
ذلك لأن العرف يستمد قوته الملزمة من إيمان الجميع به واعتبارهحكما عاما كالتشريع تماما.

ويتمتع العرف في مجال القانون التجاري بمكانه كبيرة عن بقية فروع القانون الآخروذلك رغم ازدياد النشاط التشريعي وازدياد أهميته ذلك أن هذا الفرع من القانون نشأأصلا نشأة عرفية ولم يدون إلا في فترة متأخرة عن بقية فروع القانون .
والعرف قديكون عاما متبعا في الدولة بأسرها وقد يكون محليا ويقع على الخصوم عبء إثبات العرفوقد جرى العمل على استخراج شهادات من الغرف التجارية بوجوده ومن الأمثلة على العرفالتجاري قاعدة افتراض التضامن بين المدينين بديون تجارية إذا تعددوا خلافا للقاعدةالعامة المنصوص عليها في القانون المدني (2/7 مدني جزائري) والتي تقضي بأن التضامنلا يفترض وإنما يكون بناء على اتفاق أو نص في القانون .
يعتبر العرف التجاريتاليا في المرتبة والشريعة الإسلامية بمعنى أنه للقاضي الأخذ به في حالة عدم وجودنص تشريعي أو حكم من الشريعة الإسلامية يحكم العلاقة المعروضة.
وبناءا على ماسبق إذا ما عرض نزاع تجاري، على القاضي الجزائري أن يتبع الترتيب التالي في تطبيقهلقواعد القانون.

1)
ـ النصوص الآمرة الموجودة بالمجموعة التجارية.
2)
ـالنصوص الآمرة الموجودة بالقانون المدني.
3)
ـ مبادئ الشريعة الإسلامية.
4)
ـ قواعد العرف التجاري.
5)
ـ العادات التجارية.
6)
ـ النصوص التجاريةالمفسرة.
7)
ـ النصوص المدنية المفسرة.
أما ما يتفق عليه صراحة أطرافالنزاع فيأتي قبل التشريع أو العرف إن لم يكن حكما آمرا.
*
المصادر التفسيرية :
يقصد بمصادر القانون التفسيرية المصادر التي يتمتع القاضي إزاءها بسلطةاختيارية إن شاء رجع إليها للبحث عن حل النزاع المعروض أمامه دون إلزام عليهبإتباعها فالمصادر التفسيرية على خلاف المصادر الرسمية مصادر اختيارية.
إن شاءرجع إليها للبحث عن حل النزاع أمامه دون إلزام عليه بإتباعها ويعتبر القضاء والفقهمن المصادر التفسيرية.
1
ـ القضاء :
يقصد بالقضاء مجموعة الأحكام الصادرةمن مختلف المحاكم في المنازعات التي عرضت عليها كما يقصد بها مدة الحجية التي تتمتعبها هذه الأحكام وهو ما يطلق عليه السابقة القضائية وهذه الأخيرة تمثل الأحكام التيتصدر في المسائل القانونية الجديدة ذات الأهمية الخاصة والتي لم يرد حلها فيالقانون ويعتبر دور القضاء بالنسبة لهذه السوابق دور خلاق يوسع بمقتضاها نطاق تطبيقالقانون حيث تؤدي إلى حلول لموضوعات مماثلة لما صدرت بشأنها في المستقبل ويلاحظ أندور القضاء في الجزائر كما هو الحال في التشريعات الأوربية حيث يسود فيها التشريعيقتصر على تفسير القاعدة القانونية دون خلقها ذلك أن القضاء لا يعتبر مصدرا للقانونبالمقارنة إلى مصدر التشريع.
فاختصاص القاضي الجزائري هو تطبيق للقانون فيالحالات المعروضة عليه دون أن تكون لأحكامه قيمة القاعدة الملزمة.
ويختلف موقفالقضاء في القانون الإنجليزي والبلاد الأنجلوسكونية بصفة عامة حيث تسود قاعدةالسابقة القضائية والتي بمقتضاها تلزم المحاكم في أحكامها بما سبق أن صدر من جهاتقضائية أخرى سواء كانت أعلى درجة منها أو مساوية لها ويترتب على ذلك اعتبار القضاءوفقا لهذا النظام مصدرا ملزما للقانون.

2
ـ الفقه :
يقصد بالفقه مجموعةآراء الفقهاء في هذا الفرع من القانون بشأن تفسير مواده فالفقهاء يقومون باستنباطالأحكام القانونية من مصادرها بالطرق العلمية نتيجة تكريس جهودهم لدراسة هذا الفرعمن فروع القانون والرأي السائد أن الفقه لا يعتبر مصدرا للقانون حيث تقتصر وظيفتهعلى مجرد شرح القانون شرحا علميا بدراسة النصوص القانونية وما يربطها من صلات ثماستنتاج مبادئ عامة في تطبيقات مماثلة وذلك دون أن يكون مصدرا ملزما للقاضي.
وقد ساعد الفقه كثيرا في تطوير مواد القانون التجاري نتيجة نقد الحلولالقانونية والقضائية وإبراز مزاياها وعيوبها وما بها من تناقض وأدى ذلك إلى سرعةمسايرة مواد القانون للتطور في المواد القانونية.
سنتناول بالبحث الأعمالالتجارية والمحل التجاري والإفلاس والتسوية القضائية و الأوراق التجارية.