تمتد نشأت القانون التجاري إلى زمن بعيد فقد نشأت الأعراف التجارية عند شعوبالبحر الأبيض المتوسط وقدماء المصريين والآشوريين والكلدانيين خاصة في مجال التعاملبالنقد والاقتراض والفائدة واستخدام بعض الصكوك التي تشبه إلى حد ما البوليصةوالسند للأمر ولعل أهم الدلائل على ذلك ظهور عدة قواعد قانونية تجارية في مجموعةحامورابي في عهد البابليين 1000 سنة قبل الميلاد منها ما يتعلق بعقد الشركة وعقدالقرض فلم تكن هذه القواعد سوى تقنين للأعراف التي كانت سائدة آنذاك.
وعرفالفينيقيون والإغريق التجارة خاصة البحرية منها إذ اهتموا بوضع القواعد الخاصةبالتجارة البحرية وتركوا تراثا هاما في ذلك الفرع من القانون مثل الأحكام الخاصةبمبدأ الخسارة المشتركة أو العوار المشترك.
ولا يفوتنا التنويه بدور العرب فيمجال التجارة ابتداء من القرن السابع الميلادي إذ ظهرت أنظمة جديدة في مجال التجارةكشركات الأشخاص ونظام الإفلاس والكمبيالة ( السفتجة ) في عهد الرومان.
لمااتسعت رقعة الإمبراطورية الرومانية وشملت معظم أوروبا وشمال إفريقيا وبعض أجزاءآسيا ظهرت فيها حركة تقنينية واسعة لتنظيم المعاملات بين الأفراد وتحديد الحقوقوالواجبات غير أن هذه التنظيمات الكبيرة لم تكن تحتوي على قواعد وأحكام تجارية رغمظهور كثير من المعاملات التجارية مثل الشركات، كذلك ظهرت أعمال تجارية أخرىكالمصارف بسبب استخدام النقود المعدنية وإمساك الدفاتر التجارية.
ولعل السبب فيعدم إشمال المجموعات المدنية الرومانية لمثل هذه القواعد التي تنظم التجارة هو أنالرومان كانوا يتركون القيام بهذه الأعمال للرقيق والأغراب اعتقادا منهم أنها أعمالدنيا.
على أنه لما اندمج القانون المدني وأصبح هذا الأخير هو الشريعة العامةالتي تطبق على جميع التصرفات القانونية وعلى جميع الأفراد أصبح القانون المدنيالروماني يحتوي على جميع الأحكام والقواعد الخاصة بالتجارة سواء البحرية أو البريةإلى جوار الأحكام المدنية وكانت أحكام هذا القانون تطبق على جميع الرومان دون تفرقةبين تاجر وغير تاجر ذلك أن الرومان كانوا يؤمنون بفكرة قانون موحد يحكم جميعالتصرفات.
غير أنه وفي الفترة ما بين القرن 11 وحتى القرن 16 جاء القانونالتجاري أكثر وضوحا واستقلالا عن القانون المدني وذلك نتيجة زيادة التجارة البريةوالبحرية بسبب الحروب الصليبية في القرن الحادي عشر ويمكن القول أن قواعد القانونالتجاري والبحري قد وصلت في تطورها في هذا العصر إلى مرحلة يمكن اعتبارها أساساللقانون التجاري الحالي ففي إيطاليا وجدت أسواق عالمية لتبادل التجارة ومن ثم نشأتطائفة من الأشخاص في ممارسة هذا النوع من النشاط وخضعت في تنظيم أمورها إلىالتقاليد والعادات التي استقرت بينهم وقامت هذه الطائفة بانتخاب قناصل من كبارالتجار يختصون في الفصل في المنازعات التي تنشأ بين التجار وذلك وفقا للعرفوالعادات والتقاليد التي استقرت بينهم. (*1)
ـ في الفترة ما بين القرن 17 حتىنهاية القرن 18:
أصبح القانون التجاري خلال هذه الفترة قانونا مهنيا خلق بواسطةالتجارة وليطبق على التجار كما تميز القانون التجاري بأنه قانون عرفي وأصبح أيضاقانونا دوليا يطبق خلال هذه الفترة على دول أوروبا الغربية .
أما في العصرالحديث فقد بدأ انتشار التقاليد والعادات في بلاد أوروبا وخاصة المدن الفرنسية كانوباريس ومرسيليا ولما ظهرت الحاجة إلى تقنين هذه العادات والتقاليد في مجموعاتقانونية لتنظيم أعمال هذه الطائفة أصدر الملك لويس الرابع عشر أمرا ملكيا بتقنينالعادات والتقاليد الخاصة في مجموعة مستقلة فصدرت في مارس 1673ـ 1681 وهي خاصةبالشركات والأوراق التجارية والإفلاس ويطلق عليها مجموعة سافاري وتبعتها مجموعةخاصة بالتجارة البحرية وتعتبر هذه الأوامر الملكية مرجعا وافيا للقانون التجاريوالبحري لكثرة ما تناولتها من موضوعات وكان القانون التجاري في أول أمره قانوناشخصيا فكان يعد تاجرا كل من هو مقيد في السجل التجاري وبعد إلغاء نظام الطوائف عقبالثورة الفرنسية 1789 وإعلان مبدأ حرية التجارة تكونت لجنة عام 1801 لوضع مشروعالقانون التجاري على أساس هذه المبادىء الجديدة فأخد القانون التجاري طابعا موضوعياحيث وضعت فكرة العمل التجاري كأساس لتطبيق أحكام القانون التجاري وأصبح التاجر هومن يتخذ الأعمال التجارية حرفة معتادة له ولم يعد التاجر من هو مقيد بالسجلالتجاري.