الولادة المباركة:
ولد الإمام الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام في السنة الثالثة للهجرة في ليلة الثلاثاء، ليلة النصف من شهر رمضان المبارك، على المشهور، وقيل ولد في السنة الثانية.
إسمه الشريف في التوراة (شبّر) لأن شبّر في اللغة العبرية بمعنى الحسن، وكان إسم أكبر ولد هارون النبي ايضاً شبّر وكنيته الشريفة أبو محمد وألقابه الكريمة السيد والسبط والأمين والحجة والبر والنقي والزكي والمجتبى والزاهد.
الإسم الشريف:
روى إبن بابويه بأسانيد معتبرة عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: لما ولدت فاطمة الحسن عليهما السلام قالت لعليّ عليه السلام سمّه، فقال: ما كنت لأسبق بإسمه رسول الله، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فأُخرج إليه في خرقة صفراء، فقال: ألم أنهكم أن تلفوه في خرقة صفراء، ثم رماها وأخذ خرقة بيضاء ولفّه بها، ثم قال لعليّ عليه السلام: هل سمّيته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال صلى الله عليه وآله: وما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجل فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جبرئيل أنه قد ولد لمحمد ابن فأهبط فأقرأه السلام وهنئه وقل له: إنَّ عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمّه باسم ابن هارون، فهبط جبرئيل عليه السلام فهنأه من الله عزّ وجل، ثم قال: إن الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسميه بإسم هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبّر، قال: لساني عربي، قال: سمّه الحسن، فسمّاه الحسن.
فلما ولد الحسين عليه السلام أوحى الله عزّ وجل إلى جبرئيل عليه السلام أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه فهنئه وقل له إن عليّاً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، قال: فهبط جبرئيل عليه السلام فهنأه من الله تبارك وتعالى، ثم قال: إنّ علياً منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون، قال: وما اسمه؟ قال:شبير، قال: لساني عربيّ، قال: سمّه الحسين، فسمّاه الحسين (أماني الصدوق ص116المجلس رقم28ح3ـ عنه في البحار ج43ص238).
اليوم السابع:
وروى ثقة الإسلام الكليني رحمه الله بسند معتبر عن الحسن بن خالد، قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى؟ فقال: إنه قال: لمّا ولد الحسن بن عليّ هبط جبرئيل بالتهنئة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب إذنه، وذلك حين ولد الإمام الحسين عليه السلام أتاه في اليوم السابع بمثل ذلك، قال: وكان لهما ذُؤابتان في القرن الأيسر، وكان الثقب في الأذن اليمنى في شحمة الأذن وفي اليسرى في أعلى الأذن، فالقرط في اليسرى والشنف في اليمنى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله ترك لهما ذؤابتين في وسط الرأس وهو أصح من القرن (الكافي ج6ص33ـ عنه في البحار ج43ص257ح40).
صفاته وشمائلهُ:
وروى الشيخ الجليل عليّ بن عيسى الأربلي رحمه الله في كشف الغمة أنّه: كان الحسن بن عليّ عليه السلام أبيض مشرباً حمرة، أدعج (أسود) العينين، سهل الخدّين، دقيق المسربة (مجرى الدمع ونحوه)، كثّ اللحية، ذا وفر، وكان عنقه ابريق فضة، عظيم الكراديس (رؤوس العظام)، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بالطويل ولا القصير، مليحاً، من أحسن الناس وجهاً، وكان خضب بالسواد، وكان جعد الشعر، حسن البدن (كشف الغمة ج2 ص171ـ عنه في البحار ج44ص137).
ذكاء الحسن:
يروى أن الحسن عليه السلام كان يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن سبع سنين أو أقل فيسمع خطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآيات القرآن النازلة تواً ثم يأتي إلى والدته الطاهرة في البيت فيلقي إليها ما سمعه دون زيادة أو نقصان وعندما يرجع الوالد الكريم الإمام علي عليه السلام إلى بيته يجد زوجته لديها إطلاع تام بخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعندما يسألها عن ذلك تقول له: من ولدك الحسن.
فضائل ومكارم:
روي صاحب كتاب كشف الغمة عن كتاب حلية الأولياء، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله واضعاً الحسن على عاتقه وقال: من أحبَّني فليُحبَّه، وروي عن أبي هريرة قال: ما رأيت الحسن قط إلا فاضت عيناي دموعاً، وذلك أنه أتى يوماً يشتد حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وآله ورسول الله يفتح فمه ثم يدخل فمه في فمه ويقول: اللهم إني أحبه وأحب من يحبه، يقولها ثلاث مرات (كشف الغمة ج2ص188ـ عنه في البحار ج43ص266ح32)
وقد كثرت الروايات في كتب الخاصة والعامة في باب محبة النبي صلى الله عليه وآله للحسنين عليهما السلام كوضعهما على كتفه والأمر بحبهما وقوله: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وإنهما ريحانتاه.
عبادته:
وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام أنه قال: حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام أن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وافضلهم وكان إذا حج حجّ ما شياً وربما مشى حافياً وكان إذا ذكر الموت بكى وإذا ذكر الممر على الصراط بكى وإذا ذكر العرض على الله (تعالى ذكره) شهق شهقة يغشى عليه منها.
ومن عبادة الحسن عليه السلام نستخلص دروساً منها:ـ
يعلمنا المعصوم عليه السلام أمراً في غاية الروعة وهو:
* أن العبادة لا تعني أن ينعزل الإنسان عن المجتمع.
* أن العبادة ليست مجرد طقوس دينية.
* أن العبادة لا تعني التخلص من التكليف الشرعي.
بل أن العبادة تعني أن يعيش الإنسان الخوف من الله دائماً وإذا تعزز هذا الشعور في ضمير الإنسان فإنه لا يظلم ولا يسرق ولا يكذب ولا يرتكب الموبقات.
حلم وورع:
ومن حلمه ما روي عن الكامل للمبرد وغيره أنَّ شامياً رأه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردُّ فلما فرغ أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه وضحك فقال: أيها الشيخ أضنّك غريباً ولعلّك شبّهت فلو استعبتنا أعتبناك ولو سألتنا أعطيناك ولو إسترشدتنا أرشدناك ولو إستحلمتنا أحملناك وإن كنت جائعاً أشبعناك وإن كنت عرياناً كسوناك وإن كنت محتاجاً أغنيناك وأن كنت طريداً آويناك وإن كان لك حاجة قضيناها لك فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً.
فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إلي والآن أنت أحب خلق الله إلي وحوّل رحله إليه وكان ضيفه إلى أن ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم (الكامل في اللغة والأدب ج1 ص325 بإختصار عنه في البحار 43ص344).
كرم الإمام:
روى الشيخ رضي الدين عليّ بن يوسف بن مطهر الحلّي أنه: وقف رجل على الحسن بن علي عليه السلام: فقال: يا أبن أمير المؤمنين بالذي أنعم عليك بهذه النعمة التي ما تليها منه بشفيع منك إليه، بل أنعاماً منه عليك ألا ما أنصفتني من خصمي فإنه غشوم ضلوم، لا يوقر الشيخ الكبير ولا يرحم الطفل الصغير.
وكان عليه السلام متكئاً فأستوى جالساً وقال له: من خصمك حتى أنتصف لك منه؟ فقال له: الفقر، فأطرق رأسه ساعة ثم رفع رأسه إلى خادمه وقال له: أحضر ما عندك من موجود فأحضر خمسة آلاف درهم، فقال: إدفعها إليه، ثم قال له: بحق هذه الأقسام التي أقسمت بها عليّ متى أتاك خصمك جائراً إلا ما أتيتني منه متظلماً (العدد القوية ص359ح23 اليوم الثامن والعشرون عنه في البحار ج43ص350).
وحكي أن رجلاً جاء إلى الإمام الحسن عليه السلام فشكى حاله وعسره وأنشد:
لم يبق لي شيء يباع بدرهم يكفيك منظر حالتي عن مخبريإلا بقايا ماء وجـه صنته ألا يباع وقد وجتك مشتريفدعا الإمام عليه السلام خازنه وقال له: كم عندك من المال؟ قال: إثنا عشر ألف درهم فأمره بدفعها إلى الفقير وإنه يستحي منه فقال الخازن: إذاً لم يبق شيء عندنا للنفقة فأمره مرة ثانية بإعطائها إليه وحسن الظن بالله، فدفع المال إليه وأعتذر الإمام عليه السلام منه وقال: إنا لم نوف حقّك لكن بذلنا لك ما كان عندنا ثم أنشد:
عاجلتنا فأتـاك وابل برنــا طلاً ولو أمهلتنــــا لم تمطرفخذ القليل وكن كأنك لم تبع ما صنته وكأننا لـــم نشتر
الرأفة بالحيوان:
وروى العلامة المجلسي في بعض الكتب المناقب المعتبرة باسناد من بجيع قال: رأيت الحسن بن علي عليهما السلام يأكل وبين يديه كلب كلما أكل لقمة طرح للكلب مثلها فقلت له: يا ابن رسول الله ألا أرجم هذا الكلب عن طعامك؟ قال: دعه إني لأستحي من الله عزّ وجل أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل ثم لا أطعمه.
ثورة الحسن عليه السلام:
لقد قام الإمام الحسن والحسين عليهما السلام بأداء رسالة واحدة، ولكن نصفها قد أداه الإمام الحسن عليه السلام بالإعداد الكامل وتهيئة الأرضية اللازمة، ونصفها الآخر قام بأدائه سيد الشهداء عليه السلام بقيامه المقدس الدامي.
وقد سبق أن مسؤولية الإمام الحسن عليه السلام كانت مهمة وصعبة جداً، ربما أصعب من مسؤولية الإمام الحسين عليه السلام، وذلك لأن مسؤولية الإعداد أصعب من تفجير النهضة والقيام المسلح، لأن الشخص الذي يريد بناء وتربية جيل على المفاهيم الصحيحة، فمن دون شك وترديد لابد من أن يلاقي صعوبات عديدة، وربما يهان، كما أنه يحتاج إلى برنامج منظم وزمان طويل ومخطط دقيق على المدى البعيد، والكوادر الصالحة والتقية والاحتياط من أجل المحافظة على هذا الجيل في حال الإعداد والبناء، وعوامل البقاء خلال عشرين أو ثلاثين سنة أو أكثر، وأخيراً فهو بحاجة للاستعداد الكامل لتحمل الكلمات الجارحة وأن يكون بعيداً عن كل مدح وثناء.
لماذا الجهاد ضد معاوية:
هنا سؤال يطرح نفسه وهو إذا كان دور الإمام الحسن عليه السلام الإعداد والتهيئة للثورة، لماذا أقدم على محاربة معاوية بحرب محكومة بالفشل حسب الظاهر، ثم قبل بالصلح وانسحب من ميدان المعركة؟
وفي الجواب يمكن القول:
بأن الثوار والنهضويين بحاجة دائماً إلى الحركة والفعالية حتى يتمكنوا من توعية المجتمع، من فوائد هذا التحرك جذب العناصر الصالحة واللائقة وكشف معايب العدو.
صلح الحسن عليه السلام:
إن من يلاحظ حياة الإمامين الهمامين الحسن والحسين عليهما السلام يجد ارتباطاً وثيقاً بين دور الإمام المجتبى عليه السلام وأخيه الإمام الحسين عليه السلام إلا أن الإمام المجتبى عليه السلام تعرض إلى لوم من قبل بعض الناس الذين لا يتمتعون ببعد النظر ودقة الرأي وصحيح العقيدة، فإن الامتحان الإلهي والتكليف الرباني الذي قام به الإمام عليه السلام كان صعباً جداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وحق أخيه عليهما السلام: «هذان إبناي إمامان قاما أو قعدا».
إن الإمام الحسن عليه السلام نهض أيضاً إلا أن نهضته المباركة انتهت بالصلح، ولم يتمكن بحسب الظاهر من القضاء على معاوية، وإن كان الأسلوب الذي اتخذه الإمام عليه السلام قضى على شرعية معاوية وبين للتاريخ الخط الصحيح في الإسلام من الخط المنحرف، وحفاظاً على الشيعة الذين أراد معاوية القضاء عليهم بأكملهم، والذين كانوا يمثلون الخط الصحيح الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
من وصايا الحسن عليه السلام:
* يا ابن آدم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فجد بما في يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع.
* غسل اليدين قبل الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي الهم.
* علم الناس علمك وتعلم علم غيرك فتكون قد أنقت علمك وعلمت ما لم تعلم.
* حسن السؤال نصف العلم.