أسلوب المنحة :
في بداية نشأة الدول كان الحكام ( ملوكاً أو أمراء ) ينفردون وحدهم بتملك وممارسة السلطة ، وكانوا يقومون من جانبهم بإصدار الدساتير ،لذلك أطلق على هذا الأسلوب لوضع الدستور ( أسلوب المنحة) ، حيث يصدر الدستور بإرادة الحاكم صاحب السلطان والسيادة ، دون أن يشاركه أحد في هذا الإصدار، و يأتي الدستور في هذه الحالة من الأعلى ، أي ينزل من الحاكم على الشعب ، فالحاكم يوافق على التضحية بجزء من سيادته أو يوافق على تنظيم طريقة مزاولته لها، مثال ذلك الدستور الذي أصدره الملك لويس الثامن عشر ملك فرنسا في يونيو 1814 و دستور اليابان 1889 الذي منحه الإمبراطور للشعب .
إن هذا الأسلوب هو أسلوب قديم لوضع الدساتير و قد عفى عليه الزمن واندثر تماما،ً لما فيه من عيوب و ما توجه إليه من انتقادات، أهمها ، إنه يعطي للحاكم حق إلغاء ما أصدره ومنحه لشعبه من دستور ، لاعتقاده القوي بأن من يملك المنح يملك المنع ، كما أنه دليل على عدم تقدم الديمقراطية . ومع تقدم الديمقراطية في العصر الحديث فقد تراجع الأخذ بهذا الأسلوب في إصدار الدساتير ، حيث اندثرت في الوقت الحاضر جميع الدساتير الصادرة بها الأسلوب باستثناء دستور إمارة موناكو 1911.
و يمكن القول بأن الدستور المؤقت الذي تصدره حكومة معينة يعتبر من قبيل المنحة ، فقد يحدث أن يصدر إعلان دستوري مؤقت يسري تطبيقه إلى أن يتم وضع دستور دائم من قبل الهيئة المخولة بذلك، ثم إقراره من قبل الشعب في استفتاء عام، وهدف ذلك هو تحقيق نوع من الضبط لأداء وممارسة السلطة القائمة، ويعتبر هذا الترتيب جزء من ترتيبات مرحلة انتقالية.
2 – أسلوب العقد :
وهي الطريقة الثانية من الطرق التي اندثرت و عفى عليها الزمن في وضع الدساتير ، حيث ينشأ الدستور في هذه الحالة بناء على اتفاق بين الحاكم والشعب واشتراك إرادتهما على قبول الدستور ، فالشعب يدخل في الأمر كطرف أصيل في هذا العقد، ويترتب على هذه الطريقة عدم استطاعة أي منهما( الحاكم أو الشعب ) إلغاء الدستور أو سحبه أو تعديله إلا بناء على اتفاق الطرفين ، وبذلك يضمن الشعب عدم إقدام الحاكم على إلغائه أو تعديله، فالدستور هو نتيجة لاتفاق إرادتين في صورة عقد، و وفقاً للقاعدة القانونية - العقد شريعة المتعاقدين - فلا يجوز نقضه أو إلغاؤه أو تعديله إلا بإرادة طرفيه.
وهذه الطريقة تفترض حدوث نوع من أنواع التطور على طريق التقدم الديمقراطي حيث يمثل هذا الأسلوب خطوة إلى الأمام في الطريق نحو الحرية والديمقراطية ، إلا أنه لا يعتبر أسلوبا ديمقراطيا، وهذا الأسلوب فرضته الظروف الجديدة التي ظهرت بعد فترة من نضال الشعوب من أجل الحقوق والحريات العامة، وكسر شوكة الحكم المطلق و محاربة استبداد السلطة المطلقة المتمثلة في استبداد الملوك والأمراء وقادة الانقلابات العسكرية . ومن الدساتير التي وضعت حسب هذه الطريقة هو دستور دولة الكويت سنة 1962 وكذلك دستور دولة البحرين سنة 1973.
وتوجه إلى طريقة العقد عدة انتقادات أهمها هو، إن الملك يعد في هذه الحالة مساويا للشعب مع أنه لا يقتسم معه حق السيادة ، وطالما إن السيادة للشعب ، فلا يكون له أن يشترك معه في إبرام عقد يحدد اختصاصاته واختصاصات ممثلي الشعب .