ألمومس واليوم العصيب
اتصل بي صديق هاتفيا ، واخبرني ان والده يبغي السفر لزيارتي ، ويطلب رايي بذلك.اجبته بكل ترحيب , اهلا به وبمن معه. بعد اسابيع وحسب الموعد المقرر , استقبلت ابا مصطفى ، والد صديقي بكل ترحاب , اذ لاول مرة اقابله شخصيا.
ابو مصطفى نموذج حي لابن البادية. تقي ورع , بسيط غير معقد , صريح , مفتوح القلب , تحس فيه نقاوة ابن الصحراء.كان يكلمني بلهجته البدوية الاصيلة ، وكاني ابنه , بل وكانه كان يعرفني من سنين.كنت بحق ، استانس باحاديثه وهو يسرد لي قصة حياته , عندما كان يعيش على صيد الاسماك: اذ كانت الحياة صعبة ، ولا تخلوا من مخاطر , الا انها غير معقدة , وعلى بساطتها كانت محفوفة بنوع من السعادة.
ثم اشتغل في شركة النفط مدة تزيد على السنتين ، وتعلم خلالها الانجليزية ، ويتقنها نطقا ومعنى الا انه لا يجيد كتابتها.
روى لي , كيف الله سبحانه وتعالى وفقه ، لسلامة نيته ، وايمانه العميق برب العباد ، ونبيه العظيم ، وكتابه الشريف , و كان يستشهد كثيرا ابان حديثه بايات من القران الكريم ، والحديث النبوي الشريف , والحق يقال , تعلمت منه الكثير, نعم تعلمت منه الكثير.
ابو مصطفى وكما قلت , نموذج حي لابن الصحراء , بطيبه , وبساطته , وسلامة نيته.
كل عام يذهب ، وعائلته ، الى الصحراء ، ويعيشوا في خيمة ، لمدة ثلاث اسابيع, ليعيد لنفسه حلاوة الحياة التي كان يحياها.
خرجنا ذات يوم ، لاريه معالم المدينة ، واحد الشوارع الرئيسية فيها ، والمزدحم دوما ، ليلا ونهارا باهل البلد ، والسواح , اعني تجد فيه من الناس اشكالا ، والوانا.
كنا نتمشى ، وانا مندمج بحديث ابو مصطفى الشيق , واذا بصوت امراة تناديني باسمي الحقيقي قائلة: كيفك يا عراقي مجهول؟!!!!!!! وكانها تعرفني منذ سنين !!!!!!!!!
التفت اليها في الحال , واذا بمومس محترفة نصف عارية , لدرجة حتى الاوربي العادي يخجل ان يكلمها في الطريق , بفستانها القصير وصدرها المدلوع والعياذ بالله.!!!!!!!!!! وفي الشارع الرئيسي العام في المدينة ، والمزدحم بالوان واجناس من المارة.
انصدمت من هذا المنظر , وانتابتني موجة من الخجل ، ممزوجة بحيرة ، لا يشعر بعمقها الا انا ، آه ياله من موقف صعب. موقف محير !!!! وقعت بين قوتين: الخجل ، والحيرة !!! نعم امرين كدت ان انهار لشدتهما. حرت مع نفسي , أأتركها ؟ ، وكان لا سامع ، ولا من راء , ام اكلمها ، لاثبت لها اني لست الشخص الذي هي تعنيه , وكنت واثقا من ذلك ، واثبت براءتي امام ضيفي العزيز ابو مصطفى. موقف محرج وعصيب !!!!!!!!!!!!!!!!!!!
أيا يوم من ذكرياتي قبحا..... بذاك اليوم بعدا يا عصيباما ابو مصطفى ، فاخذه العجب ، وصار يضرب اخماسا باسداس بتفكيره , وحار بامر نفسه وامري , وشعر بموقفي المحرج , ولو انه كان غير قانع ببراءتي !!!!!!! واعطيه كل الحق.سلوني ما الذي قاسيت فيه ... سلوني بل سلوا حظي يجيب
إن افجع انواع الكآبة ، ان يدافع البريء عن نفسه ، من تهمة لصقت به ، وهو بريء منها.
تمالكت اعصابي سائلا اياها , من اين تعرفيني؟ لم يسبق لي ان تعرفت بمومسة , انا متاكد انك قد اشتبهت بشخص اخر.اجابتني وبكل ثقة: انت فلان , من ابناء العراق , مهنتك كذا , كانت لنا علاقة طيبة معك , وكم من مرات تحدثت معك طويلا ، واكلنا سوية , انا اعنيك انت ، ومتاكدة من كلامي.الست انت عراقي مجهول؟ واليست مهنتك كذا؟ ما بالك تتنكر ، وكانك لم تكن صديق ، ولا تعرفني ، بل وحتى تتجاهلني؟ !!
الله ما اقساها لحظات وابو مصطفى هذا التقي الورع يسمع الحديث مندهشا حائرا (( اكيد كال ويه نفسه: هذا طلع عراقي فاكس ، واملعب على ميت حبل ، وحياته كلها فسق ومجون ههههههه ))
تلعثمت من خجلي ، واجبتها نعم انا ، ولكني لا اعرفك. هناك مليون انسان بهذا الاسم ، واكيد اشتبهت بي انا.
اجابتني وبكل ثقة: لا تخجل ، انت انت الصديق المخلص لنا يا عراقي مجهول !!!!!!!!!!!!!
كل ما قالته عني كان صحيحا , وقولها يدل بما لا يقبل الشك اني جالس معها , لانها تعرفني جيدا, الا ان واقعي يقول:انا ما تعرفت وما سبق لي ان تكلمت مع مومسة.
شعرت نفسي في قفص الاتهام , واقتنع ابو مصطفى بحقيقة الكلام الذي سمعه منها , الا انه اراد ان يتدارك الموقف ، وطلب مني ان نتركها , فابيت مصرا على قولي ، علي ان اكشف الحقيقة مهما كان الثمن.
تصوروا الموقف: المارة تنظر الينا ، ونحن نتحدث مع عاهرة نصف عارية في شارع عام ومزدحم !!!!! هناك من يضحك على عقولنا , وهناك من يسبنا لرداءة اخلاقنا , ورايت ان الكثير من المارين ينظرون الينا شزرا ، ظانين اننا ذئاب بشرية.
امتزج خجلي ، مع حيائي ، مع عنادي !!! ياله من موقف صعب ، لا يشعر بعمقه غيري انا ، نعم انا ، انا ، انا !!!!!!!!!!
- كل ما قلتيه عني كان صحيحا ، ولكني ما زلت اصر اني لا اعرفك , من انت رجاء؟
- انا ايرينا خطيبة فلان !!!!!!!!!!
اانت ارينا الطيبة الخلوقة؟!!!! أأنت خطيبة احد معارفي؟!!!! أانت التي كنت احترمها ، ارينا المثالية؟!!! نعم اعرفها , يا ابا مصطفى اعرفها , نعم اعرفها, كل ما قالته صحيح لا غبار عليه.
هي ايرينا المؤدبة , ايرينا الشريفة الخجولة , خطيبة احد معارفي من الاصدقاء.
طلبت منها في الحال ان تذهب لبيتها , وضربت معها موعدا في مقهى بعيدة عن الضوضاء ، لكي اسمع قصتها.في الحال استجابت لطلبي وذهبت مسرعة.
كل هذا جرى امام سمع وانظار ابو مصطفى.
وقعت بين نارين ، نار عاهرة واقفة في شارع عام نصف عارية تنتظر زبونا ، وتناديني باسمي. ونار ابو مصطفى التقي الورع والذي وجدني احد شياطين الفسق ، بعد ان كنت في نظره انسانا خلوقا مثاليا.
اسمعه يقول بصوت مسموع: لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ، اللهم ابعد عنا الفسق واهدي الشباب المسلم.
وقعت في ورطة لا اول لها ولا اخر. وارتبكت من خجلي حائرا. كنت في موقف حرج جدا.
رجوت ابا مصطفى ان ياتي معي الى المقهى ، لنطلع على الحقيقة سوية , الا ان صاحبي رفض بشدة ، وقال انها عاهرة , وجلوسنا معها لا يتفق وتعاليم ديننا , اذهب انت لوحدك...
تعقد الامر أمامي ، وشعرت ان نظرته اتجاهي قد تغيرت.
- يا عمي العزيز ابو مصطفى , انها مريضة نفسيا ، وعلينا ان نمد لها يد المساعدة , انها قد سقطت في بئر الماسي , والواجب يحتم علينا ان ننتشلها من هذا الجب المظلم المشين.
- فاجأبني ، دعها ، انها مومسة محترفة ، كيف نجلس معها؟ اين الغيرة ، واين الشرف!!!!!!!!!!
- وحتى لو كانت مومسة , اليست انسانة؟ المومسة الحقيقية هي التي تخون ضميرها ، وزوجها وشرف عائلتها. المومسة الحقيقية هي التي تزحلق بدهاء مكرها ، الكثير من البريئات لتكسر رقابهن.واما المومس الحقيقي ذلك العفن الذي يتاجر بالبريئات من الفتيات الصغار ، مستغل فقرهن. المومس الحقيقي الذي يستغل مركزه الاجتماعي في الدولة , او مركزه المالي ، لكسر رقاب الناس. يعتدي , يقتل ، ويغتصب حتى الطفلات البريئات , ليحلل لنفسه ما يريد ، ويحرم على الاخرين ما يريده الله.
(( يحرم فيكم الصهباء صبحا ......... ويشربها على عمد مساء ))
هؤلاء الاوغاد الذين يتحتم على كل مسلم وكل انسان شريف ان يكافحهم ، لا اللواتي وقعن بالفخ ، ولا حول لهن ولا قوة.علينا ان نلعن الصياد الظالم ، لا ضحيته.ايرينا واحدة من ملايين الضحايا.
ان كنا مسلمين ، فالواجب يدعونا ان ننتشلها من ادران هذا المستنقع العفن , لا ان نتركها وحيدة في مهب رياح الفسق والفجور.
وجدت ابا مصطفى ، هذا البدوي العنيد ، الشريف ، الشهم ، قد لان ، وقاطعني قائلا بعد ان اقتنع نوعا ما بحديثي: آتي معك , وعل وجودنا فيه رضا الله.
فرحت ، وحمدت الله على ذلك ، وذهبنا سوية الى المقهى (المقهى عبارة عن جنينة كبيرة , هادئة , تؤمها العوائل).وصلنا في الوقت المحدد ، فوجدنا ايرينا قد اتت قبل الموعد , جالسة تنتظرنا وقد ارتدت ثيابا وقورة , الا ان الكابة تبان عليها , مما جلبت استغراب ابو مصطفى.
( كان تلاميح الاسى في جبينها .......... بقايا ظلام الليل في غرة الفجر)
ما ان جلسنا الا وبادرتنا قائلة:
ارجو ان تعذروني على موقفي المشين , ثقوا انا لست مومسة , انا انسانة شريفة , لكني منكوبة , واخذها البكاء بشكل يعجز قلمي عن وصفه.ايرينا تحولت الى طفلة بريئة ، بعد ان وجدت من يصغي اليها , وصارت تخرج ما في داخلها من الآم بشكل بكاء , حتى الصخر لا يتحمله. دموع ايرينا ذكرتني بدموع الملايين من البريئات ، اللواتي لا يجدن من يساعدهن ، بل وحتى من يسمع اهاتهن.ان البراكين التي تثور في قلب امراة ، هي اقوى من تلك التي تخرج من باطن الارض.حمم من الدموع تتساقط من عينيها وهي تقول:انا لست مومسة , انا شريفة والا ما وجدتموني هنا معكم , انا مظلومة , وازداد بكاؤها شدة , وكانها طفلة قد فقدت ابويها.كم حاولت تهدءتها ولكني فشلت , جرفني سيل دموعها الى عالم المشاعر ، وكدت اغرق في بحر احزانها ، لولا ان سيطرت في اللحظة الاخيرة على نفسي.
( هنالك القت راحتيها بوجهها ......... تكفكف اسرابا من الدمع بالعشر )
ايرينا هي صورة مصغرة لماسي النساء ، وعذابهن. من لا يفهم هموم النساء , عليه ان لا يحكم عليهن بالسوء. كم من بريئات رجمناهن بحجارة ذمنا ، لجهلنا بحقوقهن؟
( اذا بعثت لي أنة عن توجُع ............ بعثت اليها أنة عن ترحُم )
ابو مصطفى كان تائها في عالم افكاره , لقد خيم عليه السكوت والوجوم , قلت له بتالم (اراك عصي الدمع شيمتك الصبر) , لم يجبني ، وكان حائرا لا يعرف ما يقول. شعرت ان قلبه كان يتمزق الما وكآبة عليها.
هدأت عاصفة احزان ايرينا نوعا ما , ورجوتها ان تسمح لي ان احدث ابا مصطفى عن علاقتي بك وبخطيبك سابقا ، لتتضح له الصورة جلية , ومن ثم ارجو ان تحدثينا بقصتك مفصلا.فاستجابت قائلة تفضل.
- يا ابا مصطفى , تعرفت بايرينا عن طريق خطيبها ، وهو عراقي ، من عائلة معروفة وكان يدرس الطب ، و في السنة النهائية , وقد اخبرني في حينها انه سيتزوجها بعد تخرجه مباشرة ، ويسافرا معا الى العراق.
- وما اعرفه عن ايرينا ، انها بنت خلوقة ، مؤدبة ، قد تاثرت عن طريق خطيبها بالعادات والتقاليد العربية والاسلامية. وكل المعارف والاصدقاء كانوا يلاحظوا عليها هذا.
- كانت ايرينا في وقتها ، تعمل كسكرتيرة لعميد الجامعة. وعلاقتي معهما كانت جيدة ، وكم من مرات كنا نجلس سوية ونتحدث , اي كانت الثقة قائمة بيني وبينهما , وايرينا كانت صادقة بكل ما قالته ، حين لقائنا معها في الشارع.
- انقطعت علاقتي بهما بعد سفري , وعرفت انهما يعيشان في بغداد , لذا صدمت عندما عرفت ان المومسة التي تحييني ، هي ايرينا المحافظة , الرزينة. كنت اسير معك يا ابا مصطفى ، وكاني في الحلم. لقد أنكرت واقعي ، لانه خارج نطاق تصوري , والان اريد من ايرينا ان تحدثنا بقصتها كاملة.
ايرينا:
قبل تخرجه باسابيع ، وجدته مضطربا ، وكان يسال بعض معارفه عن رقم هاتفك يا عراقي مجهول , وكانه يريد ان يسرك بشيء مهم , لم يفلح , وحضرت معه حفلة التخرج , وحصل على شهادة الطب بتفوق , وفرحت في حينها جدا.
اتفقنا ان يتم الزواج ، بعد اسبوعين من التخرج ، ثم نرحل الى العراق , دعونا الاهل والاصدقاء بيوم الفرح , وكنت سعيدة لاني احبه بصدق وكما انت تعرف.
جاءني قبل اسبوع من موعد زواجنا مضطربا ، وكنت أنظف شقته , وقال لي اريد ان اصارحك بامر مهم , فاجبته تفضل.قال انا لا انسى فضلك ووفاءك , لا انسى ما تحملتيه خلال الست سنوات من اجلي , ولا انسى طيب والديك وحبهم لي , لا انسى عندما كنت اقدم اطروحة الدكتوراه وانت كنت تحثيني على العمل ، وكنت وبشق الانفس تفتشين على بعض المصادر النادرة ، لتقدميها لي مسرورة , لا انسى كيف كنت تقدمي لي الطعام العربي ، وبمشاعر الحب ، وكانك والدة لا خطيبة.
قاطعته سائلة ماذا جرى؟ ولماذا تردد ما حدث في الماضي , اليس أمرا طبيعيا ؟ صارحني من فضلك بالامر المهم.
فأجابني: انا احب فتاة كانت زميلة معي ، وصممت ان اتزوجها , وخرج في الحال باكيا.
بهذا الخبر انتهت احلام سعادتي , ويئست من الحياة.اذ كيف ينهدم ذلك البرج الشامخ من السعادة والذي بنيناه خلال هذه السنين الطويلة بلحظات؟!!!!!!!!!! أأنا في حلم ، ام انا في يقظة؟ بكيت طويلا ولكن هل سيغير البكاء من واقعي المرير؟
ذهبت الى البيت ، فوجدت والدي جالسا ، فقبلته مرارا باكية ، لاني كنت واثقة انه اللقاء الاخير. سألني بنتي ما جرى؟ اخبريني ما جرى لك؟ وسالت دموعه من كآبة المنظر ، وهو يهدئ من لوعتي بكلمات صاغتها حنو الابوة ، وامتدت يداه الحنونتين الى وجهي ، ليمسح بهما دموعي. ما جرى حدثيني ، وهو يقبل راسي بعد ان تحول الى ينبوع من عواطف الابوة. اجبته من فرحي بالزواج بابا , وشعرت انه غير مقتنع بقولي!!! ثم ذهبت الى والدتي ، وكانت في المطبخ , قبلتها باكية , بكت المسكينة لبكائي ، لظنها أني سأسافر مع زوجي بعد ايام الى العراق.خرجت من البيت وحنان امي وابي يملان قلبي اسى ، خرجت بهدف لا يعرفه احد سواي انا.
اردت ان اودع محل ذكرياتي , الاماكن التي لي فيها ذكريات معه , اودع حبي , اودع شبابي , اودع اهلي , اودع كل شيء.
كنت أسير واقول مع نفسي: انا عارفة ان الانتحار لا ينم الا عن جبن , ولكن لم يبق امامي بصيص من الامل ويا اسفاه. القيت نظرة باسى عميق على الاماكن التي كنا نتواجد فيها فرحين ، زرت جنينة كنا نتخطاها وقت الغروب ، وصرت اخاطب بدون شعوري الاماكن التي امر بها ودموعي تهطل واقول دون ارادتي:
وداعا ايتها الجنينة ، وداعا يا اماكن ذكرياتي ، وداعا ايتها البيوت المطلة على الشوارع التي كنا نتمشى فيها مسرورين ، وداعا يا مدينة طفولتي ، وشبابي ، واحلامي ، وداعا يا ابي الحنون ، وداعا يا امي الحنونة ، وداعا بدون لقاء ، وداعا يا من كنت احبه بصدق واخلاص ، وفقم الله ، وداعا يا مدينة احلامي ، وداعا ايتها الحياة المجبولة بالامي ، وحزني وكابتي , وداعا وداعا !!!!!
رجعت الى البيت ودخلت غرفتي ، وشعرت بالكابة التي تملا قلبا والدي ، وبعمق الاسى ، ذهبت وشبكت ابي الحنون وقبلت يديه وغسلتها بدموعي دون ان انبس بكلمة ، وذهبت لامي ، لاشم رائحة حنانها وعطفها وحبها فوجدتها تبكي ، قبلتها فاندمجت دموعي بدموعها ، وكابتي بكابتها ، والامامي بالامها ، وانيني بانينها ، وذهبت لغرفتي واخذت جرعة من السم ، ولم احس الا وانا في المستشفى وانقذت باعجوبة.
(بكيت بلا دمع ومن كان حزنه شديدا بكى من غير صوت ولا دمع )
وبعد خروجي من المستشفى دفعني ثاري ان انتقم منه بهذه الطريقة المزرية التي رايتموني فيها , وكم ارتحت في داخلي عندما رايتك يا عراقي مجهول.
لزمها البكاء ثانية وصارت تردد: انا شريفة , لست مومسة , انا ما لمسني احد بعده.اردت فقط ان انتقم واحطم سمعته , لانه حطمني. حطم حياتي وحياة والدي.
مسكينة يا ايرينا ، لقد بقي الثار يغلي في داخلها ، وارادت ان تنتقم منه بشكل اخر ، دون ان تفكر بعفتها ، وشرفها ، وكرامتها.
بعد ان هدأت ، تحدثت معها بهدوء وكانت تصغي لي ، ولأبي مصطفى منكسة راسها دون ان تنبس بكلمة واحدة، واخيرا اقسمت لنا انها سوف لا تقدم ثانية على هذا العمل , وادعت انها شعرت براحة بجلوسها معنا ولسوف تجد لها عملا وتبني حياة جديدة. وقالت ان شاء الله سوف لا تسمعا عني الا طيبا .اعطيتها رقم هاتفي بناء على طلبها ، وودعناها غير اننا لم نستطع ان نودع ماسيها.
مضت اشهر ولم اسمع من ايرينا خبرا وكنت خلال المدة قلقا عليها. يا ليتني طلبت رقم هاتفها لأطمئن على سلوكها.
في احد الايام ، رن جرس هاتفي صباحا. رفعته واذا بامراة تقول لي السلام عليكم.
- وعليكم السلام, من انت رجاء؟
- انا المسلمة ايرينا , كيف حالك يا عراقي مجهول؟
- اجبتها فرحا ومستغربا: اهلا بك ايرينا ومتى أسلمت و متى تعلمت العربية؟
- هذا بفضل زوجي المؤمن , ويريد ان يكلمك الان , تفضل كلمه.
- اهلا بك يا اخي عراقي مجهول ، وارجو ان لا ترفض طلبي , لاني مشتاق ان اراك واتعرف عليك ، زوجتي ايرينا قد حدثتني عنك , لذا ارجو ان تتفضل عندنا يوم الجمعة مساء لنتناول طعام العشاء سوية.
استجبت لطلبه واستطعت ان اعرف من لهجته انه مصري.
ذهبت حسب الموعد المتفق عليه واستقبلتني ايرينا المسلمة بالزي العربي وحاملة طفلتها ، فاطمة الزهراء ، وشعر راسها لا يبان. وتعرفت على زوجها ، وهو رجل مؤمن خلوق ،مصري صعيدي كريم جدا جدا. قابلني بحرارة كما يقابل الاخ أخاه .
آه كم فرحت برؤيتها وقلت لها اهنؤك بالحياة الجديدة , فقاطعتني وقالت:الفضل يعود لك وللعم ابو مصطفى , ورجتني ان اتصل به هاتفيا لانها تريد ان تشكره ،وتعرفه بزوجها.اتصلت بوالد صديقي ابو مصطفى ، وهو في دولة خليجية ، وكلمته قائلة: السلام عليكم ابو مصطفى ، انا ايرينا المسلمة، وبعد تبادل السلامات , قالت ساعطيك زوجي المسلم وهكذا تم التعارف بينهما ، بفضل ايمان و اخلاق ايرينا ووفائها لزوجها.
والان اريد ان احدثكم ما حل بصاحبنا الدكتور خطيب ايرينا الاول وناكر جميلها:
عمل في احدى مستشفيات بغداد, وانجب من زوجته طفلتين.في الحرب العراقية-الايرانية ، لم تسقط على بغداد الا صاروخ او صاروخين لا اكثر. والله لشيء عجيب !!! سقط هذا الصاروخ على بيت الدكتور خطيب ارينا ابان تناوله الفطور صباحا ، مع زوجته وطفلته ، وأودى بحياتهم جميعا, والطفلة الاخرى والحمد لله حية ، ولا اعرف عنها شيئا. بهذه الطريقة الماساوية ، انتهت حياة الدكتور وعائلته ، كما انتهت وبطريقة ماساوية علاقته مع خطيبته الاولى ايرينا.
أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية على ثلاث جثث في فراش واحد.
فقلوب حسرى تئن شكاة .......... وجفون مملوءة بالدموع
ابن العراق الجريعراقي مجهول