لغز انتهاء العصر الجليدي يحل أخيراً
20/07/2013 10:24
شهد العالم بداية ذوبان هائل للجليد منذ 20 ألف سنة. ولطالما عرفنا أن الذوبان بدأ مع زيادة أشعة الشمس خلال فصل الصيف، في نصف الكرة الشمالي. ولكن ما حدث بعد ذلك ظل غامضاً. فبعد فترة وجيزة من بدء ذوبان الجليد، راح نصف الكرة الجنوبي يزداد دفئاً، فيما انخفضت درجة حرارة نصف الكرة الشمالي، خلافاً لما كان متوقعاً من التغييرات في أشعة الشمس. والآن، بعد نحو قرنين من التصارع مع نتائج تبدو متناقضة، يعتقد العلماء أنهم فهموا أخيراً كيف انتهى العصر الجليدي.
أن ارتفاع درجة الحرارة في نصف الكرة الجنوبي، في ظل انخفاضها في نصف الكرة الشمالي، لا يعود إلى التغيرات المدارية أو ارتفاع مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون، وإنما إلى تيارات المحيطات المتغيرة.
دورة الانقلاب الزوالي
وأكد تحليل أجراه باحثون في جامعة هارفارد لـ80 سجلاً مختلفاً لدرجات الحرارة وتكوين الغلاف الجوي على مدى السنوات الـ22000 الماضية أن الصفائح الجليدية الشمالية، قبل نحو 20 ألف سنة، امتدت بشكل كبير جنوباً إلى درجة أن مجرد زيادة طفيفة في ضوء الشمس أدت إلى ذوبان واسع النطاق. ومع تدفق المياه العذبة إلى شمال الأطلسي، توقفت دورة الانقلاب الزوالي، متسببة في برودة نصف الكرة الشمالي واحترار نصف الكرة الجنوبي. ونجمت هذه التغييرات في مجملها عن إعادة لتوزيع الحرارة، وحتى 17500 سنة مضت، لم يرتفع متوسط درجة الحرارة العالمية سوى 0,3 درجة مئوية.
ثم جلبت الرياح المتغيرة أو التيارات المتغيرة، أو كلتاهما معاً، مزيداً من المياه العميقة إلى السطح في المحيط الجنوبي، متسببة في تحرير غاز ثاني أكسيد الكربون الذي كان محاصراً منذ ألوف السنين. ومع تجاوز مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 190 جزءاً في المليون، راح الكوكب بأكمله يزداد دفئاً. وكان أقصى الشمال أبطأ أجزاء الأرض استجابة، ولكن حتى ما يقرب من 15 ألف سنة مضت، اقتربت مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون من 240 جزءاً في المليون، وتسارعت دورة الانقلاب الزوالي من جديد، وبدأت درجات الحرارة بالارتفاع بسرعة. وكان لتسارع دورة الانقلاب الزوالي تأثير عكسي في نصف الكرة الجنوبي، حيث توقف الاحترار وانطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون معاً.
ومنذ 12900 سنة تقريباً، عاد تأثير الأرجوحة. إذ انخفضت درجات الحرارة في خطوط العرض الشمالية بشكل مفاجئ، وبقيت على هذا الحال لما يقرب من 1300 سنة. ويعتقد أن تلك الحقبة الباردة، التي سميت بـ«درياس الأصغر سناً»، نجمت عن بحيرة المياه المذابة الهائلة في أميركا الشمالية، التي حوت من المياه أكثر مما تحويه البحيرات الكبرى مجتمعة، والتي فاضت فجأة إلى المحيط الأطلسي وأوقفت دوران الانقلاب مجدداً.
زيادة طفيفة
وفي تلك الأثناء، راح المحيط الجنوبي يطلق غاز ثاني أكسيد الكربون من جديد. فارتفعت مستويات ذلك الغاز في الغلاف الجوي إلى 260 جزءاً في المليون، مما تسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب بأكمله ارتفاعاً سريعاً على مدى الألفيتين التاليتين. وحتى نحو 10 آلاف سنة خلت، تحولت الأرض. إذ انحسر الجليد، وارتفع منسوب مياه البحار، وتعلم أجدادنا الزراعة.
إلا أن العصر الجليدي، من الناحية التقنية، لم ينته في الواقع. فقد تقدم الجليد وانحسر عدة مرات على مدى ملايين السنوات القليلة الماضية، ولكن لطالما بقي بعض الجليد في القطبين. وقد تطلب الأمر مجرد زيادة طفيفة في ضوء الشمس وارتفاع تدريجي بواقع 70 جزءاً في المليون في مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون لإذابة الصفائح الجليدية الهائلة التي غطت أوراسيا وأميركا في مرحلة من المراحل. ومنذ بزوغ فجر العصر الصناعي، ارتفعت مستويات غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 130 جزءاً في المليون، وهي تواصل ارتفاعها. وإذا كنا لم نضخ بعد ما يكفي من ذلك الغاز إلى الغلاف الجوي لإذابة الغطاء الجليدي في غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية، فإننا سنفعل ذلك عما قريب.
ولحسن حظنا، فقد يستغرق ذوبان آخر الصفائح الجليدية الهائلة تماماً ألوف السنين. ولكن في حال حدث ذلك، فقد يعثر البناة في القارة القطبية الجنوبية يوماً ما على أخاديد ضخمة في الصخر المنحوت بفعل المياه المذابة، ويفكرون في تحول دراماتيكي آخر لكوكب الأرض.
شبكة الاعلام العراقي