خبز التنور الطيني برائحته الزكية لازال يتصدر مائدة الإفطار في رمضان
باسم الشيخ علي
على الرغم من التطور والحداثة والتغيرات المدنية التي شهدها العراق في السنوات الاخيرة، لازال الكثير من المواطنين يفضلون وجود خبز التنور الطيني على مائدة الفطور في رمضان سوا حصلت أزمة في مادة الغاز ام لم تحصل ، لذلك أخذت صناعة التنانير الطينية لتؤكد موقفها المبدئي الثابت على الولاء للعائلة العراقية والميسانية، فهي الأجدر والأوفى في مثل هذه الظروف العصيبة.
لجأت العوائل العراقية إلى شراء التنانير الطينية من القرى والأرياف التي تمسك أبناؤها بهذا التكوين الطيني الذي لايخضع لتقلبات الوضع ومتغيرات التطور والحداثة، إذ تفضل كثير من العوائل في القرى والأرياف انتقاء التنور الطيني رغم انتشار وتطوير تقنيات التنور الغازي لأن نكهة الخبز كما يؤكد القرويون تكون أكثر طعما من التنور الغازي خصوصا خلال شهر رمضان المبارك .
وكالة انباء بغداد الدولية/واب/ «استطلعت أراء العديد من المهتمين بالموروث الشعبي والعوائل في ميسان وقراها الريفية والتي لازالت متمسكة بنكهة خبز التنور الطيني وتقضيله على خبز التنور الغازي في مائدة رمضان المبارك «.
تقول الحاجة ام حسين ،ربة بيت(67 سنة)لـ/واب/ان» مائدة الفطور والسحور في شهر رمضان ولياليه المباركة ورغبة الصائمين لخبز التنور الطيني بكل عنفوان، وكذلك ان كلفة التنور الطيني هي (5) آلاف دينار بينما يبلغ سعر التنور الغازي أكثر من (55) ألف دينار وحسب الأحجام والمادة المصنوعة منه.. بينما لاتحتاج عملية بناء التنور الطيني إلى وسائل وإمكانيات مكلفة، اذ يتم تحضير الطين ويفضل ان يؤخذ من أكتاف الأنهار أي من (الجرف) لأنه طين أحمر ويسمى بـ(الطين الحري) الذي يمزج بمادة (النفاش) المستخلص من رؤوس القصب والبردي في مناطق الاهوار ثم تبدأ عملية خلطه بالطين أي بواسطة دلك قطع الطين وما أن تتحسن بالتماسك والتجاذب بين جزيئات الطين تتحول الى مرحلة البناء بدءا بالطابق السفلي صعودا إلى الأعلى ولاتستغرق عملية صنع تنور طيني أكثر من يومين فقط، حيث يترك ليجف في الهواء ويصبح جاهزا للاستعمال «.
يقول مهدي غياض البخاتي (باحث شعبي) ل/واب/إن» تأريخ الموروثات الشعبية في الصناعات اليدوية مازالت قائمة حتى يومنا هذا رغم التطور التقني الذي حدث، وتكاد تكون مهنة صناعة التنانير الطينية من أقدم المهن الشعبية التي يعود تاريخها إلى بداية ظهور الإسلام حتى تطورت بمرور الأزمان. وانتشرت مثل هذه الصناعات في مناطق جنوبي العراق وجنوب مصر، إلا أن محافظة ميسان وبحكم واقعها الريفي الشاسع كانت ولازالت من أكثر مدن العراق تداولا لهذه الصناعة، ولعلنا نجد هذه الحقيقة عبر تجوالنا في أقضية ونواحي وقرى المحافظة وحتى ضمن مركز المحافظة، وخاصة هذه الأيام التي شهدت شحة في مادة الغاز وارتفاعا بأسعارها».
وأضاف البخاتي» ازدهرت صناعة التنانير بشكل ملفت للنظر في قرى المحافظة بعد إن اختفت لسنوات خلت حتى تحولت بعض المناطق الى باحات للعرض والطلب وحسب رغبة المشتري استعدادا لوجبات شهر الطاعة والغفران شهر رمضان لما يحتاجه الصائم من شوق عارم لنكهة ولذة طعم خبز التنور الطيني وهذه طقوس يستشعر بها كافة العراقيين منذ حقبا من الزمن القديم ولازالت تغفو على مائدة العائلة الواحدة في وجبات الإفطار في محافظة ميسان بشكل يضاهي ويفوق خبز التنور الغازي رغم ارتفاع درجات الحرارة في رمضان العام الحالي «.
سألت الحاجة ام قاسم (65سنة) إحدى صانعات التنانير عن سبب عودة صناعة التنانير الطينية للواجهة الشعبية في اغلب المناطق الجنوبية وقالت ل/واب/ « ان العديد من العوائل عادت لتنور الطين لأن خبزة تنور الطين أطيب ويعتمد على الحطب بدلا من الغاز الذي ارتفع سعره وهو لطالما يصاب بالشحة ولا يتوفر لأيام وكذلك عدم إمكانية الحصول عليه من بعض العوائل لارتفاع السعر التجاري من الباعة المتجوليين في الأزقة والشوارع، بينما قالت السيدة كاظميه ام محمد « التي كانت تروم شراء تنور في منطقة الحي العسكري في مدينة العمارة «ان تنور الطين أوفر من الناحية الاقتصادية وخبزته أطيب، فقلت لها» لماذا لم تأخذيه قبل هذا الوقت؟ قالت: البنات في البيت لا يجدن الخبز على هذا التنور واعتمدت على تنور الغاز لسهولة العمل ولم يعرفن حتى انه هنالك تنور طين فأنا سأخبز به لان خبزة تنور الطين برمضان طيبة والعائلة تفضله بشكل أساسي مع وجبة الإفطار وحتى في وجبة السحور «.
وتقول السيدة أم سجاد(45سنة ) «: أن التنور يستخدم في رمضان وجبتين الاولى بعد استيقاظنا على أصوات ( ابو طبيلة ) ننهض لايقاد التنور بالحطب ونبدأ بالسجر وفي المساء والمساء قبل غروب الشمس حيث(يسجر) التنور باستعمال مواد مثل الأخشاب والبردي مع النفط وهذا العمل يتم قبل قطع (الدالوجة) وفرشها على (طبق الدالوجة) (الملزاكة) بعد احمرار جدران التنور من الجانبين.ومن طريف مايذكر تقول الحاجة أم سعد(76سنة) إن «كثيرا من المعتقدات والتقاليد التي ظلت عالقة في نفوس بعض أبناء القرى حتى يومنا هذا وهي أن كسر التنور يعبر عن حالة شؤم وفأل سيئ وقد يقع شيء غير مستحب، حتى أن الشخص الذي ينوي السفر إلى مكان ما ويحدث أن يكسر تنور الدار قبل يوم أو ساعة نراه يؤجل سفره حسب اعتقاد الكثير من أبناء قرى الجنوب، كما يعتقدون ان مرور (الأرنب) أمام الدار أو الطريق مصدر شؤم وضجر، إنها معتقدات ظلت عالقة في نفوس أغلب القرويين وربما أصحاب المدن أنفسهم ومن بين الاغاني الفلكلورية الشهيرة لخبز التنور اغنية المطرب العراقي المرحوم ناظم الغزالي( من وره التنور ناوشني الرغيف - يارغيف الحلوة يكفيني سنة) «.
يذكر إن العوائل الجنوبية بشكل عام والعوائل الميسانية بشكل خاص خصوصا التي تقطن المناطق المحاذية لضفاف الأنهر والشواطئ وكذلك التي تقع في عمق الاهوار لازلت تحافظ على مكانة تنور الطين ويعتق البعض إن إعداد الخبز فيه تختلف مواصفاته ونكهته ويمتاز طعمه عن الخبز المصنوع عن طريق التنانير الفولاذية ، والبعض يذهبون برائيهم إن هذا اللون من الصناعات الشعبية له علاقة بالأصالة والتراث الشعبي القديم الذي يذكرهم بالإباء والجاد وتلك الاماسي والمجالس المفعمة بالأحاديث الريفية البسيطة التي تحدث بين سكان القرية أو الاهوار أيام زمان لذلك يرفضون شراء التنانير العصرية والحديثة رغم شحة وفرة الحطب والخشب وارتفاع أسعار قناني الغاز بالنسبة للعوائل ذات الدخل المحدود -كما ذكر التنور في الأغاني التراثية القديمة ومنها أغنية المطرب المرحوم ناظم الغزالي ( من وره التنور ناوشني الرغيف ، يارغيف الحلوة يكفيني سنة )وكذلك ذكر التنور في الأمثال الشعبية القديمة وأبرزها مثال ( نادرة وخبزج على الرد من وره التنور ورد ) وغيرها الكثير لايمكن ذكرها جميعا في هذا الموضوع- وتشير المصادر التاريخية انه اكتشف أقدم فرن صنع من الطين في التاريخ بمدينة بابل الاثرية ويقال انه يرجع الى 4000 عام قبل الميلاد».