نتائج التوبة ...بقلم السيد الشهيد الصدر الثاني
السلام عليكم
نتائج التوبة:
المفروض في العبد التائب، وهو الراجع الى الله سبحانه معنوياً، ان يبقى على رجوعه ويثبت في موضعه لا ان يعود الى الابتعاد عن الله ويتورط في القبائح والذنوب مرة ثانية.
فان العبد اذا تاب تاب الله عليه واذا رجع الى الله رجع الله اليه، واذا ذكر الله ذكره الله سبحانه فهو تعالى (ذاكر الذاكرين) واذا شكر الله شكره الله سبحانه، قال تعالى: (فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفرون). مع العلم انه تعالى غني عن عباده لا تنفعه طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه. وانما كل ذلك من سعة رحمته ولطيف كرمه. وما اخذه الله على نفسه من تقديم رحمته على غضبه.
كما ان العكس صحيح ايضا بالتأكيد، وهو انه اذا ابتعد العبد عن ربه ابتعد ربه عنه، واذا اعرض عنه اعرض عنه، واذا اتنقده انتقده واذا غضب عليه غضب عليه، واذا لم يلب امره لم يلب امره. واذا لم يجب دعوته لم يجب دعوته.. وهكذا.
اذن، فينبغي للعبد ان يحفظ مستواه المعنوي امام الله سبحانه وذلك من عدة جهات:
اولا: عدم الرجوع الى الذنب مرة ثانية. فان فيه تورطاً جديداً وبعداً كثيراً. مضافاً الى انه خيانة الوعد الذي قطعه العبد على نفسه عند التوبة بعدم التكرار، وخيانة الوعد امام الله سبحانه منتج لاوخم العواقب.
قال الله سبحانه، فاعقبهم نفاقاً في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون.
فان قلت: فان العبد لا يعطي وعداً خلال توبته بعدم العود. فلا يكون عوده الى الذنب خيانة لربه.
قلنا: اذا لم يعط العبد ذلك الوعد، لم تصح توبته اطلاقاً. ومن هنا سبق ان ذكرنا ذلك كمرحلة ضرورية من مراحل حصول التوبة. اذ بدونه يكون حاله ناقصاً كاذباً. لانه عندئذ لا يكون شاعراً باهمية مسؤوليته الاخلاقية الرديئة ولا يأسف على ما بدر منه. والا لو كان متأسفاً حقاً لكان عازماً عن تنزيه نفسه مما تأسف منه. وهذا التنزيه انما يكون بترك ما جاء به من الذنب وعدم العود اليه. ومقدمة ذلك الوعد بذلك والقصد اليه.
ثانياً: عدم العودة الى الرضا بالذنب والقناعة بحصوله والرغبة به. وانتفاء الاسف على فعله او الشعور بالحاجة الى انجازه. فان الرضا بالذنب والرغبة به ذنب اخر بل ذنبان احدهما الرضا والاخر الذنب نفسه. فانه يكون كفاعله. كما قيل في الحكمة: الراضي بفعل قوم كفاعله فكيف اذا رضي بذنب نفسه.
واذا راودته نفسه او وسوست اليه بالرغبة بالذنب والرضا به، فعلى الفرد كبتها وكبحها وتبكيتها وعصيانها. فانها الامارة بالسوء أي بالذنوب. ومنع الشرور (ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي) ، (واما ينزعنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله).
وذلك بان يشعر الفرد تقديم طاعة الله على طاعة نفسه واهميته على اهميتها، ولذة قربه على لذة قربها ونور طاعته على ظلمة ذنبها. وهل طاعة الله سبحانه الا خير خالص. وهل طاعة النفس الا شر خالص دنيوياً واخروياً وعقلا وعقلائياً وفي بعض الادعية في وصف النفس انها (تسلك بي سبيل المهالك وتجعلني عندك اهون هالك).
ثالثاً: عدم الابتعاد المعنوي عن الله سبحانه بعد ان حصل القرب المعنوي منه سبحانه وتعالى بالتوبة والانابة. بل ينبغي للعبد ان يرغب بزيادة القرب ومضاعفته وشدته، فانه كلما كان اكثر كان افضل مقاماً واعلى شأناً واهم منزلة. وان اعظم القرب هو قرب رسول الله (ص) (قاب قوسين او ادنى) فهلا يطمع العبد ويطمح الى ما هو قريب من ذلك.
فكيف اذا اهمل ذلك او غفل عنه وابتعد عن ربه تارة اخرى. بذنوب يتورط بها او شهوات يطيعها او مظالم يرتكبها.
كتاب ما وراء الفقه /ج10