(( لا ، لا أنساك يا اماه ))
مهداة الى كل الأمهات
أنت صيفي وخريفي ، وربيعي وشتائي
أنت عطفي وحناني ، وسموي وابائي
أنت الصيف بحرارة عواطفك ، وحنانك ، ونبلك ، وسموك يا اماه. كنت كالطائر الصغير ، اتي اليك لأحتمي بك ، اذ لااحد كان قادرا أن يسقيني عواطف الحب غيرك يا أماه.
كنت أقصدك لأنك كنز من الوفاء ، والشهامة ، والمحبة ياأماه. كنت أنام في حضنك ، على صوت أغنية تطربني ، أو قصة تجعلني احلق في خيالي وكأني أعيشها حقا ، وكانت يداك تلمس شعري ، تعبيرا عن حب لا يوصف ، وحنان اعجز عن التعبير عنه يا أماه.
لا زلت اذكر يوما وأنا في الرابعة من عمري ، حين قفزت في نهر دجلة ، وكنت أحب السباحة ، واذا بك تناديني باسمي باكية ، وقد دب الرعب فيك ، وخرجت من الماء باكيا مقبلا يديك معتذرا. آه كم كانت الكآبة تحرق احشائي وانا اراك باكية يا أمي. آه ما أقسى أن يشعر الطفل بكآبة أمه ، ولا يعرف كيف يعبر لها عن مشاعره.
أماه ، لازلت محتاجا الى عطفك ، وحنانك ، وحبك ، أجيبيني أين أنت الان يا أماه؟ !!!!!!!أجيبيني يا أماه. اشعر بوجودك ، بيد أني لا اسمع صوتك ، فهل تسمعيني ياأماه؟ !!!!!!!ودعتك يوم سفري وأختاي وأخي ، اذ ما استطعت ان اخفي عنكم عواطفي ، وأشجاني !!!! أتذكر وقد غسلت يديك بدموعي وأنا اقبلهما ، وتعطلت لغة الكلام عندي ، آه ماأصعبها لحظات ياأماه.ودعتكم جميعا ، وطلبت أن لا احد منكم يأت الى المطار ، خشية أن أنحرج في موقفي وأنا بين المودعين من الأصدقاء.ودعتك اماه والكل يبكي ، وكأنك كنت تحسين باني سوف لا أراك ثانية يا أمي.
اتجهت الى صديق كان ينتظرني بسيارته ، نظرت اليكم من خلال دموعي ، نظرت اليكم ، بحبي ، وعطفي ، وحناني ، ورددت بدون ان اشعر وبصوت عالٍ: وداعا يااماه ، وداعا يا اهلي ، وداعا وداعا يا أمي.
وداعا وداعا مرتع الحب والصبا .... تأنيته خطف والتفاتته وثب
وداعا ولو كان الوداع بقية .... من القدح الضمان جففه الحب
الشمس كانت تقترب الى المغيب تودع بغداد ، ومن فيها ، وكنت صامتا لا انبس بكلمة ، وكانت عيناي تقذف كآبة ، وشوقا ، واسى ، واما صديقي ، فكان غاطسا بهمومه ، ولا يعرف ما يقول !!!!!!!
وخرجنا وحر بغداد يشوي………. أرضها باللوافح الحمراء
يصهر القير في الطريق كما……… نصهر ظلما في قبضة الحلفاء
كنت اودع شوارع بغداد ، واهل بغداد ، كما ودعت اهلي ، وبيتنا ، و موطن ذكرياتي. نعم كنت أودع ، الحلو منهم والمر.
وصلنا المطار ، وجمع كبير من الأصدقاء ، والمعارف ، كانوا في انتظاري. وجدت من الصعب أن أودعهم واحدا ، واحدا ، لذا ودعتهم بكلمة وببعض الأبيات الارتجالية ، والتي أجادت بها قريحتي مندمجة بنار أشواقي.
قلبي كان يحترق شوقا اليك يا أماه، وكانت عيوني مغرورقة بالدموع ، وعواطفي في هيجان ، يصعب علي أن أسيطر عليها. في هذه اللحظة العصيبة ، وجدت امرأة عربية تخترق الجموع ، وكأنها هزبر هائج ، وتتقدم نحوي ، تناديني باسمي ، شبكتني بيديها ، وغسلت وجهي بدموعها وهي تقول: ابق مؤمنا يا ابني ، الله معك ، وشعرت في الحال انها أمي الحنونة.!!!!!!!!!!!!
أبت الا أن تراني ثانية ، وكانها عرفت ، انه الوداع الأخير وا أسفاه.
خيم الصمت على الجميع ، وحرت في أمري!!!!!!!!!!!
ودعت الجميع بدموعي ، ودعت والدتي ، ودعت أصدقائي ، ودعت بغدادي الحبيبة ، وتوجهت الى الطائرة وأنا كئيب ، بعد ان تعطلت لغة الكلام عندي.
آه كم تألمت عليك يا أماه ، اه ، اه كم تالمت عليك يا امي.
كنت بعد صلاة الصبح ، تجلسين بجانبي ، وأنا اقرأ القران تجويدا ، وكنت اشعر بسعادتك انذاك ، وبعدها كنت تقبليني فخورة يا أماه. ما كنت أظن أني لا أراك ثانية ، وما كنت أعرف انها نظرة الوداع الأخيرة ، يا أمي الحنونه.
لا أنسى وأنا في الجو ، والطائرة كانت تبتعد ، عن أهلي ، وشعبي ، ووطني ، الا أني كنت اقرب الى قلبك الحنون ، وعطفك الرقيق ، يا اماه.
لا أنسى أني نظمت قصيدة وانا في الجو ، بعنوان (( وداعا يا اماه )) وارسلتها لك في اليوم الثاني من استنبول. آه كم تألمت عند سماعي ، انها أبكتكم جميعا لوقت طويل يا أماه.
أنت القصيدة ، أنت الأدب ، أنت الشوق ، أنت العطف والحنان ، نعم أنت أنت يا أماه.
سمعت وبعد وقت طويل ، انك قد غادرت الحياة وأنت راكعة لله ابان الصلاة. رحمة الله عليك يا أمي الحنونة.
أماه ، أنت لازلت حية في قلوبنا ، في اعمالنا ، في سلوكنا ، وفي مشاعرنا ، نعم لا زلت حية يا أماه.
انت الخريف في كابتك ، وانت الشتاء عندما تجدينا نلتهب غضبا ، وانت الربيع في ابتسامتك يا أماه.
بقيت حية في قلوبنا ، حية في احاسيسنا ، حية في تفكيرنا.وبقيت وفيا لنصائحك يا امي ، رحمة الله عليك يا أمي الحنونة.
اخوكم ابن العراق الجريح:عراقي مجهول