سياسة الولايات المتحدة الامريكية تجاه
ثورة 14تموز 1958 في العراق
بقلم/ الدكتورة كافي الجادري
صدمت حكومتي الولايات المتحدة الامريكية والبريطانية عند سماعها بيان ثورة 14 تموز ، كيف ان جهاز استخبارتهما لم يكن له علم بذلك .
أخذت السفارة الامريكية في بغداد تراقب الوضع في بغداد بحذر شديد ، حيث أخذت البرقيات السرية تتبادل بين لندن وواشنطن حول ما يجري في العراق والشرق الاوسط ، خصوصاً ما كان يجري في لبنان مما جعل القوات الامريكية في حالة تأهب على أثر طلب الرئيس اللبناني كميل شمعون بألتدخل الامريكي والبريطاني خلال 48 ساعة تحسبا من حرب أهلية ، وسرعان ما وصلت القوات الامريكية المسلحة بألمدافع الخفيفة الى سبعة آلاف الى لبنان بهدف الدفاع عن سيادة لبنان وحماية أرواح الامريكان في لبنان .(في الواقع لم يكن هدف القوات الامريكية حماية لبنان وانما كان الغرض منها هو طلب بريطانية بأن تكون القوات الامريكية على مقربة من العراق تحسباً لاي طارىء ).
احيطت السفارة الامريكية في بغداد بالدبابات لحماية السفارة من غضب الجماهير وعلقت الجماهير العراقية لافتتات على جادر السفارة تحمل شعارات معادية لأمريكا فضلا عن شعارات اخرى كتبت على اسوار حديقة السفارة ، ويقول السفير الامريكي في بغداد (ولدمارغولمان )أن كثير من الاجانب العاملون في بغداد وكان من ضمنهم ثلاث رجال اعمال امريكان قد احتجزوا وحملوا في لوريات عسكرية الى وزارة الدفاع ، وقد اطلق عليهم الرصاص من قبل الجماهير الغاضبة .
ومن جانب اخر اقتحمت قوات الجيش العراقي مقر حلف بغداد واحتلته ولم يسمح لاحد من اعضائه من الدخول اليه او الاجتماع فيه ، وفي حديث صحفي عقد يوم 26 تموز سأل الزعيم عبد الكريم عن( ميثاق او حلف بغداد ) قال ( عندما تعترف دول الميثاق بالنظام الجديد فليس هذا الوقت مناسب لبحث الموضوع ).
وقد أبلغ السفير الامريكي في العراق حكومته بأن الحكومة العراقية الجديدة قد نفذ صبرها لعدم اعترافنا بها حيث مضى على عمر الثورة اكثر من اسبوعين في الوقت الذي اعترفت بها ستت عشرة حكومة وكلها من الكتلة الشيوعية ، لذا قررت الحكومة الامريكية والبريطانية التشاور مع دول الحلف باتخاذ قرار الاعتراف ، وفي الاول من اب اعترفت بريطانيا ثم اتبعتها امريكا في اليوم الثاني من اب ، وبعد ذلك أعترفت دول الحلف . رغم هذا الاعتراف ألا ان الشكوك ما تزال تراود الحكومة العراقية الجديدة .
عقب اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالنظام الجديد التقى السفير الامريكي في العراق بالزعيم عبد الكريم قاسم لتوضيح سياسة بلاده تجاه الثورة ، في الوقت ما تزال القوات الامريكية في لبنان ، وقد شكك الكثير من السياسين في نية امريكا وقد أكد له قاسم هذه الشكوك من نية امريكا غزو العراق ، واكد له قاسم بأنه سيقاوم ذلك ، قال له السفير بأن ارض العراق القاحلة لا تغري أيزنهاور على غزو فيافي العراق المقفرة ، فأبتسم قاسم واعرب عن رغبته في العلاقات الطيبة مع الولايات المتحدة الامريكية وسائر الدول الغربية ، واكد له قاسم عن الاصلاحات الاجتماعية والعسكريةالتي تحتاجه له بلاده وكذلك اكد له أنه لم يجازف بالقيام بالثورة بقصد تسليم العراق الى الاتحاد السوفيتي .
وكذلك اكد له بان العراق سيحترم التزاماته الدولية ، اما بشأن النفط فأكد له استمرار تدفق النفط لان العراق بحاجة الى زيادة كمية انتاجه الة 50%
- العلاقات العراقية – الامريكية بعد الثورة
بعد ان اعلنت الحكومة الجديدة في بغداد في بيانها الاول عن التزام العراق بالعهود الدولية وفق مصلحة الوطن وتقيم علاقاتها الخارجية مع الدول عامتاً وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ... وعلى هذا فهي تلتزم بالتزاماتها الدولية السياسية والاقتصادية السابقة مع السعي لتطويرها بطرق سلمية .لكن الشكوك لاتزال تراود السفير الامريكي في العراق حول مستقبل المصالح الامريكية في العراق ومنها المعونة العسكرية واتفاقية التعاون الفني وحلف بغداد ، ومن القضايا المهمة الاخرى التعويضات لعوائل الامريكين الثلاث الذين قتلوا على يد رجال الثورة .
وفيما بعد اخذت العلاقات بين الطرفين تكون اكثر وضوحاً حيث دفعت الحكومة العراقية التعويضات لذوي الضحايا الامريكان الثلاث ، اما المعونة العسكرية اكد رئيس الوزراء العراقي في مؤتمره الصحفي في 20 اب / 1958( ان المساعدات العسكرية الامريكية ستصل الاسبوع القادم الى العراق، وان مبدأنا ان نكون اصدقاء مع دول العالم لذلك لا يوجد سبب لرفض الاسلحة ).
ولكن الواقع يقول غير ذلك ، حيث تم ايقاف معظم المشاريع الكبرى واعادة النظر في العقود مع الشريكات الاجنبية وطرد الفنيون والمستشارون الغربيون من العراق ، ومن بين العقود التي الغاها وزير الاعمار كان عقداً لشركة هندسية امريكية ، وفي ايار عام 1959 تم الغاء اتفاقيتي العسكرية والاقتصادية مع امريكا .
وفيما يخص حلف بغداد تم انسحاب العراق منه في 24 /اذار/ 1959 في مذكرة سلمها وزير الخارجية العراقي هاشم جواد الى سفراء دول الحلف أن ثورة 14 تموز استهدفت تحرير العراق من كافة العقود والقيود التي تمس سيادة العراق ليستكمل العراق تحرره السياسي .
أما في مجال النفط اخذت الحكومة العراقية مسارات جديدة قوامها الاستفادة من الثروة الوطنية فدخلت في مفاوضات مع الشركات النفطية الامريكية في العراق أذ كانت الحكومة العراقية تهدف الى تخلي الشركات النفطية الامريكية عن 60%من مجموع مناطق امتيازاتها فضلا عن انشاء مصافي للنفط في العراق وبع مفاوضات استمرت ثلاث سنوات اصدرت الحكومة العراقية قانون رقم (80) لسنة 1961 الذي تم بموجبه سيطرة الحكومة العراقية على 5’99% من مناطق الامتيازات التي لم تستثمرها هذه الشركات .
على اثر هذه التطورات التي حدثت في العلاقات العراقية – الامريكية في الفترة الاخيرة من حكم عبد الكريم قاسم بعد ان انهى المصالح الامريكية الواحدة تلو الاخرى فضلا عن التطورات في الساحة العراقية خصوصا ً بعد مطالبة الحكومة العراقية بضم الكويت الى العراق عام 1961 ،وتطورات القضية الكردية في العراق ، جاء استقلال الكويت عام 1962 واعتراف الولايات المتحدة بالكويت وتعين سفيراً لها ، ادى الى قطع العلاقات العراقية – الامريكية وسحب الحكومة العراقية سفيرها من واشنطن علي حيدرسليمان واستدعاء السفير الامريكي في العراق احتجاجاً على تعين امريكا سفيرا ً لها في الكويت 1962 ثم غادر السفيرالامريكي العراق الى نهاية حكم عبد الكريم قاسم في 8 شباط 1963 .
في الواقع ومنذ عام 1961 اقتنعت الدوائر الامريكية في بغداد وواشنطن ان سياسية عبد الكريم قاسم الداخلية والخارجية من جهة واندفاع الاتحاد السوفيتي الى التغلغل في العراق من جهه اخرى، لم تكن الولايات المتحدة الامريكية على استعداد ابقاء الحال كما هو علية ، لذلك تبنت في نهاية 1961 الرأي القائل بضرورة تغير حكم عبد الكريم قاسم ، وبدأت فعلا نسج خيوط التغير مع بريطانيا والاتصال بالقوى القومية السياسية المناهضة لقاسم ومنهم القادة البعثيين الذين قادوا انقلاب 8شباط 1963 وهو ما ثبت بعد الانقلاب .
مصادر البحث : بغداد /15 تموز/ 2013
1- علاء كاظم نورس ، ثورة 14تموز في التقارير الدبلوماسين البريطانيين .
2- ريتشارد بارنيت ، حروب التدخل الامريكي في العالم .
3- نجدة فتحي صفوة ، العراق في مذكرات الدبلوماسين الاجانب .
4- ولدمار غولمان سفير الولايات المتحدة الامريكية في العراق ، عراق نوري السعيد .
5- ليورا لوكيتز ، العراق وابحث عن الهوية القومية .
6- سنان صادق حسين الزيدي ، سياسة الولايات المتحدة تجاه العراق عهد الرئيس عبد السلام محمد عارف شباط 1963-1966.