مقدمة
يعتبر القضاء الإداري قديما في أصوله ووجوده، حديثا في نظامه القانوني ، ويعتبر أغلب الفقه فرنسا مهدا له، حيث يرونه امتدادا متطورا وحديثا لنظام مجلس الملك الذي كان سائدا قبل الثورة الفرنسية، إلا أن البعض يرى في قضاء المظالم الذي عرفته الحضارة العربية الإسلامية نظاما يعد نموذجا فريدا ومتجاوبا مع مقتضيات وظيفة الدولة، وهو نظام يفرض رقابته على الولاة وعمال الدولة، وذوي السلطة بخلاف القضاء العادي.
ويتضح من ذلك فضل السبق للدولة الإسلامية في تقرير نظام القضاء المزدوج وفرض الرقابة القضائية على أعمال السلطة الإدارية، ولعل فرنسا قد اقتبست أو على الأقل تأثرت به، وعلى كل يصعب تكييف ولاية المظالم على المصطلحات والمفاهيم المستخدمة حاليا.
عموما فإن الفضل في ظهور القضاء الإداري يرجع إلى عوامل تاريخية تأتي في مقدمتها الأفكار التي جاءت بها الثورة الفرنسية عام 1789، والتي قامت على أساس الفصل الجامد بين السلطات، خاصة وأن فرنسا مرت خلال مرحلة ما قبل الثورة بتجربة غير مشجعة في علاقة القضاء بالإدارة وصلت إلى حد وقوف القضاء في وجه بعض الإصلاحات، الأمر الذي ترتب عنه تشويه صورة القضاء في تلك الفترة، وتعميق درجة النزاع بينه وبين الإدارة، وهو ما دفع الفلاسفة ورجال الفكر والفقهاء إلى دق ناقوس الخطر، فطالبوا الشعب بالدفاع عن حقوقهم، مما أدى إلى انفجار الثورة الفرنسية التي تضمنت من بين مقتضياتها منع المحاكم القضائية القائمة آنذاك من الفصل في المنازعات الإدارية للحفاظ على استقلال الإدارة اتجاه السلطة القضائية.
لذلك يبدو من الضروري الوقوف على معالم نشوء وتطور القضاء الإداري الفرنسي بالإضافة إلى بنيته واختصاصاته، وعلى هذا الأساس نتساءل عن:
ما هي مراحل نشوء وتطور القضاء الإداري؟
و ما هي التطورات الحاصلة على مستوى بنيته واختصاصاته؟
بهذا يكون من الضروري فحص وتحليل الإشكال السابق وفق التقسيم الأتي:
المبحث أول : نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي
المبحث ثاني: بنية واختصاص القضاء الإداري الفرنسي
المبحث الأول :نشأة وتطور القضاء الإداري الفرنسي
قبل الحديث عن تطور القضاء الإداري الفرنسي في (مطلب الثاني) لابد من إستحضار قبل ذلك مرحلة نشوئه (مطلب أولى)
المطلب الأول: نشأة القضاء الإداري الفرنسي 1872-1772
للوقوف على نشأة القضاء الإداري الفرنسي يجدر بنا أن نستحضر المراحل الثلاث التي مر بها، انطلاقا من مرحلة الإدارة القاضية (فرع أول) وصولا إلى مرحلة القضاء المحجوز أو المقيد(فرع ثاني) .
فرع أول: الإدارة القاضية أو الوزير القاضي
تجد الإدارة القاضية أساسها القانوني في نص المادة 13 من القانون الذي أصدرته الجمعية التأسيسية بتاريخ 16-24غشت 1790 الذي نص على إلغاء المحاكم القضائية ( البرلمانات ) وإنشاء ما يسمى بالإدارة القاضية أو الوزير القاضي كمرحلة أولى قبل إنشاء مجلس الدولة الفرنسي, ومنع السلطة القضائية من النظر في المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها و أصبحت الهيئات الإدارية هي صاحبة الاختصاص بالفصل في هذه المنازعات حيث تضمنت هذه المادة أن "الوظيفة القضائية مستقلة وتظل دائما منفصلة عن الوظيفة الإدارية ولا يمكن للقضاة بأي وجه من الوجوه أن يقوموا بعرقلة أعمال الهيئات الإدارية أو أن يقوموا باستدعاء رجال الإدارة للمثول أمامهم بسبب يتعلق بأداء وظائفهم الإدارية" وهذا تفسير مباشر لموقف رجال الثورة من السلطة القضائية و فيه خروج واضح على مبدأ فصل السلطات الذي اعتنقوه.
وبعد مرور سنوات من هذا التطبيق الخاطئ لمبدأ فصل السلطات كان من الضروري تصحيح هذه الوضعية عن طريق خلق هيئات متميزة عن الإدارة، ولو أنها بقيت خاضعة لها للاستشارة معها والاستعانة بها مع بقاء الكلمة النهائية لرئيس السلطة ألتنفيذية و بالتالي أنشئ مجلس الدولة الفرنسي في صورته الأولى في إطار القضاء المحجوز.
فرع الثاني: القضاء المحجوز 1799/1872
كانت هذه الخطوة الأولى ذات أهمية قصوى في تاريخ القضاء الإداري بفرنسا، إذ نشأت هيئة متميزة للنظر في القضايا الإدارية تمثلت في مجلس الدولة ومجالس الأقاليم رغم أن اختصاصاتها كانت محدودة و خاضعة لتصديق رئيس الدولة. فبنشوء مجلس الدولة أصبح تطور القضاء الإداري بفرنسا مرتبطا بتطور هذا المجلس و تطور الاختصاصات المسندة إليه في الميدان الإداري
بعد إحداث مجلس الدولة في 12 ديسمبر 1799 في عهد نابليون بونابرت وضعت بذلك اللبنة الأولى للقضاء الإداري باعتباره هيئة استشارية إلى جانب رئيس الدولة، حددت مهامه حسب المادة 11 من دستور السنة الثامنة في:
أولا:الميدان التشريعي
كان مجلس الدولة يقوم بتحرير مشاريع القوانين بطلب من رئيس الدولة وبطبيعة الحال فإن الفتاوى القانونية التي كان يقدمها مجلس الدولة إليه غير ملزمة إذ يبقى الرأي النهائي لرئيس الدولة، وبهذا عرف القضاء المقيد.
ثانيا:الميدان الإداري
أْوكل لمجلس الدولة بالدور الاستشاري للسلطة التنفيذية وتبعا لذلك كان يقترح على رئيس الدولة الحلول الخاصة ببعض النزاعات الإدارية "المادة 52 من الدستور للسنة الثامنة للثورة"
فلقد كانت السمة الأساسية لدور مجلس الدولة الفرنسي هي المساهمة منذ البداية في خلق قضاء إداري متميز عن القضاء العادي و بالتالي ازدواجية القضاء .
هكذا سيتم الانتقال من القضاء المحجوز إلى مرحلة القضاء المفوض نظرا لقصوره ومحدوديته.
المطلب الثاني: تطور القضاء الإداري الفرنسي 1872 - 2010
عرف القضاء الإداري الفرنسي في بداية تطوره نظام القضاء المفوض باعتباره مرحلة مفصلية (فرع أول) تلته إصلاحات خاصة بكل من مجلس الدولة والمحاكم الادارية (فرع ثاني)
فرع أول: نظام القضاء المفوض 1872-1889
يعتبر يوم 24 مايو 1872 محطة تاريخية مهمة في مسار تطور القضاء الفرنسي، ذلك أن صدور قانون بهذا التاريخ يعطي لمجلس الدولة الفرنسي اختصاص القضاء المفوض دون الرجوع إلى السلطة التنفيذية أي وضع نهاية لفترة القضاء المحجوز.
وإن كانت صفة القضاء المفوض هي السمة العامة منذ صدور هذا القانون إلى اليوم، فإن القضاء الإداري الفرنسي عرف بعض التطورات المهمة من خلال الاجتهادات القضائية الصادرة خاصة عن مجلس الدولة نفسه، والتي أدت إلى تقنين بعض الإصلاحات كان أهمها إصلاحات سنة 1953 و التعديلات التي أدخلت عليها لتنقسم إلى ثلاث مراحل
أولا: القضاء المفوض مع بقاء الإدارة القاضية .
منذ قانون 24 لسنة 1872، انتهت رسمياً مرحلة القضاء المقيد أو المحجوز لتحل محلها مرحلة القضاء البات أو المفوض، حيث أن هذا القانون خول لمجلس الدولة سلطة إصدار الأحكام النهائية اللازمة لحسم المنازعات التي تكون الإدارة طرفاً فيها، ولم يعد لرئيس الدولة أو لأية جهة إدارية أخرى من سلطة التعقيب على هذه الأحكام، ومع ذلك لم يعترف لمجلس الدولة بالصفة القضائية الكاملة بل ظلت الإدارة القاضية هي صاحبة الاختصاص العام في المنازعات الإدارية وحرم على أصحاب الشأن رفع دعواهم مباشرة إلى مجلس الدولة وكان واجباً عليهم اللجوء أولاً إلى الإدارة القاضية إلا في الحالات التي نص القانون صراحة على استثنائها. و أسنده إلى الإدارة وبهذا دخل القضاء الإداري بفرنسا إلى مرحلة جديدة عزز فيها القضاء المفوض بإيقاف تطبيق نظرية الوزير القاضي
ثانيا: القضاء المفوض مع إنهاء الإدارة القاضية :قرار كادو ديسمبر 1889 .
بموجب قرار مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 13 ديسمبر 1889 قضية كــــادو " Cadot " انتقل الاختصاص العام في المنازعات الإدارية إلى المحاكم الإدارية واعترف لمجلس الدولة الفرنسي لأول مرة بأنه مختص بالنظر في كل الطعون بالإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية إلا إذا كان هناك نص صريح يقضي بخلاف ذلك، بينما في السابق لم يكن المجلس مختصا إلا بناء على نص، فإن لم يكن هناك نص يعود الاختصاص إلى الوزراء.
فرع ثاني : الإصلاحات الخاصة بكل من مجلس الدولة والمحاكم الإدارية.
لقد صار مجلس الدولة الفرنسي، منذ حكم "كادو cadot" سنة 1889، صاحب الاختصاص العام بنظر المنازعات الإدارية إلا ما استثناه القانون صراحة وأسنده إلى الإدارة وظل مجلس الدولة يتمتع بهذه الصفة حتى بداية سنة 1954 ومنذ هذا التاريخ والمشرع الفرنسي يدخل التعديلات والإصلاحات على القضاء الإداري حتى يواكب التطور الذي يعرفه المجتمع الفرنسي، ومن هذه التعديلات صدور أول تشريع متكامل بشأن إعادة تنظيم مجلس الدولة سنة 1940 في ظل حكومة "فيشي vichy" ، غير أنه عقب سقوط هذه الحكومة ألغي هذا القانون وحل محله المرسوم الصادر في 31يوليوز 1945 والذي عدل بالمرسوم الصادر في 30 شتنبر 1953.
ويرى بعض الفقه أن إصلاح أو تعديل سنة 1953 يعتبر إصلاحا جوهريا دخل حيز التطبيق في بداية سنة 1954 وأعطى معالم جديدة للقضاء الإداري الفرنسي ذلك أن هذا التعديل نقل الاختصاص العام في المنازعات الإدارية الذي أعترف به لمجلس الدولة استنادا إلى حكم كادو إلى مجالس الأقاليم والتي أطلق عليها اسم "المحاكم الإدارية" حيث صارت هذه المحاكم القاضي العام في كل المنازعات الإدارية، وأصبحت اختصاصات مجلس الدولة محددة على سبيل الحصر إلى جانب اختصاصه كمحكمة نقض بالنسبة لأحكام بعض المحاكم الإدارية الخاصة وأيضا باعتباره محكمة استئناف بالنسبة لأحكام المحاكم الإدارية
ثم صدرت مراسيم متعددة في 30 يوليوز 1963 أدخلت عدة تعديلات على تنظيم سير مجلس الدولة ،تبين اختصاصاته وتكوينه وتنظيم النظام الأساسي للعاملين به، والتي تجد أساسها في حكم مجلس الدولة الفرنسي في قضية كنال canal بتاريخ 19 أكتوبر 1962، حيث أثار هذا الحكم ثائرة الحكومة الفرنسية، إذ ألغى أمر رئيس الجمهورية بتاريخ فاتح يونيو 1962، بناءا على القانون الإستفتائي ليوم 13 أبريل 1962 الذي خول في فصله الثاني لرئيس الجمهورية اتخاذ قرارات بواسطة أوامر أو حسب الحالات، مراسيم في مجلس وزاري أو كل الإجراءات التشريعية أو التنظيمية، من أجل تطبيق التصريحات الحكومية المؤرخة في 19 مارس 1962 والمرتبطة "بأوفاق إفيان" الخاصة باستقلال الجزائر. وكان يقضي الأمر الجمهوري الملغى، خلق محكمة عسكرية استثنائية للنظر قي بعض الجرائم التي لها علاقة بأحداث الجزائر، ونص ذلك الأمر على أن أحكام هذه المحكمة نهائية لاتقبل الطعن، فاعتبر مجلس الدولة أن عدم إمكانية جواز الطعن في أحكام هذه المحكمة يعتبر مسا خطيرا بإحدى المبادئ العامة للقانون وهو مبدأ حق الدفاع، وتبعا لذلك ألغي الأمر الجمهوري و مما زاد من حدة المشكل هو ان المحكمة حكمت بالإعدام على السيد canal , و مع إلغاء الأمر الجمهوري القاضي بعدم شرعية انشاء تلك المحكمة بدون إمكانية مراجعة الأحكام الصادرة عنها , أصبح حكم المحكمة غير ذي موضوع
"وترتب على موقف مجلس الدولة في قضية السيد "كنال canal" إدخال مجموعة من الإصلاحات سنة 1963 على مجلس الدولة، وتلتها إصلاحات أخرى منها مرسوم صادر في 9 شتنبر 1968 والذي يتعلق بتنظيم وتسيير مجلس الدولة ومرسوم 24 فبراير 1973 الذي حدد النظام الأساسي للعاملين بالمجلس إلى غير ذلك من المراسيم منها الصادر بتاريخ 26 غشت 1975 وكذا مرسوم 12 مايو 1980 ومرسوم 16 يناير 1981 . والإصلاحات التي انصبت على الإجراءات المتبعة أمام مجلس الدولة، إلا أن أهمها هو صدور قانون 31 دجنبر 1987 والذي أحدث محاكم استئناف إدارية كدرجة ثانية تستأنف أمامها أحكام المحاكم الإدارية لمختلف الأقاليم"
ثم الإصلاح الذي يشمل تنظيم وسير مجلس الدولة بمقتضى مرسوم 8 مارس 2008 وأخيرا الإصلاح الذي تم بمرسوم 22 فبراير 2010 المتعلق باختصاصات وسير محاكم القضاء الإداري والذي ادخل تعديلات على مدونة القضاء الإداري .
بعد تعرضنا للمراحل التاريخية التي مر بها القضاء الإداري الفرنسي سنعمل في المبحث الموالي على تناول تنظيمه وذلك بتبيان تركبيه واختصاصات أجهزته.
المبحث الثاني: تنظيم القضاء الإداري الفرنسي
تتمثل هياكل القضاء الإداري الفرنسي في المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية ، ومجلس الدولة الذي يعتبر أعلى هيئة قضائية كمحكمة نقض أساسا منذ إصلاح 1987، إلى جانب صلاحيات أخرى كمحكمة استئناف أو محكمة أول وآخر درجة في بعض القضايا. هذه المحاكم يختلف تأليفها واختصاصاتها باختلاف درجاتها, هذا ما سوف نتناوله من خلال هذا المبحث. البنية (مطلب أول) والاختصاص (مطلب ثاني)
المطلب الأول: بنية القضاء الإداري الفرنسي
قبل الحديث عن اختصاص القضاء الإداري الفرنسي - في فرع ثاني- لا بد وأن نتحدث عن بنيته – في فرع أول-
فرع أول: تركيبة مجلس الدولة
أولا : رئيس مجلس الدولة
بأمر 31 مايو 1945 في فصله الثالث تسند رئاسة المجلس إلى رئيس الحكومة المؤقتة وبمقتضى مرسوم 30يوليوز 1963 في فصله 17 أسندت الرئاسة إلى الوزير الأول يمارسها نيابة عنه وزير العدل, إلا أن من مظاهر استقلال المجلس عن الحكومة في إصدار أحكامه نجد أن الوزير الأول أو وزير العدل لا يملكان حق المشاركة في المداولات الخاصة بالأحكام, و بالتالي تبقى رئاسة شكلية تفرضها شكليات المراسيم الرسمية, وهذا لا يعني حرمان الوزراء من الحضور عندما ينظر في الاختصاصات الإدارية، و من حقهم أن يطلبوا من المجلس رأي المواطنين المتخصصين قصد تنويرهم، و يبقى الرئيس الفعلي للمجلس هو نائب الرئيس.
ثانيا: نائب رئيس المجلس
يعتبر نائب الرئيس رئيسا فعليا لأن الوزير الأول لا تسمح وضعيته كرئيس مجلس الدولة ووزير القيام بدوره بصفة مستقلة ونزيهة.
ثالثا: المندوبون
يوجدون في الدرجة الأولى أسفل السلم داخل المجلس وينقسمون إلى فئتين يختارون من بين المدرسة الوطنية للإدارة طبقا لنتائج الطالب عند تخرجه, و يبقى المتدرب سنتين تحت الاختبار وإذا لم يوفق في هذا الاختبار ينقل إلى وظيفة أخرى.
رابعا: النواب
يختار ثلاثة أرباع من داخل المجلس من بينهم مندوبون من الدرجة الأولى ويعين الربع الأخير من اختيار الحكومة من خارج المجلس شريطة أن تتوفر فيهم شرطين:
- بلوغ سن 30 على الأقل.
- وأقدمية 10سنوات داخل الإدارة على الأقل.
يتولون إعداد التقارير و موضوعات البحث ويتم إختيار من بينهم "مفوضو الحكومة" يعينون بمرسوم لهم دور أساسي في تحليل و إبراز القضايا القانونية عند ممارسة الاختصاص القضائي, ولقد حل" المقرر العام "محل "مفوض الحكومة " ابتداء من فاتح فبراير 2009 بمقتضى المرسوم المتعلق بالمقرر العام بمحاكم القضاء الإداري، كما نشير أيضا أنه من بين النواب يتم إختيار الكاتب العام للمجلس الذي يتولى سير العمل الإداري داخل المجلس والقيام بمهمة كتاب الضبط.
خامسا: رؤساء الأقسام
يتوفر المجلس على مجموعة من الأقسام ذات اختصاصات إدارية ومالية، وقسم الداخلية, بالإضافة إلى قسم الأشغال العامة والقسم الاجتماعي، أما القسم القضائي فهو بدوره يقسم إلى فروع يوجد على رأس كل منها رئيس.
سادسا: مستشارون في الخدمة غير العادية
يتم اختياالمستشارون من بين الشخصيات الكفأة في مختلف ميادين النشاط الوطني ويمارسون مهامهم لمدة سنتين و يحتفظون في غالب الأحيان بوظيفتهم الأصلية بجانب مهمتهم كمستشارين في الخدمة غير العادية تقتصر مهمتهم في الاختصاصات الإدارية دون القضائية.
فرع ثاني: تركيبة المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية
تم إنشاء المحاكم الإدارية الفرنسية في السنة الثامنة للثورة (1799) وهي نفس السنة التي أنشئ فيها مجلس الدولة وكانت تسمى مجالس الأقاليم conseils de prefecture ، وقد أحدثت بدافع تخفيف عبء عمل مجلس الدولة الذي أصبح عاجزا عن الفصل في جميع الدعاوى، لتراكمها وكثرتها في الوقت المحدد لذلك، وكذا لإنهاء عمل مجالس المقاطعات مسايرة للتطور الذي رافق المنظومة القضائية ابتداء من سنة 1926 بإلغاء مجالس المقاطعات وتحويلها إلى المجالس الجماعية للعمالة، تحقيقا لاستقلال المجالس الجهوية للقضاء الإداري وإعطائها صفة مجالس قضائية ، وبذلك أصبح مستشارو المجلس عبارة عن هيئة مستقلة لها نظامها واستقلالها، ولم يعد لكل إقليم مجلس خاص، كما أطلق المرسوم الصادر في 30 شتنبر 1953 على هذه المجالس اسم المحاكم الإدارية ثم تبعه مرسوم تطبيقي في 28 نوفمبر 1953 والذي أصبح ساري المفعول ابتداء من فاتح يناير 1954.
ونشير إلى أن كل محكمة تسمى باسم المدينة التي يوجد بها مقرها، ويبلغ عدد المحاكم الإدارية داخل التراب الفرنسي 28 محكمة بعد أن كان 26 فقط.
أولا: تركيبة المحاكم الإدارية
استنادا إلى مرسوم 30 سبتمبر 1953 تتكون المحاكم الإدارية من الأعضاء التالية.
1- الرئيس:
تتكون المحكمة الإدارية من رئيس واحد، يساعده نائب أو عدة نواب، وللرئيس وظائف إدارية وأخرى قضائية، تتمثل الأولى في السهر على توجيه مصالح المحكمة ونشاطها وضبط كل أنواع خدمات المستشارين وكتاب الضبط فيها، كما يعمل على تهييئ تقرير سنوي حول الإنجازات والأنشطة القضائية للمحكمة يوجه إلى وزير الداخلية.
أما فيما يخص الوظائف القضائية للرئيس، فباعتباره يتمتع بصفة قاضي فهو يسهر على إعداد مسطرة التقاضي في الدعاوى الإدارية، كما يعد طرفا في الحكم من جهة أخرى.
2- المستشارون:
وهم يتوزعون على درجتين، أولى وثانية، ويتم تعيينهم إلى جانب رؤساء المحاكم الإدارية، بناء على مراسيم باقتراح من وزير الداخلية وموافقة وزير العدل مرتكزين في ذلك على خريجي المدرسة الوطنية للإدارة مع الاحتفاظ ببعض التعيينات خارج هؤلاء بصفة محدودة.
ثانيا: تركيبة محاكم الاستئناف الإدارية
تعد محاكم الاستئناف الإدارية درجة ثانية للتقاضي، إذ تنظر في النزاعات التي سبق عرضها أمام المحاكم الابتدائية الإدارية بعد الطعن بالاستئناف في الأحكام الصادرة عن هذه الأخيرة من طرف المعنيين بالأمر.
ولقد تم إحداث هذا النوع الجديد من المحاكم الإدارية بفرنسا بمقتضى القانون رقم 87-1127 بتاريخ31 دجنبر 1987 المتعلق بإصلاح نظام المنازعات الإدارية والذي جعل منها درجة وسطى بين المحاكم الإدارية ومجلس الدولة، هكذا أصبحت فرنسا تعرف التقاضي الثلاثي لأول مرة في المجال الإداري.
ونشير إلى أن محاكم الإستئناف الإدارية الفرنسية دخلت حيز التنفيذ لأول مرة في فاتح يناير 1989 .
كما تم تحديد عددها في البداية في خمس محاكم استئناف وارتفع إلى ستة ثم إلى سبعة محاكم
هكذا تتشكل محاكم الاستئناف الإدارية من مجموعة من الغرف، إذ يترأس كل محكمة مستشار الدولة من الخدمة العادية، وتضم كل غرفة من أجل الحكم رئيسا وأربعة مستشارين.
ويمكن لمحكمة الاستئناف الإدارية أن تنعقد في تشكيلة كاملة تشمل الرئيس، ورؤساء الغرف والمستشارين، وتحتوي محكمة الاستئناف الإدارية على مقرر عام الذي يقوم بالدفاع عن القانون واقتراح بعض الخلاصات، والذي كان يسمى سابقا مفوض الحكومة.
ويتم تعيين قضاة هذه المحاكم من بين أعضاء المحاكم الإدارية الذين يتوفرون على الأقل على درجة مستشار من الدرجة الأولى، والمتوفرون على أقديمة ست سنوات من الخدمة الفعلية، من بينها أربع سنوات في الوظيفة القضائية،كما يمكن للموظفين المدنيين والعسكريين وأيضا موظفي الجماعات المحلية الولوج إلى هذه المحاكم شريطة تحقق بعض الشروط فيهم وذلك حتى تستطيع هذه المحاكم الاستفادة من مختلف الخبرات.
المطلب الثاني: اختصاصات القضاء الإداري الفرنسي
للمحاكم الإدارية الفرنسية اختصاصات متعددة، تتوزع في الغالب بين الاختصاص الاستشاري والقضائي.
فرع أول: اختصاصات مجلس الدولة
لمجلس الدولة اختصاصان رئيسيان، الأول ذو طبيعة استشارية تقف عند حدود الإفتاء، والثاني ذو طبيعة قضائية تنتهي بصدور الأحكام.
أولا: الاختصاص الاستشاري
تلجأ الحكومة في مشورتها إلى المجلس من ناحيتين التشريعية والإدارية وذلك من خلال:
1-الميدان التشريعي:
يختص بصياغة مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة له، فهي ملزمة بعرض مشروعها على المجلس قبل عرضه على البرلمان طبقا للفصل 39 من الدستور الفرنسي المعدل لسنة 2008.
2- الميدان الإداري:
تتمثل مهمة المجلس بالفتوى وإبداء الرأي فيما تعرض عليه من أمور, فالإدارة ملزمة باستشارة المجلس قبل إصدار المراسيم ولوائح الإدارة العامة طبقا للمادة 83 من دستور 2008.
أما باقي أنواع اللوائح ( القرارات التنظيمية) فإن الاستشارة تكون اختيارية وأحيانا إجبارية بالنسبة للقرارات الفردية, وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة إذا كانت غير ملزمة بالاستشارة وطلبت ذلك فهي غير مقيدة بمضمونها وأحيانا تكون ملزمة بطلب الاستشارة وغير ملزمة بالأخذ بها، وقد تكون ملزمة بأخذ الاستشارة و الأخذ بها
ثانيا: الاختصاص القضائي
بمقتضى 24 مايو 1872 أصبح مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة عن الإدارة، واستمر الوضع على هذا الحال حتى 13 ديسمبر 1889 حيث أصدر مجلس الدولة حكمه الشهير في قضية كادو, و بذلك تخلى عن نظرية الوزير القاضي وأعلن صاحب الاختصاص العام في القضايا الإدارية.
وتبعا للتطورات فقد أُنيط بمجلس الدولة دور محكمة أول و آخر درجة و كذلك محكمة استئناف.
1-مجلس الدولة كمحكمة أول و آخر درجة:
بقتضى مرسوم 30 شتنبر 1953و مراسيم 1963 أصبح مجلس الدولة على سبيل الحصر, أول وآخر درجة للتقاضي و يقتصر اختصاصه في هذا الباب على :
• الدعاوى الرامية إلى إلغاء القرارات التنظيمية و الفردية الصادرة في شكل مراسيم من أجل الشطط في استعمال السلطة.
• المنازعات الخاصة بالموظفين المعنيين بمراسيم تتعلق بوظائفهم.
• الدعاوى المرفوعة ضد القرارات الإدارية التي يمتد تنفيذها حدود المحكمة الإدارية الواحدة.
• المنازعات التي تقع في مناطق لا تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية.
• دعاوى متعلقة بفحص أو شرعية القرارات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة.
وبمقتضى مرسوم 29فبراير 2010 المتعلق باختصاصات وسير مختلف محاكم القضاء الإداري, تم تقليص اختصاصات مجلس الدولة كمحكمة أول و آخر درجة بالنسبة للدعاوى المسجلة من فاتح أبريل 2010 و المتعلق بالقضايا التالية:
منازعات إدارية واقعة خارج النطاق الترابي لقضاء محكمة إدارية.
طعون موجهة ضد القرارات التي يمتد مجال تطبيقها الترابي أكثر من اختصاص مكاني لمحكمة إدارية.
الطعون المقدمة ضد العقوبات الإدارية المتخذة من لدن المدير العام للمركز الوطني السينمائي طبقا للمادة 13من مدونة الصناعة و التجارة.
2-مجلس الدولة كمحكمة استئناف:
يجيز قانون استئناف الأحكام الصادرة من بعض المحاكم أمام مجلس الدولة خصوصا القضايا الإدارية في أقطار ماوراء البحار, و التي لا يمكن الطعن في أحكامها عن طريق الاستئناف أمام المحاكم الإدارية المحدثة بموجب قانون 31ديسمبر 1987.
3-مجلس الدولة كمحكمة نقض:
يفصل مجلس الدولة باعتباره محكمة نقض في الطعون المقدمة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية في مجالات معينة وعن بعض الهيئات و المجالس الإدارية كمحكمة الحسابات و المجلس الأعلى للتربية و غيرها من المجالس و الهيئات.
فرع ثاني : اختصاصات المحاكم الإدارية ومحاكم الاستئناف الإدارية
أولا: اختصاصات المحاكم الإدارية
تضطلع المحاكم الإدارية بكل من المهام الاستشارية(أولا) والقضائية(ثانيا).
1- مهام ذات طبيعة استشارية:
تقوم المحاكم الإدارية بإصدار الرأي في المسائل التي تعرض عليها من قبل الإدارة المختصة في نطاق الحدود الإقليمية للمحكمة، إلا أن هذا الدور محدود جدا. وقد وجدت هذه الوظيفة الاستشارية للمحاكم الإدارية منذ ظهورها في مراحل تطوراتها المختلفة.
2- مهام ذات طبيعة قضائية:
تعتبر المحكمة الإدارية ، في حدود إقليمها الجهة القضائية صاحبة الولاية العامة كأول درجة للتقاضي في جميع المنازعات الإدارية إلا ما استثني بنص القانون. ويطعن في أحكامها بالاستئناف أمام محاكم الاستئناف الإدارية، باستثناء الحالات التي تستأنف أمام مجلس الدولة.
ثانيا: اختصاص محاكم الاستئناف الإدارية
تختص محكمة الاستئناف الإدارية من الناحية الترابية بالنظر في طلبات الاستئناف المقدمة ضد أحكام المحاكم الإدارية او ضد القرارات الإدارية الصادرة عن اللجان القضائية والمتعلقة بتعويض الفرنسيين المقيمين في أقاليم ما وراء البحار,
كما أن الفصل الأول من قانون إنشاء محاكم الاستئناف الإدارية لسنة 1987 نص على اختصاص هذه المحاكم والذي جاء عاما إلا ما استثني بنص خاص كما هو الحال بالنسبة لـ :
طعون الاستئناف المتعلقة بالمنازعات الانتخابية المحلية؛
دعاوى الإلغاء ضد القرارات التنظيمية؛
منازعات تقدير المشروعية,
والتي عهد المشرع الفرنسي إلى مجلس الدولة اختصاص البث فيها كمحكمة استئناف، أيضا فإن الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الإدارية تكون قابلة للطعن بالنقض أمام مجلس الدولة,
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن المشرع الفرنسي لم يقرر لمحاكم الاستئناف الإدارية أي اختصاص استشاري على غرار المحاكم الإدارية ومجلس الدولة.
خاتمة
إن الباحث في موضوع القضاء الإداري الفرنسي يستنتج خصوصيات هذا النظام، خصوصا ما يتعلق بمسألة إشكالية فك تنازع الاختصاص القضائي الذي كان يدخل في اختصاص السلطة التنفيذية في السنوات الأولى من الثورة الفرنسية ، لكنه و بعد إنشاء مجلس الدولة في صورته الأولى في السنة الثالثة عمد إليه البث في النزاع، حيث أن القضاء في هذه الفترة كان محجوزا إذ كان رئيس الدولة هو الذي يقوم مقام الحكم بين الجهتين القضائيتين لحماية المواطنين بصفة خاصة إلا أن إرساء نظام القضاء المفوض فرض ألا يتكلف القضاء الإداري بنفسه بفك إشكاليات التنازع المطروحة، فكان من الضروري اللجوء إلى محكمة التنازع كهيئة قضائية ذات طابع ازدواجي تكون أحكامها ملزمة للجهتين، و عليه أصدر المشرع الفرنسي قانونا في 24 مايو 1872 بإنشاء محكمة التنازع و هي محكمة مستقلة محايدة تعلو على جهتي القضاء العادي و القضاء الإداري و تختص بالفصل في إشكالات الاختصاص بينهما. ويبقى القضاء الإداري الفرنسي وجهة لكل الأنظمة الإدارية الأخرى. فهل ستظل هذه الأخيرة تابعة للأول أم ستتجاوزه تطور بنية وإختصاصاتها؟
منقول