مقدمة
عانت بلجيكا طوال العصور الغابرة، من احتلال متواصل لها من قبل جيرانها والقوى العظمى التي تطورت في العصور السابقة في أوروبا (القرن السابع عشر والثامن عشر) مثل اسبانيا والنمسا. ولم تظهر شخصية بلجيكا إلا في عام 1790 مع الثورة التي خاضها سكانها ضد الحكم النمساوي، ولكن سرعان ما احتلتها فرنسا كما احتلتها هولندا ووحدتها إداريا.
وانفصلت بلجيكا عن هولندا عام 1830 وأعلنت الاستقلال وتم الاعتراف باستقلالها عام 1831 في مؤتمر عقد في لندن باعتبارها دولة ملكية دستورية وراثية. ومنذ ذلك التاريخ عرفت دولة بلجيكا كما هي الآن.
عاشت على الأرض البلجيكية أقوام مختلفة وما زالت تعيش عليها ثلاثة أقوام هم:
1. الفلمنك أو الفلامان ويشكلون عدديا غالبية السكان وهم من أصول جرمانية ويتحدثون باللغة الهولندية.
2. الوالون وهم قريبون من الفرنسيين ولهم لغة قريبة من الاندثار تعتبر لهجة مشتقة من اللغة الفرنسية ويتكلمون اللغة الفرنسية حاليا.
3. الجرمن وهم من أصل ألماني ويتكلمون الألمانية وعددهم حوالي 50000 نسمة فقط.
و يمكن الإضافة في هذه الإطار على أن بلجيكا تتمتع بالتعدد الثقافي أما بالنسبة للدستور المعمول في بلدها كان في سنة 1831 وقد تم تعديله أكثر من مرة كان أخرها سنة 1993، كما ينبغي الإشارة في هذا الصدد على أن مجلس الدولة في بلجيكا نشأ سنة 1946 وهي نفس السنة التي نشأ فيها مجلس الدولة المصري وهكذا نجد في بلجيكا مجلس دولة واحد يحدد القانون تكوينه ومسؤوليته. ووظائفه وعلى كل حال، فإن القانون يسمح بتأسيس إجراء بما ينسجم والمبادئ التي يصفها ويحكم مجلس الدولة بوصفه سلطة قضائية إدارية ويعطي رأيه بتلك القضايا التي يحددها القانون وهذا ما أكدته الفقرة 160 من الدستور البلجيكي أما بالنسبة لهيكلة القضاء الإداري البلجيكي، فيتمتع بتركيبة متنوعة وذلك بناءا على الفصل السادس من الدستور البلجيكي بحيث توجد محكمة واحدة لعموم بلجيكا وتوجد خمس محاكم استئناف، كما توجد محاكم عسكرية وتجارية ومحاكم العمل ومحاكم تنفيذ الأحكام ومحاكم الشرطة ومحكمة عليا واحدة التي تعتبر أعلى إلى غير ذلك
وعلى هذا الأساس يمكن طرح الإشكالية التالية – ما مدى تأثير التطور التاريخي على التنظيم القضائي الإداري البلجيكي؟.

المبحث الأول: التطور التاريخي للقضاء الإداري البلجيكي
توالت على بلجيكا، العديد من الأحداث الهامة التي أثرت في تاريخها كثيرا كما تعرضت للإحتلال أكثر من مرة، خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وشهدت خلال هذا العصر نهضة عالية نتجت عنها الثورة البلجيكية سنة 1830 والتي ترتب عليها استقلال بلجيكا. فكيف كان نظام القضاء الإداري في هذه الدولة قبل الاستقلال؟ وكيف تطور مع حصول الدولة على الاستقلال؟
المطلب الأول : مرحلة قبل إنشاء مجلس الدولة
لفترة طويلة اعتبر أن الدولة ليس لها إلا ثلاث وظائف رئيسية :
- السلامة العامة
- جمع الضرائب
- إقامة العدل
ولم تكن الدولة آنذاك تخضع لرقابة القانون، إلا أن الأمر بدأ يتغير شيئا فشيئا تحت تأثير ظروف مختلفة أهمها:
• موقف ضعف السلطة القائمة، الأمر الذي يدفعه لتقديم تنازلات (ex. Angleterre au XIIIème siècle, Magna Carta)
• نتيجة لثورة وقوة جديدة تريد أن تتفاعل ضد انتهاكات النظام السابق (ex. France en 1789, Allemagne post-nazie, Portugal, Roumanie)
• رغبة السلطة في الاصلاح و التخلى عن الشمولية(ex. Espagne post-franquiste, anciennes républiques soviétiques)
نتيجة لهذه الحالات, السلطة قررت الخضوع للمراقبة. وإن كان هذا ليس ضمانا لدولة القانون, إذ يجوز للدولة أن تقرر الخضوع للمراقبة بما فى ذلك ما يتناسب وطابعها السياسي (ex. France sous Pétain) إلا أن هذا يسمح على الأقل خضوع الدولة للقانون بقدر أكبر أو أقل شمولا.
والمراقبة تتم من طرف :
• داخل الإدارة : مراقبة داخلية
• أو خارج الإدارة : ويتم تقديمها من قبل أربعة أنواع مختلفة من المؤسسات، جنبا إلى جنب أو منفصلة :
• أمين المظالم أو الوسيط (Ombudsman ou médiateur)
• المحاكم العادية
• المحاكم القضائية المتخصصة
وسنقتصر في هذا الفرع دراسة أمين المظالم أو الوسيط الذي كانت تعرفه الدولة أنذاك.
فلقد استوردت بلجيكا في قانونها مؤسسة الوسيط. وهذه المؤسسة لم تكن تابعة للسلطة التشريعية الاتحادية وبذلك لا يمكن اعتبارها مؤسسة لحماية الحقوق الأساسية. بل كانت فقط وسيلة لتنظيم الإدارة.
والوسيط يجب أن تكون لديه مهارات متعددة تمكنه من القيام بمهامه، وكانت كل إدارة ملزمة بتوفرها على وسيط بالإضافة إل وسطاء الاتحادية.
تتكون وسطاء الاتحادية من عضوين أحدهما فرنسي والآخر فلمنكي، يتصرفان بشكل جماعي، يتم تعيينهم لمدة 6 سنوات (قابلة للتجديد) من قبل مجلس النواب ولهم نفس وضعية المستشارين لديوان المحاسبة، مع مراعاة عدم التوافق من أجل ضمان استقلالهم.
لوسطاء الاتحادية أربع واجبات :
1 °. تلقي الشكاوى: من كل شخص ضحية لنقص الخدمات العامة، وتتم كتابة أو شفويا، دون مصاريف أو شكليات محددة
2 °. التحقيق: عندما تكون الشكوى مقبولة فإن للوسطاء صلاحيات واسعة للتحقيق (ولا يمكن الاحتجاج بالسرية المهنية). وهي تحاول أولا التوفيق بين وجهات نظر الأطراف المعنية.
3 °. تقديم توصيات : في حال لم يتمكن الوسطاء من التوفيق بين وجهات نظر الطرفين، فإنها يمكن أن تقدم توصيات إلى الإدارة وتقديم تقرير إلى الوزير.
4 °. تقرير: يجب على الوسطاء تقديم تقرير سنوي لمجلس النواب التي تنشر فيه.
المطلب الثاني : مرحلة إنشاء مجلس الدولة
الفرع الأول: بوادر إنشاء مجلس الدولة من 1831 إلى 1946
عرفت بلجيكا مجلس الدولة خلال الإمبراطور شارل الخامس سنة 1531، وكان مجلس الدولة يتكون من 12 عضوا، يعينون مدى الحياة، يتم اختيارهم من رجال الدين وطبقة النبلاء، وكانت مهمة مجلس الدولة في ذلك الوقت مناقشة المسائل السياسية الكبرى والإدارية والعسكرية. فكانت له وظيفة هامة في الحياة السياسة البلجيكية نظرا لما يشكله من ضمانة حقيقية ضد تعسف السلطة فظل حتى نهاية النظام القديم وبعد حصول بلجيكا على الاستقلال سنة 1830 و تبنت بلجيكا في 1831 دستورا جديدا واختارت الأمير ليو يولد كوربورج خال فيكتوريا ملكة بريطانيا ملكا لها. وتمت إزالة مجلس الدولة بسبب أن أسمه أثار ذكريات سلطة النظام القديم، كل هذه العوامل جعلت فكرة مجلس الدولة تتعرض لمجموعة من الإرهاصات فكان أول من طالب بإنشاء مجلس الدولة في التشريع هو تشارز روجير وتبعه في سنة 1833 توبارتو لومبو ثم وزير الداخلية الذي دعا بدوره إلى إنشاء مجلس الدولة فقدم قرار وزاري يعرض فيه ضرورة إنشاء مجلس الدولة يرسخ القضاء الإداري وفكرة الازدواج القضائي فرفض هذا الاقتراح وتم إنشاء مجلس التشريع سنة 1911 من قبل الوزير كارتودي ويرت.
وبعد حرب 1914 -1918 عادت إلى الظهور مرة أخرى مسألة إنشاء مجلس الدولة البلجيكي ومحكمة إدارية عليا من طرف مجموعة من المحامين والبرلمانيين نظرا لكثرة التعسفات الإدارية وعقب حكم fladeria الصادر عن محكمة النقض سنة 1920 والتي أقرت مسؤولية الدولة فكان هذا الحكم بمثابة بصيص من الأمل للمطالبين بإنشاء مجلس الدولة فبادر wiart في سنة 1934 بتقديم مشروع قانو ن سنة 1937 للمناقشة. فانقطع استعراض المشروع في البرلمان غداة الحرب العالمية الثانية ورغم كل هذه العراقيل لم يفقد أنصار القضاء الإداري الأمل في إنشاء مجلس الدولة فقدم وزير الداخلية سنة 1945 مشروع القانون وبموجبه أحدث مجلس الدولة البلجيكي سنة 1946.
الفرع الثاني : إنشاء مجلس الدولة البلجيكي
تم إنشاء مجلس الدولة في نهاية الحرب العالمية الثانية بموجب قانون 23 دجنبر 1946 وهو بمثابة محكمة إدارية تقدم تقاريرها إلى السلطة التنفيذية وفي سنة 9 أكتوبر 1948 تم إصدار تركيبتها والمهام التي تقوم بالتعامل مع الطعون المقدمة من القرارات الإدارية أو القيام بدور استشاري للحكومات ببلجيكا (الاتحادية والإقليمية) والمجتمع في المسائل التشريعية والتنظيمية.
وقد تم تعديل تنظيم صلاحيات مجلس الدولة منذ سنة 1946 44 مرة بما في ذلك تعديل 12 يناير 1973
فإلى غاية إصلاح 2006 كان مجلس الدولة هو المختص بالنظر في الطعون والقرارات المقدمة من اللاجئين في وزارة الهجرة والمفوض العام لشؤون اللاجئين وعديمي الجنسية، وقد أناط هذا الإصلاح الدور لولاية جديدة وهي مجلس التقاضي الخارجي و مجلس المنازعات الخارجي.
ويعود آخر تعديل إلى تاريخ 15 مايو 2007 والذي قسم القوانين إلى 9 أجزاء : الجزء الأول المؤسسة، الجزء الثاني اختصاص التشريع، الجزء الثالث اختصاص شعبة القضاء الإداري، الجزء الرابع الإلغاء الجزء الخامس الإجراءات، الجزء السادس استعمال اللغات في مجلس الدولة و الجزء السابع تنظيم مجلس الدولة.
المبحث الثاني : القضاء الإداري البلجيكي بعد إنشاء مجلس الدولة
بعد إنشاء مجلس الدولة البلجيكي، تطور القضاء الإداري وأصبح منظما بمجموعة من القواعد القانونية المتعلقة بالسلطة القضائية بشكل عام وبالجهات القضائية وأنواعها ودرجاتها بشكل خاص.
لذا سنتطرق إلى التنظيم والإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري البلجيكي (المطلب الأول) وفي المطلب الثاني سنتطرق إلى خصائص و خصوصيات هذا النظام القضائي.
المطلب الأول : التنظيم والإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري البلجيكي
الفرع الأول : تنظيم القضاء الإداري البلجيكي
يتمتع التنظيم القضائي في بلجيكا بتركيبة متنوعة من المحاكم فهو نظام قضائي غير منظم و يتميز بازدواجية الوظائف، وما يفسر ذلك هو وجود كم هائل من المحاكم مثل :
• محكمة الحسابات
• مجلس القضاء في إقليم بروكسيل
• المحاكم الخاصة (الأطباء – الأطباء البيطريين – الصيادلة – المهندسين المعماريين والمحاميين)
• المحاكم التأديبية
• مجلس المنافسة
• اللجنة الخاصة لتعويض الحبس الاحتياطي غير القانوني
وللإشارة فإنه لا يمكن تشكيل محكمة قضائية إلا بموجب قانون ولا يمكن تشكيل لجان أو محاكم استثنائية تحت أي اسم كان.
وتتوفر بلجيكا أيضا مجلس دولة بالإضافة إلى محكمة استئناف عليا وأيضا على مجلس أعلى للقضاء (يحترم استقلال القضاة أثناء ممارسته لأعماله و يتشكل من مجمعين فرنسي وفلامان).
مجلس الدولة البلجيكي
أنشئ مجلس الدولة بموجب قانون 23 يونيو 1946 بنفس السنة التي أنشئ فيها مجلس الدولة المصري وظيفته فحص مشروعية القرارات والمراسيم الإدارية بدعوى أنه يملك الحق في ممارسة الرقابة العامة على كل الهيئات الإدارية وتحدد المادة 160 من دستور 1993 تكوينه ومسؤولياته ووظائفه إلا أنه قد يسمح القانون بوضع بعض الإجراءات اللازمة.
حسب المادة 69 من القانون المنظم لمجلس الدولة، يتكون هذا الأخير من 44 عضو تتوزع على الشكل التالي :
• رئيس أول
• رئيس
• 14 رئيس غرفة
• 28 مستشار دولة
يتم اقتراح هؤلاء الأعضاء على الملك من طرف المجلس الأعلى للقضاة، و يراعي في تعيينهم مقاربة لغوية وهذا ما يميز القضاة البلجيكيين على مختلف الدول الأخرى وهذا لا يعني أن لمجلس الدولة خصوصيات أخرى تجعله ينفرد عن باقي مجالس الدول فهو يتشابه إلى حد كبير مع مجلس الدولة الفرنسي.
بالإضافة إلى أعضاء مجلس الدولة، نجد :
• كتابة الضبط
• هيئة المدعي : (والذي يتكون من المدعي العام – المدعي العام المساعد – 14 مدعي رئيس قسم – 64 مدعي أول – مدعي مساعد)
1. محكمة الاستئناف العليا :
تتوفر بلجيكا على محكمة استئناف عليا: واحدة لعموم بلجيكا مهمتها محاكمة الوزراء وأعضاء الحكومة الإقليمية وحكومات التجمعات فهي لا تنظر في الأمور الجوهرية.
الفرع الثاني : الإجراءات المتبعة أمام القضاء الإداري البلجيكي
لا توجد مساطر إدارية خاصة أو قانون عام متعلق بالمسطرة الإدارية بحيث أن القانون الإداري البلجيكي في حد ذاته هو قانون تم إحداثه عن طريق الاجتماعات القضائية وآراء فقهية.
لكن هذا لا يمنع من ذكر بعض المساطر المستخدمة من قبل قسم القانون وكذا قسم القضاء الإداري. فيما يخص الإجراءات الإدارية في قسم التشريع فلا توجد مسطرة إدارية كما سبق القول إلا أن التشاور مع قسم التشريع مفتوح فقط للأعضاء في مختلف الحكومات ورؤساء المجالس النيابية لكن تم إخفاء الطابع الرسمي على القواعد الإجرائية في تعميم مستشار رئيس الوزراء المؤرخ في 10 ديسمبر 2004. هذا التعميم يحدد الشكل الذي يجب أن تسلم رسالة من طلب الرأي استنادا إلى موضوعه (قانون أو لائحة) وضمن الفترة التي يطلب مشورة 5 أيام أو 30 يوما إلى أن تتحقق الإجراءات الأولية كجزء من تطوير المشروع.
أما فيما يخص الإجراءات المتبعة في قسم القضاء فهناك نهج لمسطرة مبسطة تهم إجراء الإلغاء وهناك مذكرة جوابية وسجلات الإدارة و الإجراءات التي تهم التعليق والنقض.
المطلب الثاني : اختصاص و خصوصيات القضاء الإداري البلجيكي
الفرع الأول : اختصاص القضاء الإداري البلجيكي
مجلس الدولة البلجيكي محكمة إدارية يحتوي على قسم تشريعي يمارس وظيفة استشارية في الميدان التشريعي (القانون) وقسم قضائي اختصاصاته قضائية محضة تهم القضايا الإدارية المتعلقة بالقرارات الغير قانونية المضرة بالمواطنين.
ففيما يخص القسم القضائي، يوكل له مجموعة من الاختصاصات أهمها :
• قضاء الإلغاء
• قضاء التعويض
• القضاء الشامل
• نقض الأحكام
أما فيما يخص طلبات موافقة النصوص التشريعية للدستور، فهو غير مختص بالنظر فيها، لكنه يتوجه بطلب إلى محكمة التحكيم نظرا لتوفر على بعض الاختصاصات الدستورية.
وتتميز الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة بحجية الأمر المقضي به.
أما فيما يخص القسم الاستشاري فمجلس الدولة يعكس وجهات النظر حول مشاريع القوانين والقرارات التنظيمية التي تقدمها الحكومة ومقترحات القوانين التي تقدمها السلطة التشريعية.
فقسم التشريع يقدم المشورة في القوانين على وجه الحصر وهذا يعني أنه لا يلحق على كل القوانين الشيء الذي يجعل أن آراؤه في مجال التشريع لا تكون لها سلطة ملزمة. فزد على ذلك أن قسم القانون لا يبث في مطابقة المشاريع مع الدستور وقانون الجماعة الأوروبية.
الفرع الثاني : خصوصيات النظام القضائي البلجيكي
لما كانت بلجيكا عبارة عن دولة فيدرالية تتكون من مجتمعات وأقاليم حيث نجدها منقسمة إلى ثلاثة أقاليم، الإقليم الفالوني الإقليم الفلامندي وإقليم بروكسيل. ولما كانت كذلك مقسمة لغويا إلى أربع أقاليم إقليم اللغة الفرنسية، إقليم اللغة الهولندية، إقليم ثنائي اللغة وإقليم اللغة الألمانية بالإضافة إلى التفكك الذي تعرفه حيث لم تنبثق الفيدرالية البلجيكية كغيرها من الفيدراليات الكبيرة عن اتحاد بين وحدات سياسية موجودة مسبقا. وإنما انبثقت نتيجة التنازل عن السلطات في دولة موحدة فإن خصوصيات نظامها الترابي والسياسي جعل من تنظيمها القضائي يتميز بمجموعة من الخصوصيات. ففي البداية ورغم تأثر القانون الإداري البلجيكي بنظيره الفرنسي إلا أنه اختلف عنه في مجموعة من النواحي، فدستور 1831 نص على مبدأ وحدة القضاء فالسلطة القضائية تظهر باعتبارها قاضي لجميع المنازعات المتعلقة بالقانون العام ورفض أي وجود للمحاكم الإدارية. إلا أنه ومن السلبيات التي كانت خلال هذه الفترة أن الرقابة القضائية للإدارة من طرف المحاكم كانت جد ضعيفة إذ كانت تعتبر إحدى نقائص النظام القضائي البلجيكي في كل مناطق بلجيكا وبعد ذلك نجد أنه تم الاتجاه إلى إنشاء المحاكم المتخصصة فتم العمل على إنشاء محاكم خاصة بالعمال وأصحاب العمل تتعلق بالنزاعات التي تثور بينهم بشأن الأجور والضمان الاجتماعي بالإضافة إلى المحاكم التجارية التي كانت تختص بالأمور التجارية والنزاعات التي تنشأ بين التجار ثم تم إنشاء محاكم عسكرية متخصصة في القضايا التي تتعلق بالجنود ورجال السلطة كذلك يوجد قاضي في كل منطقة يشرف على الحالات التي تتعلق بالمجموعات الدينية. بالإضافة إلى هذه المحاكم المتخصصة تم إنشاء مجلس الدولة البلجيكي سنة 1946 الذي ينظر في القضايا الإدارية إذ يملك الحق في ممارسة الرقابة العامة على كل الهيئات الإدارية وبهذا يمكن القول أن مجلس الدولة البلجيكي يتشابه مع مجلس الدولة الفرنسي والإيطالي ويتجلى ذلك في تضمين المجلس هيئة استشارية وقضائية بالإضافة إلى جمعية عمومية .
بالإضافة إلى المحكمة العليا التي تعتبر أعلى محكمة في البلاد التي يتم تعيين قضاتها مدى الحياة من قبل الملك بناءا على ترشيحات تقدم من قبل مجلس العدل الأعلى.
ومن خصوصية النظام القضائي البلجيكي أيضا أنه يوجب على القاضي أن يتقن لغات لمسايرة القضايا على اعتبار وضع بلجيكا وتقسيمها الترابي واللغوي.
خاتمة:
وانطلاقا مما سبق يمكن القول في كلمة موجزة أن التطور التاريخي للقضاء الإداري البلجيكي رغم تأثره بالنظام القضائي الإداري الفرنسي إلا أنه يتميز بخصوصية تجعله متميزا عن باقي الأنظمة الثقافية الأخرى، وذلك يتجلى من خلال نظامه بحيث يعتبر نظام ملكي له حكومات اتحادية كما يتميز بسمات أخرى كتعدد اللغات وتعدد المحاكم وأن تكون للقاضي لغتين اللغة الفلامينية واللغة الفرنسية.

منقول